مقالات

ل”أسواق القدس العتيقة”.. رائحة تشدك من بعيد إعداد: د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي

 

أسواق القدس هي واحدة من أبرز معالم المدينةالمقدسة… وهي تُجاوِر الحرَم القدسي الشريف، بل تُعانق أسوارَه وتلتصق بها التصاقاً تاماً، حتى أصبحتْ جزءاً من هذه الأسوار. وتمتاز الأسواق ببهاء قبابها وبديع مناظرها، إذ تحلِّق بالمرء إلى فضاءات التاريخ حيث كانت هذه الأسواقُ في عزها أيام الأيوبيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين.

وأسواق القدس عبارة عن شوارع صغيرة على جوانبها محال تعتليها منازل مقببة الأسقف، وعلى نوافذها مشربيات خشبية، وفي كل شارع طويل تستقر محال تجارية تبيع نفسَ النوع من البضائع، ويُطلق عليها اسم البضائع التي تبيعها.

ويعود تاريخ هذه الأسواق إلى قبيل الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م، فقد بنيت في عهد الأمويين، وحُدِّثت في العهد العباسي، وبعد ذلك طبعَ المماليك صبغتهم عليها، وآخر اللمسات المعمارية أيضا كانت عثمانية الشكل، وقد طرأ عليها تغيير بعد عام 1967م، حيث طمست أعداد منها، وبني مكانها الحي اليهودي الذي يقوم على (116) دونما من مجموع مساحة البلدة القديمة البالغة (871) دونم. وما تزال أسواق القدس، أو ما بقي منها، ميزة للمدينة.

وأسواق القدس هي:

• سوق العطارين:

وهي سوق مسقوف تقع بين سوق اللحامين وسوق التجار، وفي سقفها نوافذ كثيرة لنفاذ أشعة الشمس، ويصل طوله إلى 300م وعرضه متران ونصف، ويوجد فيه مائه وستة حوانيت متعددة منها خمسة حوانيت متخصصة في بيع العطارة أوْقَفَهُ صلاح الدين الأيوبي على مدرسته الصلاحية في القدس. والروائح العطرية والبخور تضفي على المكان نوعا من السحر والجمال وذلك من خلال محلات العطارين التي تمتلئ بمثل هذه البضائع والتي أدت لتسميتة بسوق العطارين.

• سوق اللحامين:

تبدأ من سوق البازار في الشرق وتسير إلى سوق النحاسين في الشمال، وهي سوق قديمة ومغطاة، ويوجد في سقفها نوافذ للتهوية والإضاءة. عرف بهذا الإسم لوجود كثير من محلات بيع اللحوم الطازجة والأسماك، حيث يتوافد أهل المدينة لشراء حاجياتهم من اللحوم من هذا السوق، وهو موازي لسوق العطارين وله منفذ لهذا السوق. ومن أسماء هذا السوق أيضا سوق الرائحة الكريهة وسوق الطبخ الردئ.
*سوق باب القطانين:
وهو من أقدم أسواق القدس، يبلغ طوله 100متر وعرضه 10 أمتار، وعلى جانبيه دكاكين، وكانت عند إنشائها سنة 737هـ/ 1336م معدة لبيع جميع أنواع الأقمشة والبضائع التي كانت تحملها القوافل التجارية من الهند إلى القدس عن طريق بُصرى وبغداد والموصل، ولكن أهمية هذا السوق تضاءلت عند اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1497م ومن ثم أهمل هذا السوق تمامًا في أواخر العهد العثماني .أنشأه الأمير المملوكي أنكز الناصري قرب باب القطانين، وبلغ عدد دكاكينه ومحلاته الستّين،جدده السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 727هـ، يقع غربي الحرم القدسي وغرب باب القطانين، طوله مائه متر وعرضة عدة أمتار وعلى جانبية دكاكين.

وكان في عهد المماليك من أحسن أسواق المدينة ومن أكثرها ازدحاماً وأتقنها بناء وأكثرها ارتفاعاً، وقد كان يباع فيها أقمشة قطنية وحريرية من الهند، إلا أنها في منتصف القرن العشرين كانت أبواب محلاتها مغلقة وهي خاوية على عروشها، وتحاول المؤسسات الإسلامية في القدس إعمارها وفتح محلاتها لتبقى حية في قلب القدس، إلا أن الضرائب الإسرائيلية الباهظة تهددها بالإغلاق والمصادرة مع غيرها من المحلات الأخرى الموجودة في جميع أسواق القدس القديمة.

وسوق القطانين تقع غربي المسجد الأقصى وملاصق له، وتمتد من الشرق إلى الغرب باعتباره أحد الشوارع الموصلة إلى المسجد الأقصى المبارك، وفي وسط السوق حمام يعرف باسم “حمام الشفا” وهو خاص بالرجال، وفي آخرها من الغرب حمام العين، وأمامها من الناحية الغربية شارع موصل إلى دار الأيتام الإسلامية، وكذلك إلى حارة القرمي ثم إلى باب خان الزيت.

ويتعرض السوق باستمرار لغطرسة الاحتلال حيث اتجهوا إلى فرض الضرائب الباهظة على التجار، مما اضطر معظمهم إلى إغلاق دكانه وحمل بضاعته على عربة أمامه ليبيع منها.

• سوق الحصر:

وهي سوق قديمة وصغيرة، تقع في اخر سوق البازار من الشرق تجاه سوق اللحامين من الجنوب. سمي بهذا الاسم لكثره بائعي الحصر والسجاد، حيث كان مرتعاً لتجار الحصر والسجاد.

• سوق البازار:

وهو سوق تمتد من سويقة علون غرباً حتى ملتقى سوق الحصر وسوق اللحامين شرقا. وفيه تباع الفواكه والخضراوات ويمتاز بأرضه المرْصوفة بشكل رائع جميل. كان السوق من جملة أوقاف المدرستين الأفضلية والكريمية، ثم أصبحت مرافقه من جملة أوقاف عائلتي الحسيني وجار الله، وهو الان يختص ببيع السلع السياحيه. وهو من اجمل اسواق القدس تنتشر فيه محلات السنتواريه التي تبيع ما يحتاجه السياح من هدايا مميزة تتسم بالطابع الفلسطيني التراثي او الديني، ويؤم هذا السوق المسلمون والنصارى واليهود.

• سوق باب السلسلة:

يتفرع من هذه السوق إلى جهة الجنوب زقاق يتخلله الكثير من الدرج، وكان يوصل إلى حائط البراق الواقع إلى الغرب من المسجد الأقصى المبارك، وكانت هذه السوق في الجانب الأخير لسوق التجار من الشرق وتتصل به وبسوق الدلالين.

وسمى بهذا الإسم نسبه لقربه من باب السلسله من أبواب الحرم القدسي الشريف، وهو امتداد لهذا الباب وبه يوجد بعض من الاثار الإسلاميه القديمه مثل المدرسه المكتبه الخالديه وبعض قبور الصالحين وسبيل باب السلسله والمؤتمر الإسلامي قديماً. ويمتاز اليوم بحوانيته الجميله التي تقوم ببيع التحف التقليديه للسواح الأجانب.

• سوق اليهود:

وهو مستحدث بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويقع مقابل سوق التجار والصياغ ولم يكن يفصل بينهما إلا بعض الدكاكين، وهي سوق طويلة تلتقي بالسوق الكبيرة من الشمال، وكان معظم سكانها من اليهود إلى عام 1936م حيث تناقص وجودهم بعد هذا التاريخ بسبب الثورة التي شهدتها القدس وسائر الأراضي الفلسطينية، إلا إنهم عادوا بعد عام 1967م واحتلوا مساحات أكبر من البلدة القديمة بما فيها الأسواق، قسم هدموه وأزالوه من الوجود بما فيه من أبنية وأسواق ومدارس…وقسم اخر سيطروا عليه واستغلوه لأغراضهم الخاصة.

• السوق الجديدة:

تقع بباب الخليل وعلى بعد سبعين ذراعاً منه إلى الشرق تجاه القلعة.

• سوق الباب الجديدة:
وهو سوق تقع قرب باب الجديد أحد الأبواب الشمالية لمدينة القدس. فتح زمن السلطان عبد المجيد الثاني شمال المدينة والكازانوفا.

• سوق التجار:

ومن أسمائها سوق الصياغ، وهي تقع شرق سوق العطارين وتسير على محاذاة نصفها القبلي ثم تتصل بها، وجنوب سوق الباشورة، وهي سوق قديمة مسقوفة وبسقفها تنفذ أشعة الشمس والهواء.

• السوق الكبيرة:

ويسمونها سوق الخضرة تبدأ عند ملتقى سوق اليهود بسوق التجار غرباً، وتمتد حتى باب السلسلة شرقاً، وهي مقبوة ولها نوافذ في سطحها، وفي منتصفها إلى الشمال خان رحب يعرف بخان السلطان فيه بعض المطاحن والمعاصر.

• سوق الباشورة:
تقع جنوب سوق العطارين، والباشورة كلمة تعني القلعة، وكانت فيما مضى مقر الحكام المماليك وهو من الأسواق القديمه التي يعود تاريخها للعصر الروماني، وقد كشفت الحفريات عن السوق الروماني الذي هو امتداد لسوق الباشوره حيث الأعمده الرخاميه تزيد السوق جمالاً ورونقا،ً وقد قام الاحتلال الإسرائيلي بتهويد هذا السوق وسماه سوق الكاردو .وهو الان مهدد من اليهود.

واشتهر السوق بعد نكبة عام 1948 ببيع الملابس المستعملة وتبديل وشراء الملابس القديمة والتي يطلق عليها “البالات” للسكان، حيث اشتهرت عائلتي الكركي والدميري في البيع، لكن حاليا فأغلب محلاته تحولت الى بيع الخزف ومواد السياحة.

• سوق النحاسين:

تقع إلى الشمال من سوق اللحامين وإلى الجنوب من باب خان الزيت.

• سويقة علون:

تمتد من موقع الموقف الكائن تجاه القلعة من الغرب حتى ملتقى طريق البازار وحارة النصارى من الشرق. وسميت بهذا الإسم نسبة إلى عائلة علون المقدسية، وهي من الأسواق المزدهره بالسياح الأجانب حيث أنها تقع في حي النصارى قرب باب الخليل، وهي الطريق المؤديه إلى كنيسه القيامة والمسجد الأقصى المبارك وحائط البراق، ويمتاز هذا السوق ببيع التحف والاثار القديمه التي تظهر عروبه المدينه المقدسه.

وعند دخولك إلى سويقة علون ترى على اليمين أربعة محلات تجارية مختصة ببيع التحف والهدايا التذكارية “محلات سنتواري”، يقابلها على الجهة اليسرى نزل بيترا، ويلاصق محلات السنتواري مسجد سويقة علون ومن ثم ثلاث محلات سنتواري ومنزل لعائلة مقدسية مسيحية، يقابلها على الجهة اليسرى محل سنتواري ومنزل لعائلة مقدسية مسلمة ومحل ثريات وبقالة يجاورها تسع محلات سنتواري، ويقابلها على اليمين ثلاث محلات سنتواري وبقالة ومحل أحذية ومدخل طريق مار مرقص، ليقابلها على جهة اليسار جمعية حاملات الطيب الخيرية الأرثوذوكسية، وثلاث محلات سنتواري ومحلان تجاريان لبيع الأحذية وبقاله ومحل بهارات ومن ثم مدخل طريق حارة النصارى.

• سوق باب حطة

وهي سوق تقع في حي باب حطة شمال الحرم القدسي، وأما اليوم فهي أقل الأسواق حركة ونشاطاً. وهي مستقلة عن جميع أسواق المدينة ومنفردة عنها.

• سوق باب خان الزيت:

تبدأ من الناحية القبلية عند ملتقى سوق القطانين بالسوق الموصلة إلى كنيسة القيامة، التي تقع إلى الغرب منها وعلى بعد 300 ذراع فقط، وتنتهي السوق من الناحية الشمالية عند ملتقى سوق باب العمود بدرب الآلآم، وأكثر هذه السوق مغطاة بقبو، وبها نوافذ للتهوية والإضاءة. وعرف السوق بهذا الإسم نسبة إلى وجود خان أثري فيه يعرف باسم “خان الزيت” حيث كان في أوائل القرن الماضي في القرن العشرين يمتاز بمعاصر زيت الزيتون، وكان في كل معصرة مخزن كبير (خان) لزيت الزيتون، ومن أسماء باب خان الزيت أيضا شارع الكاردو، أي قلب المدينة، وفي وسط السوق يوجد المرحلة السادسة لطريق الالام عند النصارى وكذلك كنيسة الأحباش، ويوجد أيضا ًمصلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وفي هذا السوق تكثر الفلاحات اللواتي يبعن الخضاروالفواكه.

ويمتد خان الزيت من مفرقة سويقة باب العمود حتى أول سوق العطارين، وهو الجزء العلوي من شارع الكاردو الذي كان فترة العصر الروماني والبيزنطي، ويتفرع من سوق باب خان الزيت سوق ” الواد ” الذي يستمر إلى حارة المغاربة في سور القدس.

• سوق باب العمود

تقع بين خان الزيت جنوبا وباب العمود شمالا، ويوجد بين السوقين زقاق يوصل من جهة الغرب إلى الخانقاه الصلاحية، ثم حارة النصارى، أما باتجاه الشرق فإن الزقاق يوصل إلى حارة باب الواد، وقسم من هذا السوق عليه قبو كغيره من أسواق القدس.

• سوق افتيموس:

اشترى أرضه البطريرك أثنابيوس سنة 1837م من آل العلمي، فهي من أملاك البطريركية الأرثوذكسية، وقد بنى فوقها الأرشمندريت أفتيموس سوقا سميت باسمه، وهي واقعة غرب كنيسة الدباغة وبالقرب من شارع البرنس فردريك وليم، وقد كانت أواسط القرن العشرين من أجمل أسواق المدينة وأحسنها.

وإلى الشمال من سوق افتيموس وكنيسة الدباغة تقع سوق مفتوحة ومبلطة لكنها لا تزيد عن مئتي متر.

• سوق حارة النصارى:

تقع بين سويقة علون في الجنوب والخانفاه الصلاحية في الشمال، وهي سوق طويلة وكبيرة ومرصوفة رصفا جميلا، ويتفرع منه سوق آخر باتجاه الكنيسة، وهي سوق مغطاة بقبو، وبعد بابها الشرقي الموصل لساحة الكنيسة، تأتي سوق أخرى مفتوحة ومبلطة إلا أنها قصيرة ولا تتجاوز المائتي متر إلى الشمال من سوق افتيموس وكنيسة الدباغة.

ومن هذه السوق تتفرع سوق أخرى باتجاه الكنيسة، وهذه السوق مقبوة فيها دكاكين تباع فيها الشموع والمسابح والصلبان والأواني المستعملة في الصلوات والطقوس الدينية.

ولوقوعه في قلب الحي المسيحي فيه الكثير من الأديرة والكنائس المسيحية، وكذلك جامع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الموقع الذي صلى به عند زيارة كنيسة القيامة، وتمتاز حوانيت هذا السوق ببيع البخور للكنائس وكذلك الشمع المقدس وكثير من التحف السياحية.

• سوق الخواجات:

يقع الى يسار سوق العطارين، ويشتهر هذا السوق بالمحلات التي تحيك الملابس التراثية القديمة مثل القمباز والعبايات وكان يشتهر ببيع الذهب أما حاليا فمحاله التجارية تقتصر على الأقمشة كما أوضح أحد أصحاب المحلات هناك “وحيد الإمام” وقال : “إن مهنة بيع القماش التي تشتهر بها القدس في طريقها إلى الانقراض، فلم يعد المواطن يلجأ إلى التفصيل والخياطة”. وكما قال الإمام فالعديد من الحرف المتعلقة بالأقمشة والخياطة اختفت مثل تنجيد المقاعد حيث حلت الأطقم الجاهزة المستوردة محلها.

محاولات مستمرة للتدمير

ومثل كل شيئ في القدس، لم تسلم الأسواق من الهجمة الصهيونية الشرسة، فقد دمرت الجرافات سوقي الباشورة والحصر عام 1968م، وهدمت أجزاء من أسواق أخرى فيما الباقي مهدد، وبعد تدمير سوقي الباشورة والحصر أقام الصهاينة سوق “كاردو” وجهزوه بكل المرافق اللازمة لإبعاد السياح والزوار عن الأسواق العربية، ولعب الأدلاء الصهاينة دورا كبيرا على هذا الصعيد.

وعندما يفشل الاحتلال في تدمير سوق من الأسواق، فإنه يلجأ إلى وسائل أخرى كفرْض الضرائب الثقيلة والباهظة على أصحاب الدكاكين والمتاجر والمحلات… ما يضطر التجار واصحاب المحلات الى اغلاق محالهم… وبهذا يصل الاحتلال الى مبتغاه، إذ إن كل محل مغلَق سيصبح عرضة للمصادرة من قبل المنظمات الاستيطانية الصهيونية التي تركز نشاطها في القدس.. ونتيجة لهذه الممارسات والجرائم البشعة أغلق الكثير من التجار وأصحاب المحلات متاجرهم ومحلاتهم… ففي سوق حارة النصارى أُغلِق خمسة وعشرون محلا، وفي سوق الدباغة أُغلِق خمسة وسبعون محلاً،ناهيك عن مصادرة الاحتلال محلات عديدة لأسباب وذرائع مختَلَقَة.

مقالات ذات صلة

إغلاق