منوعات
في أحد أيام عام 1951، داخل مختبر صغير في حي هارلم بنيويورك، كانت الدكتورة جين كوك رايت واقفة أمام طاولة منضدة باردة من الفولاذ، تحدّق بعينيها السوداوين في طبق صغير شفاف.

في أحد أيام عام 1951، داخل مختبر صغير في حي هارلم بنيويورك، كانت الدكتورة جين كوك رايت واقفة أمام طاولة منضدة باردة من الفولاذ، تحدّق بعينيها السوداوين في طبق صغير شفاف.
الطبق لم يكن زجاجًا عاديًا، بل ملحمة صامتة.
في داخله كانت تنمو خلايا سرطان حقيقية مأخوذة من مري*ض بشري. وكان كل شيء فيه ينادي: “السرطان… قابل للهزيمة.”
قبل تلك اللحظة، كان الأطباء يحاولون علاج السرطان بطريقة عمياء: يجربون أدوية على المر*ضى مباشرة، يخمنون، ويأملون الأفضل.
لكن جين رأت شيئًا مختلفًا.
قالت لنفسها:
“لماذا ننتظر أن نتعلم من مو*ت المريض؟ لماذا لا نجعل الورم نفسه هو المعلم؟”
فجربت فكرة ثورية لم يكن أحد يجرؤ على المضي فيها بجدّية:
أن تأخذ خلايا الورم، وتزرعها خارج الجسم في أطباق معملية. ثم تراقب بنفسها كيف تستجيب للأدوية.
وهكذا، ولأول مرة، بدأ الطب يدرس السرطان في المختبر قبل المستشفى.
بدأ الطب يتحول من التخمين إلى العلم، ومن الاحتمال إلى التخصيص.
كانت امرأة، وكان ذلك نادرًا في الخمسينيات.
وكانت س*وداء البشرة، في وقت كانت فيه العن*صرية لا تزال جزءًا من الحياة اليومية في أمريكا.
ومع ذلك، كانت تقف في مختبرها بكل شغف.
ترتدي معطفها الأبيض، تمسك بالماصة بيد ثابتة، وتضع قطرة من دواء تجريبي على الخلايا السرطانية، كأنها تسكب الأمل نفسه.
بدأت ترى شيئًا لا يُصدّق:
الخلايا تتقلص. تنتهي. تختفي.
ليست في جسم إنسان، بل في طبق.
لكن المعنى كان واضحًا:
“إذا ما*ت الورم هنا… فقد يمو*ت هناك أيضًا، في جسد المري*ض.”
لم تكن مجرد تجربة، بل كانت بداية فرع جديد بالكامل في الطب:
اختبار الأدوية على خلايا المر*ضى خارج أجسادهم.
تخصيص العلاج حسب نوع الورم واستجابته.
تقليل المخا*طر وتحسين النتائج.
هذه اللحظة — نمو الخلايا السرطانية في الطبق ثم مو*تها تحت تأثير دواء — كانت أشبه بفتح نافذة صغيرة على مستقبل كامل:
مستقبل الطب الدقيق، الذي صار اليوم حجر الأساس في علاج السرطان.
لم يكن طبق المختبر هو المعر*كة الوحيدة في حياة جين.
كانت تقا*تل أيضًا في ساحات أوسع:
لإثبات مكانة المرأة في عالم الطب.
لكسر حاجز التمييز العر*قي في البحث العلمي.
لإقناع مؤسسات ضخمة أن العلم يمكن أن يولد من مختبر صغير في حي فقير.
وهي نجحت.
وصلت إلى لجان استشارية وطنية.
ترأست مؤتمرات عالمية.
درّست وخرّجت أجيالًا من أطباء الأورام.
لكنها، في قلبها، بقيت دومًا تلك العالمة التي عرفت أن سر الحياة… قد يبدأ أحيانًا من طبق صغير على طاولة معمل.
من طبق معمل في هارلم، خرجت ثورة أنقذت ملايين الأرواح.
وجين كوك رايت؟ كانت الطبيبة التي رأت في خلايا السرطان بداية لا نهاية.