يدرك الشاعر الحقيقي معنى ان تكون الكلمة (سمعية وبصرية) في ذات الوقت، ويدرك كيف يكون المجسد ذا تأثير غير مجسد (معنوي)، وكيف يحيل بكلماته هذا التأثير المعنوي إلى تأثير مرئي… هنا يكون النقد لا التفسير ولا الشروح .
وهنا يكون النص النقدي موازيا للنص الإبداعي مكانيا ومتابعا له زمانيا، أما تحليل الخطاب الشعري فيأتي في مرحلة لاحقة.
وإذا طبقنا ذلك على على ديوان “لا تخجلي” لشاعر الأمة محمد ثابت نجد انه استطاع مناقشة موضوع الحب بمختلف صوره وأنواعه بكلماته السمعية والبصرية، ففي قصيدة “لاتخجلي”
والتي يحمل الديوان اسمها يصف الحب الشغوف والمشاعر العميقة، فيُظهر تعبيرًا قويًا عن حبه ورغبته في مشاركة حياته مع محبوبته، وأحلام الشاعر وآماله في الحب، وتداخلها مع الخيال والرغبات؛ فالهوى يصاغ وكانه كلمات، والأنسام في صفحات الورق او صفحات النهر، فيقول
أصوغُ هواكِ كالأنسامِ
فى الصفحاتِ من برْدِي
فهل أنصفتِ فى قربي؟
وهل أخلصتِ فى بعدي؟
مقاديرُ الهوى تنجيكِ
من فزّاعةِِ الردِّ
ويبقى الشّكُ ياعمري
رسولَ الحبِّ والودِّ
أغارُ عليكِ من عينيكِ
من شفتيكِ والبَرَدِ
ويزدحم الديوان بالصور الطبيعية مثل “الورد”، “البدر”، و”الأنسام” ليجعل الشاعر قصائده تجسد مشاعره بأسلوب نابض بالحياة، فيستخدم الصور البيانية التي تربط الحب بأحداث طبيعية كالبرق والرعد، مما يضفي على المشاعر عمقًا وغنى.
يصوغ الشاعر قصائده من مفردات تصنع أسلوبا شعريا يتسم بالتشكيل مع التوازن بين الفكر والاحساس والأساليب النغمية التي تضيف جمالية خاصة ويساهم في جعلها أكثر جذبًا، ففي قصيدته “لاتخجلي” والتي يحمل الديوان اسمها نجده يكرر جملة “أنا من يكتبُ التاريخَ”، مما يعزز قوته الشعرية، حيث يجعل من حبه شعارا لصنع التاريخ، في إشارة إلى عظمة هذا الحب في نظره،
أنا من يكتبُ التاريخَ
يا محبوبتي وحْدي
يعبر الشاعر عن الغيرة والخوف من فقدان محبوبته، والتوتر بين الحب والشك فيعكس الصراع الداخلي الذي قد يعاني منه المحب، من خلال تعبيرات مشهدية توضح تباين اللحظات في قصائد الديوان بين اللحظات السعيدة، واللحظات الحزينة.
يعكس الديوان مشاعر قوية ولغة شاعرية جميلة نجح الشاعر من خلالها أن ينقل مشاعر الحب بدقة، لكن بشكل تقليدي بعض الشيء في الأسلوب والمعاني، كالاستخدام الشائع للرموز الطبيعية في الشعر الرومانسي، وقد يكون من المفيد البحث عن رموز جديدة أو معاصرة تعكس المشاعر بشكل مختلف، كما ان هناك حاجة إلى المزيد من العمق الفكري أو الفلسفي في التعبير عن الحب، مما يضيف بعدًا إضافيًا للنص، فيصبح أكثر تفردًا وابتكارًا،
تعالي نرسمُ الأحلامَ
فوق شفاهِكِ الوردِ
وأغزلُ من ضيا عينيكِ
آمالاً من السَّعدِ
ونعلو فى سماءِالحبِّ
فوقَ البرقِ والرعدِ
أنا المجنونُ فى حبِّي
فكوني البدرَ فى سُهدي
والخلاصة أن محمد ثابت شاعر مطبوع يستطيع ان يطوع كلماته حسبما يريد ويهوى لتخرج القصيدة من ذهنه في ابهى صورها.
لاَ تـَخْجَلِي
لاَ تـَخْجَلِي إِنْ فَـاجَـأَتـْكِ عُـيُـونـِي
أَبـْدَلْـتِ شَـكِّـي فِـي الهَـوَى بـِيقِـينِـي
إِنَّ الجِـرَاحَ عَلَى الـفُـؤادِ تـَعَـوَّدَتْ
وَتـَعَـوَّدَ الـقَـلْـبُ الجِـرَاحَ فَـخُـونـِي
أَظَـنَـنْـتِ أَنـِّي قَــدْ أَمُـوتُ بـِلَـوْعَـتِـي
وَتـَذُوبُ مِـنْ فَـرْطِ الـبُـكَـاءِ جُـفُـونـِي
وَأُقِـيـمُ لَـيْـلِـي وَاللَّهِـيبُ بـِمُهْـجَـتِـي
وَالـيَـأْسُ يـَبْـقَـى أَيـْسَـرِي وَيـَمِينِـي
وَأَظَـلُّ أَشْـكُـو طُـولَ لَـيْـلَى وَالـنَّـوَى
وَأَظَـلُّ أَشْـرَحُ لِلْخَـلاَءِ شُـجُـونـِي
قَـدْ غَـرَّكِ اللَّحْـظُ الَّـذِي يـَنْـثَنِـي
إِلاَّ بـِمَـقْـتَـلِ عَـاشِـقٍ مَـفْـتُـونِ
إِنْ كُـنْـتِ لَـيْـلَـى يـَا مَـلِيـحَـةُ فِـي الهَـوَى
فَـلْـتَـحْـذَرِي مِـنْ ثـَوْرَةِ المَـجْـنُـونِ
———————————-
إلهام عفيفي
18 مارس 2025
