مقالات
خطاب ” فائض القوة” لنتنياهو، مقابل خطاب ” القيمة المضافة” للمرشد الايراني!!*

بمراجعة اولية سريعة لخطاب المرشد للعام الايراني، فواضح انه اكد على عوامل القيمة المضافة لايران، معتمدا على خطاب الغطرسة والقوة والاستكبار لنتنياهو وتهديده باسقاط النظام في ايران، وصلافة الخطاب الترامبي الذي اختصره بكلمتين: ” الاستسلام اللامشروط” ومهددا حتى بامكانية اغتيال المرشد.
عندما يتم تلخيص العدوان الاسرائيلي على ايران، سيتضح ان الخطأ الاكبر لنتنياهو كان أنه طرح هدف اسقاط النظام في ايران، وان الخطأ الاكبر لترامب، هذا الاستكبار الاطلسي والغربي على شعوب الشرق والجنوب وليس فقط للشعب الايراني.
الانخراط الامريكي بالحرب له تبعاته كونه يتعارض مع شعار ترامب الانتخابي القائم على “عدم التورط في الحروب الدولية”.. فالولايات المتحدة منخرطة عملياً في الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، بدليل إلى أن مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الطرفين بلغ ذروته، مع الاستفادة من مراكز الاستعلامات الأمريكية في المنطقة، إضافة إلى العديد من الأمور الخفية واللوجستية غير المعلنة، كما أن الدور الأمريكي لا يقتصر فقط على الشراكة، بل يتجاوزها إلى التوجيه في بعض المراحل.
إن التساؤل المحوري اليوم يتمحور حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل بعمليات عسكرية مباشرة داخل إيران، ليس فقط دفاعاً عن إسرائيل، بل لتحقيق أهداف أعمق تتعلق بالمشروع النووي الإيراني وربما حتى إسقاط النظام الحاكم في طهران. فطرح هذا السيناريو يعود إلى تقييم إسرائيل لأداء عملياتها العسكرية في الأيام الأولى من العدوان، إذ لم تحقق الضربات الأولية الأهداف المرسومة لقلب النظام الإيراني أو تقويض شعبيته الداخلية، وهو ما يؤدي لتصاعد القلق الأميركي والإسرائيلي.
إسرائيل كانت تعوّل على أن تؤدي الضربات في الساعات الأربع والعشرين الأولى إلى شل القدرات الإيرانية وإحداث حالة من السخط الشعبي والفوضى ضد النظام الإيراني، ما قد يؤدي إلى إسقاطه، غير أن عدم تحقق هذا السيناريو دفع إسرائيل إلى السعي لتعزيز الدعم الأمريكي المباشر عسكرياً.
وفي سياق متصل،علينا فهم أن هناك تياراً داخل الولايات المتحدة ما زال يرى في العودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران حول الملف النووي خياراً قائماً، علما أن هناك توافقاً ضمنياً بين طهران وواشنطن بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وهو ما يظل محل نقاش بين الأوساط السياسية الأمريكية.
أن تصاعد التصريحات الأمريكية مؤخراً يعكس حالة من الصراع الداخلي في الولايات المتحدة بين جناح “الإيباك” المؤيد لإسرائيل وجناح “الماجا” الداعم لترامب، الذي يعارض بشدة الانخراط في الحروب الدولية.
هذا التباين يعزز فرضية أن الخيار الدبلوماسي ما زال مطروحاً رغم ارتفاع مؤشرات التدخل العسكري المباشر، حيث من المتوقع أن يكون هذا الخيار له فرص كبيرة.
واضح أن هنالك تداعيات للقرار الأميركي بالانخراط العسكري المباشر، مشيراً إلى أن مثل هذا القرار سيجعل الولايات المتحدة شريكاً كاملاً في العدوان الإسرائيلي على إيران وسيكون له تبعات خطيرة على مستقبل ترامب السياسي، إذ يتعارض مع شعاره الانتخابي القائم على عدم التورط في الحروب الدولية. فالتصعيد قد يؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف الجنود الأمريكيين في حال ردت إيران على القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، وهو ما سيرفع حدة المعارضة الداخلية لمثل هذا القرار.
أن وجود نحو 60% من الرأي العام الأمريكي يرفضون الانخراط في الحرب مع إيران، سيلعب دورا فاعلا بالتأثير على قرارات ترامب، وأن كل هذه المعطيات تضع ترامب أمام معادلة معقدة بين التصعيد العسكري أو العودة إلى المسار الدبلوماسي، مع ما يحمله كل خيار من تبعات استراتيجية كبرى على الولايات المتحدة وإسرائيل والمنطقة بأسرها.
مرة أخرى يفشل نتنياهو بقراءة الحالة الايرانية بعد ان فشل بفهم الحالة الفلسطينية واللبنانية. فذهب بعيدا باعتماد عوامل القوة العسكرية وفائضها دون فهم اهمية ‘ القيمة المضافة” للقوة الايرانية والمرتبطة بالحصانة المجتمعية، والكرامة والعزة للشعوب العريقة والاصلانية، فذه القيمة هي المنتصرة الحقيقية في حروب الاستنزاف الكبرى.
سهيل ديتب – الناصرة
د. العلوم السياسية
18.6.2025