مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة “الأزمات النفسية في العصر الحديث” (10)
* كيف نربي أبناءنا على التوازن النفسي؟
![](https://hamsaat.co/wp-content/uploads/2025/01/IMG_5923.jpeg)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
التوازن النفسي للأبناء هو أساس استقرارهم العاطفي والفكري، وهو مفتاح نجاحهم في الحياة، فالأبناء الذين ينشؤون في بيئة مستقرة نفسيًا، يكونون أكثر قدرة على مواجهة التحديات، واتخاذ القرارات الصائبة، والتعامل مع الضغوط بوعي وثبات، ومن هنا، يأتي دور الوالدين في تربية أبنائهم على التوازن النفسي، وفق أسس مستمدة من تعاليم الإسلام وتوجيهاته الحكيمة.
أولًا: غرس الإيمان والطمأنينة
إن الإيمان بالله وحسن التوكل عليه، من أهم ركائز التوازن النفسي، إذ يمنح الإنسان الشعور بالأمان والطمأنينة، يقول الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28). ومن هنا، ينبغي للوالدين أن يغرسوا في أبنائهم حب الله، والثقة بعدله ورحمته، وتعليمهم الدعاء والاستغفار كوسائل تبعث على الراحة النفسية، منذ نعومة أظفارهم.
ثانيًا: تنمية الثقة بالنفس
الثقة بالنفس هي ركيزة التوازن النفسي، وهي تتعزز من خلال التشجيع الإيجابي، وإتاحة الفرصة للأبناء للتعبير عن آرائهم واتخاذ القرارات المناسبة لأعمارهم، وقد كان النبي ﷺ يشجع أصحابه، صغارًا وكبارًا، على المشاركة وتحمل المسؤولية، كما فعل مع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين قال له: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ…» (رواه الترمذي).
ثالثًا: تعليمهم الصبر وضبط النفس
الحياة مليئة بالمواقف التي تتطلب الصبر، وهو سلاح قوي في تحقيق التوازن النفسي، وقد أمرنا الله بالصبر، فقال: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ (النحل: 127). لذلك، ينبغي تعليم الأبناء كيفية التحكم في انفعالاتهم، وعدم الاستسلام للغضب أو الإحباط، وتعويدهم على التحليل الهادئ للمواقف قبل اتخاذ القرارات.
رابعًا: بيئة أسرية مستقرة
الأبناء يتأثرون بشكل مباشر بجو الأسرة، فإذا كانت العلاقة بين الوالدين يسودها الاحترام والتفاهم، انعكس ذلك على استقرار الأبناء نفسيًا، ولهذا، حثّ الإسلام على العدل في التعامل داخل الأسرة، فقال النبي ﷺ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» (رواه البخاري). كما أن الحوار الهادئ والتعبير عن المشاعر بشكل سليم، يعزز الأمان النفسي لديهم.
خامسًا: تحقيق التوازن بين المسؤوليات والراحة
يجب أن يتعلم الأبناء التوازن بين العمل والراحة، وبين الجد واللعب، فقد كان النبي ﷺ يمازح الأطفال، ويهتم بحاجاتهم النفسية، كما فعل مع الحسن والحسين (رضي الله عنهما). فلا ينبغي تحميل الأبناء فوق طاقتهم، بل يجب إعطاؤهم فرصة للاستمتاع بطفولتهم، مع تعزيز حِس المسؤولية لديهم تدريجيًا.
* وأخيرًا
التوازن النفسي هو مفتاح النجاح في الحياة، وهو ثمرة تربية قائمة على الإيمان، والثقة، والصبر، والعدل، والتوازن بين الجدية والراحة، وما أحوجنا اليوم إلى جيلٍ قوي نفسيًا، مستقر عاطفيًا، قادر على مواجهة التحديات بثقة وثبات، وما أجمل قول النبي ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير» (رواه مسلم).
* عنوان مقالتنا القادم بمشيئة الله تعالى: أثر الاستغفار في تخفيف الضغوط النفسية
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يُبرِم لهذه الأمة إبرام رشد.
* مقالة رقم: (1864)
07. شعبان . 1446هـ
الخميس .06.02.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)