مقالات

عين الصراط .. أطلال قرية تشهد على جرح النكبة ” من كتاب اللجوء القسري) للكاتب سمير ابو الهيجاء

image
كثيرة هي القرى التي مسحت المؤسسة الاسرائيلية تاريخها ونسبته الى مستوطنيها ولم تعد تذكر حتى في مؤلفات المؤلفين او المؤرخين في الداخل الفلسطيني، تماما كما حصل في قرية عين الصراط التي كانت رابضة منذ عام 1921 في منطقة الغابات (منطقة السهل الساحلي الممتد من ام خالد للحرم -نتانيا وهرتسيليا).
بمبادرة من رئيس الوقف الاسلامي مفتي القدس الحاج امين الحسيني .
يحدثنا عمر ربيع حفيد الحاجة لطفية ربيع في العقد التاسع من عمرها والتي كانت طفلة يوم هجرت عين الصراط فيقول : كانت اراضي القرية بالاساس اراضي مشاع للطيبة، وتبلغ مساحتها حوالي (3000 ) دونم اشتراها الحسيني من اهل الطيبة خوفا من تسريبها لليهود، وتم اسكان عشيرة النصيرات بها والتي انحدرت من اصول عربية من الحجاز هاجر افرادها الى الكرك جنوبي الاردن وهناك تورطوا بحادثة قتل مع عشيرة ذات سلطة، الامر الذي دفعهم للهرب من الكرك وتشتتهم في سوريا، عمان وفلسطين، في فلسطين سكنت العائلة ببلدتي كفر قدوم وكفر مالك في الضفة الغربية ، ومن ثم هاجروا الى النقب الشمالي بعين الدقيق، ومنهم من رحل الى غزة، اما القسم الآخر فتوجه الى يبنة (على انقاضها بنيت يفنة)، ومن ثم قدموا للطيبة في العام 1921 كما ذكر آنفاشهدت قرية عين الصراط في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي نهضة عمرانية، علما ان الاهالي اعتمدوا بشكل اساسي على الزراعة في البيارات المجاورة (خيري المنصور والحاج ابراهيم) وقسم منهم كان يضمن اراضي في قرية البصة المجاورة، ومن ثم يبيعوا المحاصيل في طولكرم او يافا او حتى في البلدات اليهودية المجاورة مثل عين فيريد (اقيمت بمنطقة عين الوردات) وايفين يهودا، كذلك اعتمد الاهالي على تربية المواشي حين كان لديهم بقر، جمال، خراف، دجاج وخيول .
وفي بداية العام 1947 وُضعت قرية عين الصراط في الجانب اليهودي بقرار التقسيم، وهذا ما زاد تخوف الاهالي،خاصة بعد مجازر اليازور والشيخ مونس، وحصل ان ذهب زعماء القرية حسين نصير، عبد اللطيف ربيع وداوود الطويل للجيش العراقي المتحصن في استحكامات امغازين (غرب قلنسوة) طالبين منهم التقدم لحماية القرية فردوا قائلين:” ماكو اوامر”..
وفي (3 ).2.(1948) وقعت معركة في القرية، حين حاولت وحدة الاسكندروني التابعة للهاغاناة التقدم صوب قلنسوة، فصد الهجوم المتطوعون من الطيبة والجيش العراقي، فوقعت عين الصراط في الوسط (الجيش العراقي شرقي القرية والهاغاناة غربها)، وهذا ما دفع الاهالي للهجرة .
في العام 1949 قام الصندوق القومي اليهودي (ككال) بهدم جميع بيوت القرية (يبلغ عددها حوالي 50 بيتا) سوى بيت المختار عبد اللطيف ربيع، والذي حول لكنيس، واقيمت على انقاض القرية قرية عين سريد في العام 1950 وهي لليهود من الطائفة اليمنية المحافظة دينيا.
بيت عبد اللطيف
هناك في مدينة الطيبة تسكن الحاجة “ام نضال” مع عائلتها المكونة اليوم من 53 شخصا، وقد كانت في عين الصراط تبلغ من العمر كما ذكرت لنا ” كنت من جيل حفيدتي هذه” واشارت الى طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات، وبدأت تحدثنا عن قرية فلسطينية كان مصيرها كاخواتها ال530 قرية دمرت ومسحت عن وجه الارض لكنها ما زالت تعشعش ذكرياتها في مخيلة الحاجة (لطفية ربيع(، المهجرة من القرية، لا زالت عين الصراط التي لا تنساها ولا تنسى ذكرياتها فيها، وتسرد ذكرياتها في القرية .
قالت الحاجة لطفية: كنا نسكن في قرية عين الصراط التي سكنتها العديد من العائلات التي هجرت إلى مدينة الطيبة كعائلة اللوح، عمرور، تكلة، طويل ونصيرات، وكانت بنفس المنطقة بيارات لعائلة منصور وعائلة حاج يحيى واذكر اننا كنا نعيش في بيت واسع وكان عند والدي عبد اللطيف يمتلك مضافة كبيرة تسمى الديوان يتوافد الضيوف اليه وهو بجانب بيتنا بعين الصراط، كان الرجال حتى من القرى المجاورة يجتمعون في المضافة يوميا .
عمل والدي في الزراعة مثل باقي أهالي القرية – الذين عملوا في بيارات البرتقال، وفي زراعة الباذنجان، القمح، الشعير، البامية، الخيار، البندورة، وكانت كل عائلة تربي الدجاج قرب بيتها، وكانت كل هذه الاطعمة ذات جودة عالية وطيب مذاق، وليس مثل جودة ايامنا هذه .
وأضافت: كنا نذهب مرة في الأسبوع لمدينة طولكرم للتسوق وعادة يكون يوم السبت، وكنا نطلق عليه اسم يوم السوق، ونحضر مأكولات وحاجيات لم تكن متوفرة في القرية مثل الحلوى والعلكة والشوكولاطة وغيرها، وكنا نذهب إلى المدينة بلباس لائق، لان مدينة طولكرم كانت حينها مركزا بالنسبة لنا وللقرى المجاورة، ومن الضروري ان يذهب الناس للمدينة بهندام جميل، وكنا نبيع محصولنا في طول كرم وفي البلدات اليهودية المجاورة حيث كان اليهود العراقيين يشترون منا كذلك .
ووصفت الحاجة ام نضال الحياة في الريف في تلك الفترة بالقول: في الحقيقة كانت الحياة هانئة، وكان اليهود قلة وكانت علاقتنا بهم طيبة، كنا نبيعهم ونشتري منهم، وكانت أجواء تعايش فعلية، لكن بعد ذلك تغيرت الأحوال، ولاحظنا أن اليهود بدأوا يكثرون من حولنا خصوصا المهاجرين الجدد الذين سكنوا منطقة عين الوردات (بلدة عين فيريد، تل موند من الجنوب، ومن الشرق ايفين يهودا اليوم)، وكان يأتي لقريتنا بين الحين والآخر أطباء لتطعيم أهل القرية من الأمراض، وكنت أسمع من هؤلاء الأطباء أن حربا على وشك أن تقع، وكان الأهالي يطلبون من الاطباء عدم ذكر هذا الموضوع لعدم تخويفنا، وكنا صغارا حينها .

مقالات ذات صلة

إغلاق