مقالات
الواثقون بالله رب العالمين بقلم الدكتور عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان
الثقة بالله رب العالمين هي أعظم ما يملكه المؤمن، فهي اليقين الثابت بأن الله سبحانه وتعالى هو المدبِّر الحكيم، وأن كل ما يقدِّره لعباده يحمل الخير، حتى وإن خفيت عليهم حكمته. هذه الثقة تجعل الإنسان مطمئنًا في كل حال، صابرًا عند البلاء، شاكرًا عند النعم، واثقًا بأن لطف الله تعالى به لا يغيب، وأن رحمته أوسع من كل ضيق.
حين يمتلئ القلب بالإيمان بأن الله رب العالمين هو المتصرِّف في شؤون الحياة، يختفي القلق، ويحلُّ محلَّه الرضا والسكينة. فلا يخشى الإنسان الفقد، لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو المعطي، ولا يحزن على تأخر الفرج، لأنه يؤمن بأن الله رب العالمين هو الحكيم الذي يعلم متى يمنح، ومتى يؤخِّر، ومتى يعوِّض.
كان الأنبياء والصالحون النموذج الأعظم في الثقة بالله سبحانه وتعالى، فإبراهيم عليه السلام، عندما أُلقي في النار، لم يَرْتبك ولم يجزع، بل قال: “حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”، فجعلها الله بردًا وسلامًا عليه. والنبي محمد ﷺ، حين اشتد عليه الكرب في الغار، قال لصاحبه بكل يقين: “لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا” (التوبة: 40)، فكانت معية الله سبحانه وتعالى فوق كل تهديد وخوف.
الثقة بالله رب العالمين تحتاج إلى يقين راسخ، وهذا اليقين لا يأتي إلا من خلال التأمل في أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى، والتدبُّر في آياته، ومراجعة النعم التي غمر بها عباده. فكل محنة مرت وانتهت كانت وراءها حكمة، وكل تأخير في الإجابة كان لحكمة، وكل منع كان في حقيقته عطاءً أكبر لا ندركه إلا بعد حين.
إن نشر ثقافة الثقة بالله سبحانه وتعالى من أعظم ما يمكن أن يقدِّمه الإنسان لنفسه ولمجتمعه، لأنها تجعل القلوب مطمئنة، والنفوس أكثر استقرارًا، والحياة أكثر إشراقًا. فمن وثق بالله رب العالمين عاش سعيدًا، وأدرك أن كل ما يمر به هو جزء من لطف الله تعالى به، وأن الخير قادم مهما كانت الظروف والأحوال.