مقالات

قراءة في مجموعة “قصص قصيرة جدّا” بعنوان: حليب الضّحى: للأديب المقدسي؛ محمود شقير، 2021 – كل شئ للطباعة والنشر – حيفا

بقلم: د. رفيقة عثمان

صدرت مجموعة قصصيّة، للقصص القصيرة جدّا؛ للأديب المقدسي محمود شقير.

تحتوي الرّواية على مئتين وثمانٍ وثلاثين صفحة، من الحجم المتوسّط، من تصميم الفنّان شربل إلياس.
تخلّل الكتاب قصصًا قصيرة جدًّا، وبعض الأقوال لبعض الأدباء المشهورين في العالم.
استخدم الروائي شقير، في الكتابة تقنيّة لم أعهدها سابقًا؛ بأنه سرد قصصًا قصيرة جدّا، متواصلة مع قصص سابقة، باستخدام نفس أسماء الشّخصيات مع التّجديد بالأحداث، في عدد كبير من القصص القصيرة جدًّا؛ مثلا استخدم اسمي: قيس وليلى في قصص عديدة مع أحداث متجدّدة؛ هذا ممّا أدخلها تحت التصنيف للجنس الأدبي للرّواية. برأيي الشّخصي؛ أرى بأنّه من الأفضل أن تُسرد تلك القصص في رواية واحدة متكاملة، وتشتمل على كافّة العناصر المطلوبة في العمل الرّوائي.
إنّ وهذا الإبداع ليس غريبًا على أديبنا القدير شقير؛ والتجديد في استخدام الأسماء للأبطال والأحداث يمنح ميزات القصّة القصيرة جدًّا دون الربط بينها.
ظهرت مضامين عديدة للقصص أعلاه، وخاصّةً ذكر الأماكن المقرّبة على قلب الأديب؛ حيث تربّعت مدينة القدس، واحتلّت مكانةً عالية في معظم النصوص السّرديّة؛ لدرجة قدّم الأديب الإهداء في مقدّمة الكتاب لمدينة القدس، وأطلق اسم قدس على الطّفلة المُتبنّاة للبطلين قيس وليلى. الطفلة قدس كانت الرّمز الجميل للمحبوبة القدس؛ الّتي تحمّلت: معاناة وجود المُحتل فيها، وتقديم التضحيات، وزف الشّهداء، وتصوير المعاناة التي يلاقيها أهالي القدس بشكل خاص من تنكيل واستيطان، وقتل الطّفولة، وتضييق الخناق على أهلها.
كما ورد صفحة 134″ القدس هي احتمالات الأمهات اللّواتي فقدن أبناءهن الشهداء”؛ كذلك “القدس هي هتاف الرّجال الغاضبين، والنّساء الغاضبات من أجل الانعتاق” صفحة 137، بالإضافة “الجنود الغرباء كانوا هناك بالمرصاد، والأولاد عادوا إليها وقد نقصوا واحدًا” صفحة 131.
ذكر الرّوائي شقير أسماء أماكن فلسطينيّة عديدة أيضًا منها؛ أريحا ويافا وشواطئها، وغيرها من الأماكن العبقة في تاريخ فلسطين. “يافا البحر .. يافا حي العجمي” صفحة 118.
لم يكتفِ الأديب بتصوير المكان فحسب؛ بل توغّل في وصف معاناة المرأة الفلسطينيّة المقدسيّة ومناصرتها، وصوّرها بصورة مشرّفة؛ هذا يدل على الفكر المتحرّر للأديب، والبعيد عن التعصّب القبلي نحو المرأة ومناشدته للحرّيّة والانطلاق نحو الأفضل.
بنظري ترمز المرأة الفلسطينيّة في هذه القصص الى الوطن الأم فلسطين؛ التي في مخيّلة الكاتب؛ كما تعوّد الأدباء تقليد البطولة لشخصيّة الأم، كرمز تعبيرًا عن الوطن.
ورد صفحة 143 بعنوان: كل النّساء ” قلت القدس هي نساء المدينة المتزوّجات، والنّساء اللّواتي لم يتزوّجن بعد؛ والأسيرات الشّهيدات والطّالبات اللّواتي تخرّجن من الجامعة، واللّاتي لم يتخرّجن بعد. قلت: “وهي كل النّساء العاملات المرضعات الطيّبات السّاهرات الوفيّات النبيلات الجميلات المتشبّثات بأغصان الحياة”. كذلك ألقى الكاتب الضّوء على المرأة أم الشّهيد وأم الأسير، كما ورد صفحة 147 “نامت الكائنات كلّها، ما عدا أم الشّهيد وأم الأسير”.
تطرّق الأديب لبعض الأقوال والحكم المختلفة، لعلماء أو لمشاهير من العالم العربي والغربي؛ بالإضافة للمجموعة القصصيّة؛ كما ورد بعض الاقتباسات مثلًا: للشاعر والفقيه جلال الدّين الرومي صفحة 68 “بغير هذا الحب لا تكن”؛ كذلك مقولة للكاتب والشّاعر البرتغالي فرناندو بيسوا صفحة 40 “أنا ظلّ نفسي ذاتها؛ أبحث عن الظّل”، بالإضافة لمقولة للفنّان التشكيلي الإسباني( سلفادور دالي) قائلًا:
“لا تخف من الكمال، فإنّك لن تدركه”. صفحة 68.
إنّ اختيار الأديب شقير لهذه الأقوال وغيرها، ضمن مجموعة القصص القصيرة جدّا، تدل على إعجاب الأديب بهذه المقولات الدّالة على الحكمة والفكر والتجربة، ممّا أضفت تنويعًا وإثراءًا في نصوص الكتاب.
اختار الأديب عنوان مجموعته القصصيّة (القصص القصيرة جدّا)، قصّة من إحدى قصصه؛ وهي قصّة حليب الضّحى صفحة 83 ” قالت ليلى من ثديي سأرضعها حين نحضرها من حضانة ما.. سأرضعها حليب الضّحى الّذي يحميها من الشّرور، قلت: يبهجني إن تعطي ثديك واستجاب”.
تظهر الرّمزيّة في العنوان؛ للدلالة على العطاء والسّخاء كذلك النّقاء، والوقاية من الشّرور كما أشار أديبنا بالقصّة. ربَما الرمز في القصّة هو العطاء للوطن الّذي لا يتوقّف؛ هو رمز للتفاؤل والاستمراريّة في الحياة، ولا يعيق أهلها أي عائق من حب الوطن والأمل والإقدام على الحياة ما استطاعوا إليها سبيلا.
لاحظت من قراءتي لهذه المجوعة القصصيّة القصيرة جدّا، تكرار فكرة مضمون الرّضاعة في عدّة قصص مختلفة كما ورد في قصّة تطمين صفحة 86 ” كشفت عن ثديها ببياضه النّاصع وقالت: “ما زلت أشعر بأثر العض.”. كذلك في قصّة نهدي الأيسر صفحة 25، وقصّة حلم صفحة 85 . برايي الاكتفاء بسرد قصّة واحدة من هذا المضون، تكفي وتفي بالهدف المنشود؛ من الرّمزيّة في القصّة.
امتازت لغة الكتاب، باللّغة القويّة والسّهلة على مدارك طلّاب المدارس، للمرحلة الإعداديّة وما فوق. طوّع الأديب لغته وفقًا للأحداث والمستوى الثقافي لأبطال القصّة؛ مستخدمًا الصناعة اللّغويّة والصّياغة الجميلة، كما عوّدنا أديبنا المتمكّن.
طغت عاطفة الحزن والألم والحرمان؛ على معظم القصص القصيرة جدّا، وذلك إنعكاسًا للواقع وللأوضاع الاجتماعيّة والسيّاسيّة، والوطنيّة الّتي يحياها الوطن يوميًّا؛ ومثّلت القدس نموذجًا مصغّرًا، لما يحياها الشّعب الفلسطيني في كافّة أرجاء الوطن.
الإبداع لا حدود له، هذا الكتاب هو بداية تجديد في العمل الرّوائي، في القصص القصيرة جدّا؛ إلّا إنّني ألاحظ الافتقار إلى بعض عناصر القصّة؛ عند كتابة القصّة القصيرة جدّا. برأيي إنّ اللّغة العربية واسعة وشاسعة تحتوي على جماليّات تعبيريّة زاخرة، ولا يجوز اختزالها في سطرين؛ وصناعة القصص القصيرة جدّا في بعض السّطور المُفبركة. في عصرنا الحالي اختزل الفتيان لغتنا ببعض الكلمات ونصفها لغة أجنبيّة؛ لذا أجد من الضرورة تشجيع استخدام اللّغة العربيّة اافصحى، بكل جماليّاتها، وصياغتها الأدبيّة، وإطلاق العنان للسرد الأدبي والخيال، والتّعبير عن العاطفة بحريّة؛ خاصّة لاستهداف الكاتب قراءه لفئة الفتيان واليافعين.
هذه القراءة عبارة عن آراء شخصيّة فحسب، لكن معرفتي الخالصة بأديبنا شقير، المتواضع والمتحرّر فكريًّا، يتقبّل النّقد برحابة صدر، نتعلّم منه الكثير من صناعة الأدب، والتعامل بإنسانيّة مع الآخرين. أرجو لأديبنا المقدسي شقير الكبير، طول العمر، والصحّة والمزيد من العطاء والإبداع المتجدّد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق