مقالات

شهادة حية من بيسان وردت في كتاب الترانسفير المقنع للكاتب سمير ابو الهيجاء

image image
لعقت القطة دم الشهيد وماتت على صدره
التقيناه في المسجد يمشي منتصب القامة باسم الثغر، فرحب بنا ودعانا إلى منزله
المجاور لمسجد التقوى في قرية الفريديس، وهناك في الطابق الثالث أخذ يحدثنا عن
مسيرة آلام لا تنتهي، بدأت برحيله من بيسان عام 1948 ، مروراً بسوريا ثم العودة
إلى الوطن، في أوائل الستينيات، لكن إلى الفريديس، بعيداً عن المدينة التي ما زالت
تسكنه، بيسان..
إنه الحاج محمد عبد الله صالح سرحان، الذي وعلى الرغم من أنه بلغ العقد الثامن من
عمره، يوم التقيناه، إلا أن روح الشباب كانت لا تزال بادية على محياه.
ولد الحاج )أبو أحمد( في قرية الرينة عندما كانت والدته في زيارة لأهلها، وعاش في
بيسان، ثم ه جُر إلى الناصرة، ثم غادر إلى لبنان، فسوريا… ثم عاد إلى الناصرة،
لينتقل منها إلى حيفا، ثم إلى قرية الفريديس حيث استقر به المطاف.
يقول الحاج أبو أحمد عن أسباب نكبة بيسان، كما يراها: «في عام النكبة كنا نتوقع
هجوم اليهود على بيسان، لسبب أعتبره رئيساً آنذاك، وهو تفرقنا في البلد شيعا، فقد
كان لبيسان ثلاثة من القادة العرب، أحدهم اسمه )إسماعيل طهبوب( من شرق الأردن،
والثاني )أحمد جيوسي(، المنتدب من قبل الهيئة العربية، والحاج أمين الحسيني رحمة
الله عليهما، وقائد آخر اسمه )عبد العزيز المصري( من الجامعة العربية… وكان كل
قائد يغني على ليلاه، ولم نرهم ولو لمرة واحدة، يأتمرون بأمر واحد لصالح البلد،
وهكذا كانت أحوال البلاد برمتها .»
يصمت الحاج )أبو أحمد( وهو ينتظر تجميع أفكاره التي لا تنقطع، ثم يواصل: «كان
هناك التل، والذي كان بمثابة الشعرة التي ستقصم ظهر البعير، فإذا احتل اليهود
التل؛ سقطت بيسان، لأن للتل موقعه الإستراتيجي في الدفاع عن البلدة. وفعلا؛ صعد
اليهود من الجهة الأخرى على التل، ونادوا على المناضلين بأسمائهم، يا فلان إرمِ
سلاحك، وعد إلى بيتك، ولن نؤذيك… وأذكر يومها أن أحد المناضلين تدحرج من أعلى

الجبل من شدة خوفه، كان ذلك يوم ) 13 / 5/ 1948 (، وهذا التاريخ لا أنساه، فالإنجليز
خرجوا في بداية شهر أيار، وشرع الناس يومها في الرحيل خارج الوطن، وبقي في
البلدة ليلة احتلالها قرابة ) 1500 ( نسمة من أصل ) 5000 ( تقريبا، وهكذا دخل اليهود
بعد أن ألقوا عدة قنابل، وسلمت البلد بعد أن أقدم بعض الأشخاص على رفع الأعلام
البيضاء .»ويعود بنا الحاج )أبو أحمد( إلى السكان الذين بقوا في بيوتهم فيقول: «أحضر لنا اليهودكافة المؤن من الأرز والسكر والطحين وأشياء أخرى… وقالوا: «ابقوا هنا ». فبقينا نحو
شهر ونصف الشهر تقريبا، وكانت يومها الطائرات تغير على بيسان وتقصف البيوت .»
«ذات يوم حلقت طائرة عراقية، وأذهلني-حين كنت أراقبها-مشهد إلقائها قنبلة
على بيت كان فيه ستة أو سبعة شبان يتناولون طعام الفطور، فأسرعت إلى هناك،
وشاهدت بأم عيني مشهدا رهيبا لا أنساه، لقد سقطت القنبلة وسط موقد النار الذي
تحلقوا حوله، ربما كانوا يصنعون القهوة أو الطعام، فقتلتهم جميعا، باستثناء شخص
واحد يدعى «أبو عواد »، كان يعمل حمالاً في المدينة، فقد أصيب بجراح خطيرة، وكان
ينزف ولم يستشهد حينها. وأذكر جيدا أن «أبو عواد » قد ربى قطة وأسماها ثريا، وكان
بيسان
يطعمها اللحم بصورة دائمة!!
يصمت )أبو احمد( برهة ثم يقسم بالله العظيم أنه سمع «أبو عواد » ينطق بالشهادة،
بينما كانت القطة ثريا على صدره تلعق من دمه، فلما أتم الشهادة وصعدت روحه إلى
بارئها؛ ماتت القطة على صدره!!

مقالات ذات صلة

إغلاق