مكتبة الأدب العربي و العالمي

يوم في حياتي قصة مليبارية / ترجمها عبد الحفيظ الندوي

ربة بيت تحكي قصتها :
بعد أن أوصلت ابنتي الصغرى إلى المدرسة وكنت في طريقي للعودة، أوقفتني بنت على جانب الطريق بإشارة من يدها. كانت ترتدي زي المدرسة، ويبدو أنها لم تتمكن من اللحاق بالحافلة لوصولها إلى المدرسة ، ففهمت أنها تطلب مني توصيلة.

أوقفت الدراجة النارية فجأة، فركضت البنت سريعًا وركبت خلفي.

– إلى أي مدرسة تريدين الذهاب؟
سألتها بينما كنت أُدير مقبض السرعة.
قالت:
– أختي، أنزليْني فقط أمام مدرسة المدينة الكبيرة ، هذا يكفيني.

– حسنًا، فأنا في نفس الطريق.

تحركت بالدراجة بسرعة، لكن يبدو أن البنت قد فقدت توازنها قليلاً، فتمسكت بي بشدة. كنت أظن أنها ستسحب يديها عندما تستعيد توازنها، لكن ذلك لم يحدث. وعندما انحنيت قليلاً إلى الأمام، اقتربت أكثر، وشدت يديها حول خصري بقوة.

راودني شعور غريب، إذ تذكرت ما قرأته سابقًا عن النساء ذوات الميول المثلية. لكن هل يُعقل أن تظهر هذه المشاعر في بنت بهذا العمر؟ لم تتجاوز السابعة عشرة بعد!

أزعجني ثقل جسدها الممتلئ وضغط ذقنها على كتفي. اقتربنا من المدرسة التي ذكرتها، لكني لم أرتح لتصرفاتها، فأوقفت الدراجة فجأة وطلبت منها النزول.

قالت – لماذا توقفتِ هنا يا أختي؟ لم نصل بعد!

قلت – تابعي سيرك مشيًا، لقد تذكرت أن عليّ الذهاب إلى وجهة أخرى.

شكرتني بسرعة ثم مضت في طريقها بخطًى مسرعة. أدرت الدراجة وعدت إلى منزلي من طريق آخر.

وبما أنني لم أعطِ ابنتي صندوق الغداء صباحًا بسبب ضيق الوقت، دخلت المطبخ فور وصولي، حضرت الطعام، وذهبت به إلى المدرسة عند الساعة الثانية عشرة.

وعندما اقتربت من المدرسة التي تدرس فيها البنت التي رأيتها صباحًا، لمحتها تمشي برأس منخفض على جانب الطريق. أوقفت الدراجة وسألتها:

– ألم يكن لديك حصة الآن؟
– كانت لدي، لكن المعلمة طردتني من الصف.

– لماذا؟
– رأت المعلمة شيئًا كتبته في دفتري خلال الشرح، فغضبت وقالت: “إن كنتِ ترغبين في كتابة القصص، فافعلي ذلك في بيتك، أما العودة إلى الصف فلن تكون إلا برفقة والديك.”
لكن إن علم والدي بالأمر، سيضربني بشدة. لا أدري ماذا أفعل الآن.

كان القلق مرتسمًا على وجهها وهي تتحدث.

قلت لها بنبرة حادة، وقد أثارني ما سمعت:
– ألم يحدث ذلك لأنكِ لم تنتبهي للدرس؟ ألم يكن من الأفضل أن تتلقي بعض الضربات من والدك؟ هل تدركين كم يتعب والداكِ من أجل تعليمك؟

قالت بحزن:
– أختي… لم أكتب قصة.

– إذن ماذا؟ هل هو خطاب حب؟
سألتها بسخرية.

– نعم، هو كذلك خطاب حب.

قالتها دون خجل، فدهشت.

– لكنها ليست لحبيبي. خذي واقرئي، أرجوكِ.

قدّمت لي الدفتر دون أن تنظر إلي، ففتحته بدافع الفضول وقرأت:

“لن أنسى هذا اليوم أبدًا. كم انتظرت بشوق لمثل هذا اليوم. عندما تأتي زميلاتي إلى المدرسة برفقة والديهن، كنت أنا الوحيدة التي تصل بالحافلة. حتى في الصفوف الأولية ، كان والدي يكتفي بإيصالي بسيارة أجرة بسبب انشغاله. كنت دومًا أتمنى لو كانت لدي أم، لأركب خلفها على الدراجة ، ممسكة بها. اليوم، تحقق حلمي. لا أعرف من هي تلك الأخت التي أوصلتني، لكن رائحة عرقها ذكّرتني بأمي. كنت أظنها أمي، وكنت أتمنى ألا تنتهي تلك الرحلة . لكنها، كما كنت أخشى، لم تُعجب بتصرفي، فأنزلتني في منتصف الطريق. لا بأس… عشر دقائق فقط كانت كافية لأحملها ذكرى في قلبي. أتمنى من أعماق قلبي أن أراها مرة أخرى، يا إلهي…”

كانت بقية الكلمات مطموسة بدموعها، وعندما أنهيت القراءة، شعرت بغصة في حلقي.

قلت لها بصوت متهدج:

– آسفة يا صغيرتي، لم أكن أعلم شيئًا. لا تحزني، سأعود غدًا معك إلى المدرسة وأمثل دور أمك. قولي للمعلمة إنني أمك، وهذا يكفي.

عندها، اقتربت مني الفتاة، وأرخت رأسها على صدري باكِيَةً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق