ثقافه وفكر حر
أكتب لكي أقرأ مرتين بقلم : د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي
قال الاديب العصري توفيق الحكيم “اكتب لهدف واحد هو اثارة القارىء ليفكر”
وقال نجيب محفوظ ” أكتب لكي يقرأني الآخرون”.
و قال الشاعر محمود درويش “اكتب … لأني بلا هوية ولا حب ولا وطن ولا حرية”.
”القراءة تصنع إنساناً كاملاً، والمشورة تصنع إنساناً مستعداً، والكتابة تصنع إنساناً دقيقاً.“ (فرانسيس بيكون)
” الكتابة عمل سهل، فليس عليك إلا أن تحدق في ورقة بيضاء إلى أن تـنـزف جبهتك “(دوجلاس آدامز)
يكمن سر الكتابة على انها الوصف الحقيقي لحياة الشعوب منذ ظهورها على كوكبنا الارضي. فكما نعرف بأن لكل جيل من الكتاب له نظرته الخاصة المختلفة عن نظرة الجيل السابق … وهنا تختلف نظرة ابناء الجيل الواحد من الكتاب داخل الثقافة الواحدة أو اللغة الواحدة.
فالذي يميز الكاتب الاديب عن غيره هو مقدرته على تقمص الأبعاد الأنسانية في الشخصيات التي يبدعها، بحيث يستطيع بمقدور القراء مهما اختلفت ثقافتهم أن يجدوا انفسهم فيها.
اذن، فالكتابة ترتبط بنوع الثقافة التي تظهر وسطها، اي البيئة الفكرية، والتقاليد والاعراف الفنية، وطرق التفكير والتعبير، وأساليب التربية والتعليم، وغير ذلك من عناصر الثقافة الموروثة والمكتسبة. فعلى سبيل المثال، للذكر لا للحصر، فقد ازدهرت كتابة المسرحيات عند الاغريق، لأن ثقافتهم كانت تشجع التفكير الفلسفي في أحوال البشر ، تحفل بالاساطير والرؤى الشعرية، وتغرس في الانسان الميل الى الاستمتاع بالحياة، والمغامرة والبحث عن الحقيقة والشعور بالجماعة.
اما في الدول الغربية كبريطانيا مثلاً، في هذا العصر تميل الثقافة السائدة الى التفكير الفردي، وتقديس الحرية الشخصية وتغرس في الإنسان الشعور بالعزلة والرغبة في الإستقلال عن المجموع والتحفظ في التعامل مع الغير.
اما ما يخص الاديب الفلسطيني فأنه يتميز بكثير من الوضوح، الى جانب الحبكة الفنية في أدبه وشعره والتي كانت على مستوى عال من الجمالية … فالأديب الفلسطيني عبر التاريخ كان أديباً لامعاً وثائراً ومحرضاً ومحمساً للجماهير .. وسجل حضوراً دائماً في كل المناسبات والوقفات التي مر بها النضال الوطني الفلسطيني، معبراً عن فعل ومشاركة وقدرة تعبيرية هائلة.
فالأدب له قيمته في الحياة الفلسطينية، واللأديب له منزلته ومكانته في ساحات النضال، الأدب نظرا لارتباطه بفلسطين فهو وثيق الصلة والارتباط بالنضال، كل أنواع الأداب والفنون الفلسطينية والأغاني الفلسطينية ذات طابع نضالي. وبالطبع هنا يجب الاشارة الى أن الكتابة ليست مقصورة على سن معينة، إذ تبدأ ظاهرة الكتابة عند الاديب كما تبدأ ظاهرة اللعب عند الطفل ..
والخلاصة تبرز بأن لكل أديب مستوى في الكتابة.. فهناك مستوى الاديب الذي لا يدري لماذا يكتب، أويعامل الكتابة معاملة اللعب .. حيث يشعر الاديب صادقاً في ذلك أو غير صادق.. أنه لا يدري، ولا يريد أن يدري، وانما هو يكتب و حسب. وهذا ما اعلنه الاديب الاسباني خوان جوتيسيلو الذي قال “لو عرفت الجواب ما كتبت” والاديب الايطالي البرتو مورافيا الذي قال “اكتب حتى افهم سر اندفاعي الى الكتابة”.
اما على المستوى الاخر، فالذي يدري لماذا يكتب فهو اكثر ظهوراً في ذلك. حيث يشعر الاديب – صادق في ذلك أو غير صادق ايضاً- بأن له رسالة يؤديها نحو قومه ولغته على الاقل، أن لم يكن نحو البشرية بأسرها. فنحن نعرف من تاريخ أدبنا منذ عصر الجاهلية أن الشعراء كانوا يدرون ما يفعلون .. و كان كبارهم يشعرون بأن لهم رسالة ازاء قومهم أو قبائلهم . وهذا الشعور نفسه هو ما يسمى اليوم باسم الالتزام، أو الاحساس بالمسؤولية ازاء المجتمع أو ازاء البشرية بأسرها.
و مع كل ما ورد أعلاه، نود القول أن الاديب لا يولد أديباً، و إنما يولد طفل كأي طفل، ثم يكبر شيئاً فشيئاً حتى ينطق و ينضج .. ومن هنا تبدأ الكتابة.