
تُطلَق في الغالب على الجماعة من النساء، فتطوَّرَت دلالتها إلى معنى “الحزن” و”الفرح”، لاجتماع هذه الجماعة في حالَي الحزن والفرح. ومثلها كلمة “الطرَب” التي تعني الحزن والفرح أيضًا، لأن أصل معناها حالة الحركة وضرب الكؤوس التي كانت تصيب القوم حين الحزن وحين الفرح، فانتقلت دلالتها إلى الحالتَين الشعوريتين المصاحبة لهما، فأصبح معناها “الفرح” و”الحزن”.
– بعض المشتقَّات قد يحمل معنى الفاعل والمفعول في الوقت نفسه، بسبب بنية أصل الكلمة، فتجد أن كلمة “محتلّ” قد تعني الفاعل وقد تعني المفعول، ومثلها كلمات “مضادّ” و”مُختار” و”مشتقّ”، فكل منها قد يكون اسم فاعل وقد يكون اسم مفعول.
– أيضًا قد يحمل اللفظ المعنيين المتضادَّين بسبب التيمُّن والاستبشار، فالمعنى السيئ قد يُستعمل للإشارة إليه لفظ المعنى الحسَن، تيمُّنًا بوقوع الحسَن والنجاة من السيئ. من ذلك أن العرب يُطلِقون على الصحراء لفظ “المفازة”، والصحراءُ مُهلِكةٌ، فيسمُّونها “مفازة” تيمُّنًا واستبشارًا بالفوز بالنجاة منها، فيصبح لفظ “مفازة” وقد حمل معنيَي الهلاك والنجاة.
كذلك يُطلِقون على مَن لدغته العقرب اسم “السليم”، تيمُّنًا واستبشارًا بسلامته من لدغتها، فيصبح لفظ “سليم” وقد حمل معنيَي السلامة والموت.
ولعلّ من هذا الباب ما يفعله العوامُّ في مصر، عندما يقولون عن المرء إذا أصابه مرض ما إنه “بعافية”، لأن العافية هي الصحَّة والسلامة، فيقولون “بعافية” تيمُّنًا واستبشارًا بأنه سيتعافى من مرضه، فيصبح لفظ “بعافية” وقد حمل معنيَي الصحة والمرض.
ومن عادتهم أيضًا في الباب نفسه أن يسمُّوا الأب على اسم ولده لا العكس، فإذا أنجب إبراهيمُ ابنًا وسمَّاه محمَّدًا، قالوا للولد “محمد أبو إبراهيم” وهو ابنه، تيمُّنًا واستبشارًا بأن الولد سيكبر ويُنجِب ابنًا يسمِّيه باسم أبيه، أو تيمُّنًا واستبشارًا بأن الابن سيكبر ليرعى أباه الذي سيكون مُسِنًّا كأنه أصبح أبًا لأبيه.
ومن أشهر ألفاظ الأضداد في اللغة العربية الفعل “بان” الذي يعني “ظهَر” ويعني “ابتعد”، فنقول “بان البدرُ بيانًا” إذا ظهر، و”بانت السيارة بَينًا” إذا ابتعدَت حتى اختفت، ومنه قول الشاعر: “بانت سعادُ فقلبي اليومَ مَتبُولُ”، وقول الشاعر: “بِنتُم وبِنَّا فما ابتلَّت جوانحنا شوقًا إليكم ولا جفَّت مآقينا”.
ومنها كلمة “عنترة” التي تعني “الشجاع شديد الوطأة على الأعداء”، وتعني “الذُّباب الذي يفرّ إذا أحسّ أي خطر”.
ومنها كلمة “بهلول” التي كانت تعني “السيد العظيم الذي يلجأ إليه أهله” فأصبحت تعني “الأبله الذي يسخر الناس منه في الشوارع”، وهو تطوُّر دلالي حدث للكلمة بعد أن كان المُلوكُ والسادة يُخلَعون في عصر المماليك، وتُفقأ أعيُنُهم وتُجدَع أنوفهم، فيسيرون في الشوارع عُرضةً لسخرية الناس.
ومنها كلمة “بهلوان” التي كانت تعني الفارس الماهر الذي يتقن فنون الكرّ والفرّ والقفز والمروق من بين السهام والسيوف والرماح، إلى آخر مهارات الفرسان، وبعد استعمال المدافع والبنادق في الحروب أصبحت مهاراته غير ذات نفع، ومع الوقت أصبحَت تُطلَق على اللاعبين في الملاهي والسيرك وما أشبه.
اعلم أنه ليس في اللغة العربية كلمتان بنفس المعنى، بل فيها مترادفات، والفرق بين الأمرَين أن “نفس المعنى” يعني “التطابق في المعنى”، أما الترادف فيعني “التجاوُر”، أي إن الكلمتين متقاربتان في المعنى كأنهما متجاورتان على خط المعنى.
انظر مثلًا إلى الفعلين “قعد” و”جلس”، قد تظنّ أنهما متطابقان في المعنى، ولكن مصادر اللغة تقول إن “قعد” يعني أنه كان واقفًا قبل قعوده، و”جلس” يعني أنه كان مضطجعًا قبل جلوسه، أي إن القعود يكون بعد عُلو، والجلوس يكون بعد سفل… لهذا يسمى جلوس الصلاة جلوسًا، لأنه لا يكون إلّا بعد سجود، أي من سفل إلى علو.
وانظر كذلك إلى كلمات “مائدة” و”طاولة” و”منضدة”، تجد أن المائدة يكون عليها طعام، فإذا كانت خالية فهي خِوان أو طاولة، وتسمَّى “منضدة” إذا نضَّدت (أي رتَّبت ورصصت) عليها الأشياء.
وانظر أيضًا إلى كلمات “البَدلة” و”البذلة” و”البزة”، تجد أنها مترادفة، ولكن “البدلة” تُستعمل للإشارة إلى زِيّ الخروج والمناسبات الرسمية، وهي لفظ مستحدَث، و”البِذلة” يُشار بها إلى الرداء الذي يُستعمل للعمل المُبلِي، وهي التي يسمّيها العامة “العفريتة”، و”البِزَّة” هي الزي العسكري…
والأمثلة في هذا الشأن لا تُحصَى، وكلها تؤكّد أنه لا يوجَد تطابق في المعنى بين لفظين، بل فقط ترادُف.