الرئيسيةمقالات

التضحية درب المجد والحرية- بقلم: *شعيب الحسيني الندوي*الهند

بواسطة شهاب الحسيني

إذا أحب المرء شيئا يتجرع كأس المرارة في سبيله مبتسما ضاحكا، وإذا أولع الإنسان بشيئ يتخطى جميع الحدود لتناوله، ولعلك قرأت قصصا كثيرة للعشاق والمتيمين وعثرت على المولعين والمدمين بالخمر واطلعت على مجانين الألعاب فتأسست في نفسك هذه القاعدة ” الحب جنون “، تصديقا لذلك ويقينا بهذا يكفيك ما حدث قبل زمن قليل ولا يزال يحدث بأن شابا منفصلا عن الكلية أنشأ موقعا الكترونيا للعبة جديدة سماها ( Blue Whale )، وهذه اللعبة عبارة عن تخطي خمسين تحديا في خمسين يوما، بدأ مجانين الألعاب تخطوا مراحلها وكان في بعضها الذهاب إلى المقبرة حين ينتصف الليل ووشم اسم اللعبة على الساعد وأمثاله من الحماقات حتى كان التحدي الأخير الانتحار بالسقوط من مبنى عال، ومن العجب العجاب والغريب المدهش أن عددا غير قليل من الفتية والفتيات والشباب اجتازوا هذه المرحلة بارتكاب جريمة الانتحار، أليسوا مجانين فاقدي العقول؟؟ بل الإنسان إذا عشق شيئا استمات في سبيل إنجازه وخاطر لنيله بحياته وماله.

لكن شتان بين عاشق التفاهة، والحماقة، وعاشق الفضيلة، والكرامة! إنه إنسان شريف عزيز كريم من يضحي في سبيل بغيته العليا التي تضمن له السعادة والكرامة وتجعل له لسان صدق عليا، ومن يعيش حرا طليقا إنه يكسر الأغلال والقيود التي تثبط سيره نحو العلياء وتعرقل رقيه نحو السماء، وقد خسر الدنيا والآخرة من أصبحت حياته كسراب بقيعة يغره الغرور، ويتلهف لتوافه الأمور ويتشوق لدنايا المقاصد ويعتصر عنفوان شبابه هائما وراء قشة في مهب الريح، ويضم النهار بالليل في مسألة لا تقدم ولا تؤخر، ولا يكتسب إلا حسرة وندامة.

من أسمى الكرامات وأعلى المفاخر كسب الحرية والتضحية لمنالها وترسيخ دعائم المقاومة مع سالبيها، والصدع بالحق وإن رغم أنف فلان وعلان، والنبو عن كل مهانة تلصق بالأجيال وإن وزنت بملئ الأرض ذهبا، ويشرب كأس المنية مؤمنا بموت العزيز:

إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم

والذي يسير في هذا المضمار ينغض معاشه ويكدر دنياه ويصاب بصعاب الحياة ويحرم المنافع العاجلة، ولكنه يخلد في سجل التاريخ خلود الدهر ويرسم أثره الذي لا يمَحي على تراب الأرض، ويحيى في ذاكرة الأجيال بطلا مغوارا، ويقول بلسان عنترة:

لا تسقني ماء الحياة بذلة *** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

ماء الحياة بذلة كجهنم *** وجهنم بالعز أطيب منزل

ويعيش من بعده رافع الرأس معتزا وكأنه تلقى منه رسالة هذا البيت:

فعش في علاك عزيز النفس طاهرا *** ودع عنك دنيا العجز والقهر والإذا

ومما لا مرية فيه أن الحرية لا تتأتى إلا على جسر التضحية، ولا كرامة للإنسان إذا تخلى عن الشجاعة، بل الذي يقف مرفوع الرأس بأنفته وعزة نفسه وثقته بموقفه حتى في أشد ساعات الانكسار فهو حر بكل معنى الكلمة، يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

للحرية الحمراء باب *** بكل يد مضرجة يدق

هذا البيت يجسد المعنى العميق لثمن الحرية وانتزاعها بالكفاح والنضال ومغامرة الحياة، ولكن لا أفهم هذا البيت ولا أسبر غوره ولا أدرك بعمقه حق الإدراك إلا إذا سمعته ينشده القائد الشهيد والمجاهد البطل أبو إبراهيم يحيى السنوار قائد حركة حماس ماشيا على الركام مبتسما ابتسامة الواثق بحسن مصيره وكاشفا غمة المجازر بثبات قدمه وصرامة موقفه.

يبتسم الفارس المقدام في وثب *** كأنه البرق إذ يلتاع محتدما

يرنو إلى الموت لا يخشى مهابته *** وكفه في لظى الهيجاء قد عزما

هذه التضحيات في درب المجد والعز والفخر تبني جسرا للأجيال القادمة أن تبقى حرة لا تزن القيد وزنا وإن كان صنع بالذهب وتبقى حرة وإن كبلتها الأغلال، لأن الأفكار لا تسجن والعناق لا تخضع إذا تذوقت الحرية وعاشت في ظل الكرامة والأنفة، وصدق جبران خليل جبران: لا تبنى الحضارات إلا على صروح التضحيات، ولا يولد المجد إلا من رحم المعاناة، وأصاب أحمد شوقي المرمى حين قال: التاريخ لا يذكر المتخاذلين، بل يخلد أسماء الذين ضحوا ليحيا الوطن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق