مسيحيو غزةَ نصبوا شجرةَ الميلاد.. وعيونهم على مهد المسيح””
غزة / اميرة خليفة
في صدر كنيسة دير اللاتين، شرق قطاع غزة، صليبٌ خشبيّ كبير محاط بشمعتين كبيرتين، مثبتٌ عليه تمثال “رمزي” للسيد عيسى عليه السلام، يرصّع التمثال ببقعٍ حمراء اللون، لتنمّ عن “هول” التعذيب الذي تعرضَ له “عيسى” أثناء صلبه، حسبما تقول الديانة المسيحية.
ويمثل هذا الصليب “قبلة” المصلين المسيحيين، حيث يركع أمامه رجل وامرأة، يتمتمان ترنيماتٍ دينية، خاصة بأعياد الميلاد المجيد، التي يحتفل بها المسيحيون في هذه الفترة من العام.
وعلى كراسي الكنيسة يجلس أطفالٌ ونساء، وشابات، ورجال أيضاً، يقرؤون من الكتب “ترنيمات” لاستقبال عيد الميلاد المجيد، فالكل يشارك من الناحية “الروحية” لاستقبال العيد.
وعلى يسار الكنيسةِ، نُصبت شجرة الميلادِ الكبيرة، المزيّنةُ بالنجوم وأجراس الكنيسةِ، بالإضافة إلى الأضواء الصغيرة المتناثرة على جنبات الشجرة لتعطيها رونقاً خاصاً بالأعيادِ.
ويوجدُ أسفل الشجرة مغارةً كبيرة، ترمز إلى المكان الذي ولد فيه السيد المسيح عليه السلام، وتتوزع داخلها التماثيل “الرمزية” التي تمثل بداية حياة “ولادة” المسيح، إلا أن تمثال السيد المسيح لا يأخذ مكانه من المغارةِ إلا في ليلة ال”24″ من شهر ديسمبر/ كانون الأول.
وعن تحضيرات كنيسة دير اللاتين للاحتفال بعيد الميلاد المجيد، قال الأب ماريو داسيلفا راعي الكنيسة اللاتينية في غزة: إن الاستعدادات لم تختلف عن أي سنة، فرغم الحصار والمنع من انتقال الحجاج إلى كنيسة المهد في بيت لحم في الضفة الغربية، إلا أن كنيسة دير اللاتين استعدت استعداداً تاماً لاستقبال العيد.
وأوضح أن العيد سيبدأ بالصلاةِ داخل الكنيسة، ومن ثم التعريف بقصة المسيح عليه السلام على شكل “تمثيل” مسرحي يؤديه أطفال غزةَ من المسيحيين.
ويتابع: “بعد ذلك، نضع العشاء والذي يجمع الأصدقاء من المسيحيين والمسلمين على طاولةِ العشاء لتبادل المعايدات”.
وأشار إلى أن التوقيت الطبيعي والعالمي لاحتفالات عيد الميلاد المجيد، يكون بدءًا من الساعة الحادية عشرَ في منتصف ليلة 24 من هذا الشهر، إلا أن طبيعة الأوضاع الأمنية في غزة ، أدى إلى تقديم موعد الاحتفالات من إلى الساعة السابعة مساءً .
وذكر أن عدد المسيحيين في قطاع غزة لا يزيد عن الـ2000 مسيحي، حيث نقص أعداد مسيحيو غزة في السنوات الأخيرة، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحصار الإسرائيلي لغزة والتي كانت سبباً في هجرة الشباب المسيحيين من قطاع غزة إلى الضفة أو للخارج، كما فعل الكثير من الشباب الغزي.
وينفى ماريو: تعرض الطائفة المسيحية في غزة إلى مضايقاتٍ سواء من الحكومة، أو من مسلمي غزة، قائلاً:” إن المسيحيين ذابوا في المجتمع الغزيّ، ويتم التعامل معنا كفلسطينيين، لا يتم التمييز بين مسيحي ومسلم، فكلنا إخوة، نحمل نفس الجنسية، ونفس الدم”.
ويؤكد أن التعامل مع المسيحيين في غزة، لا يأتي من باب الطوائف الدينية، ولا يوجد تفرقة عرقية في التعامل مع المسيحيين.
وعن المعيقات التي يواجهها مسيحيو غزّة في أعيادهم، قال : إن أبرزها منع الجيش الإسرائيلي الكثير من الحجاج المسيحيين من الوصول إلى الضفة الغربية لأداء “الحج” في الأعياد.
وذكر أن التصاريح الإسرائيلية التي تُعطى لمسيحيي غزة أثناء الأعياد “ظالمة” ولا تنمّ عن “احترام” إسرائيل للطوائف الدينية، بحيث يُسمح لمن هو فوقَ ال”35″ عاماً بالذهاب إلى بيت لحم، لكن أحياناً يتم المنع من السفر تحت مسمى “ممنوع أمنياً”، وهي أسباب غير معروفة.
وأشار إلى أنه في بعض الأحيان تسمح إسرائيل لسفر الأطفال الصغار وحدهم إلى الضفة، دون الوالدين، وبهذا يمنع الأسرةَ بالكامل من الذهاب إلى الضفة.
ويضيف الأب ماريو: إلى أن الكنيسة في غزة تواصلت مع جهاتٍ حقوقية لحلّ مشكلة الممنوعين أمنياً من السفر، وفعلياً تم حل العديد من الحالات.
وعن مشاركة المسلمين المسيحيين في أعيادهم، أن جيرانهم بالقرب من الكنيسة، وأصدقاء المسيحيين يشاركون في احتفالات الميلاد.
ويتمنى الأب ماريو أن يعم السلام على كل العالم وان يعم السلام على فلسطين خاصة وان يأتي العام القادم وتكون فلسطين تحررت وعم السلام فيها .
وفي السياق، أوضحت المسيحية – نسرين انطون 35 عاما – أم لثلاثة أطفال أنّها تبدأ استعداداتها للاحتفال بعيد الميلاد من قبل العيد بيومين ، بحيث تجهّز شجرة الميلاد،ومغارة السيد المسيح وتزينها بالنجوم والأضواء وتقوم بوضع الهدايا لأطفالها ولأطفال العائلة الذين يأتون للزيارة وللمعايدة.
وعن أشهر المأكولات التي تعدّها نسرين للعيد، قالت:” نحضر اللحم والكبة، والصفائح باللحمة، بالإضافة إلى السلطات بأنواعها، وأنواع الشوربات”.
أما بالنسبة لحلويات العيد، فقد ذكرت أنها تجهّز كعكة العيد على شكل شجرة الميلاد، بالإضافة إلى الكعك والشوكلاتة والقهوة.
وأشارت إلى أنها تستقبل الكثير من المعايدات من صديقاتها المسلمات، حتّى أنهن يقدمون لها المساعدات في أوقات الأعياد.
وأثنت نسرين : على التعامل “السمح” من مسلمات غزة، بحيث لا يفرقن بين مسلم ومسيحي، متابعةً:” نحن كلنا إخوة، تجمعنا فلسطين، ولا يفرقنا شيء”.
وعن أمنياتها للعام الجديد تمنت أن يعم السلام على جميع أرجاء الوطن .
ومن جانبٍ آخر، ذكر رضوان مرتجى صاحب محل “هدايانا” لبيع ملابس وتجهيزات أعياد الميلاد المجيد، أن تحضيرات المحال التجارية لاستقبال العيد لم تكن بالمستوى العام للسنوات السابقة.
وعن إقبال المسيحيين لشراء تجهيزات الأعياد، قال مرتجى إن الإقبال مقارنة بالسنوات الماضية فهو ضعيف، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي في غزة، وتأخر الرواتب.
ويحتفل المسيحيون التابعين للتقويم الغربي “اللاتين” بأعيادهم في 25 من شهر ديسمبر/ كانون أول، وأما المسيحيون التابعين للتقويم الشرقي “الروم”، فإنهم يحتفلون بأعيادهم الدينية في السابع من شهر يناير/ كانون الثاني من كل عام.
و مناسبة أعياد الميلاد تعد المناسبة الوحيدة أمام البعض من المسيحيين المقيمين في غزة للتواصل مع أقاربهم في الضفة الغربية ففي هذه المناسبة فقط من كل عام يكون أمامهم الفرصة للقاء أقاربهم المقيمين في مدن بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا. فباتت فرص سفر مسيحيي غزة ضئيلة جدا وتقتصر على الفئات العمرية المذكورة وحتى هذه الفئات تجد صعوبة في السفر إذ يضطر الكثير إلى الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة في غزة بسبب عدم تمكنهم من اصطحاب أبنائهم معهم . فكالعادة العدو الصهيوني يتعمد التنغيص على المسيحيون فرحتهم بالعيد
انتهى