مقالات

الشعر وبعض شعراء اليوتيوب ✍🏼 يونس الجنّاتي

بواسطة الاستاذ عبد الحفيظ الندوي

مع اقتراب المهرجانات والمسابقات، يصبح اليوتيوب مرجعًا رئيسيًا للمشاركين والمدربين. إلا أن هناك ظاهرة غير مكتوبة ولكنها شائعة بين الحكام في مسابقات إلقاء الشعر العربي، وهي إعطاء الأولوية للموضوعات الجديدة. لذا، يلجأ المشاركون والمدربون إلى اليوتيوب بحثًا عن قصائد عربية حديثة، وغالبًا ما يجدون وفرة منها. وعندما يرون آلاف المشاهدات والتعليقات المادحة والأوصاف المبالغ فيها للشاعر المفترض، يظنون أن الأمر محسوم ولا يحتاج إلى مزيد من التفكير.

لكن الحقيقة المؤسفة هي أن هؤلاء يتعرضون للخداع. فهناك من يستغل حاجتهم ليصنعوا لأنفسهم مكانة كشعراء كبار على اليوتيوب. وقد يكون لهذا مكاسب متعددة، إلا أن الثمن المدفوع هو انتهاك فادح لجماليات اللغة العربية وعلم العروض.

فالواقع أن كثيرًا من هؤلاء لا يملكون أدنى موهبة شعرية، بل يفتقرون إلى الحد الأدنى من الإلمام باللغة. إنهم يملؤون اليوتيوب بنصوص يدّعون أنها شعر، لكن القليل منها يرقى إلى مستوى القصيدة. الأخطاء اللغوية والنحوية متفشية، والانتهاكات العروضية فادحة، وأحيانًا تكون الأخطاء من الضخامة بحيث يخجل منها حتى من لديه معرفة بسيطة بالعربية. يكفي الاستماع إلى بعض “إبداعات” هؤلاء لتتضح الصورة.

ومما يثير الاستغراب أن هؤلاء لا يخجلون من الدفاع عن أنفسهم! فقد أتيحت لي الفرصة مؤخرًا للتدخل في نقاشات حول هذا الموضوع ضمن مجموعة واتساب مسؤولة. وعندما قدمت الأمثلة والشروح، فهم كثير من المستمعين حقيقة الأمر وأبدوا تأييدهم. لكن بعض “شعراء اليوتيوب” لم يكن لديهم أي رد علمي، فلجؤوا إلى الهجوم الشخصي، بل إن بعضهم تواصل معي بشكل خاص مستخدمًا لهجة استعلائية ومستهزئة، وحين أدركوا فشلهم في الدفاع عن أنفسهم، تحول خطابهم إلى وقاحة صريحة. (وأنا أحتفظ بالأدلة على ذلك). ومع ذلك، لا يزالون يظهرون على اليوتيوب وفي مجموعات المسابقات كـ “شعراء كبار”، مستغلين القرّاء ومتلذذين بالإطراءات غير المستحقة.

وقد بلغ الأمر بأحدهم أنه لم يستطع حتى تفسير نصف الشطر الأول من إحدى “قصائده العظيمة”، إذ أخطأ في الإعراب وأساء فهم معاني كلماته، بل وصل به الأمر إلى جعل “لازم” مفعولين في تحليله التركيبي! كان الاستماع إلى معاناته في تفسير نصه محزنًا ومثيرًا للشفقة. (والتسجيل الصوتي بحوزتي).

لكنهم يبررون أنفسهم! فهم يرون أن للشاعر الحرية المطلقة في حذف الكلمات وإضافة ما يريد وتغيير قواعد اللغة كما يشاء! يمكنه أن يحوّل المذكر إلى مؤنث والعكس، ولا أحد يحق له الاعتراض!

إنهم يقولون إن للشاعر ترخيصًا يفعل به ما يشاء في اللغة، فلا يلزمه الالتزام بالنحو أو العروض، يكفي أن ينسّق بعض الكلمات العربية بطريقة تصلح للتلحين، ثم يطلق عليها “قصيدة”، ويعتبر نفسه شاعرًا، وحين يُسأل عن المعنى، يدّعي أن التفسير متروك للقارئ، ولا ينبغي مساءلته عنه!

بعبارة أخرى، هؤلاء الشعراء لا يستطيعون كتابة بيت واحد دون أخطاء لغوية وعروضية فادحة، ومع ذلك يدّعون أنهم عباقرة الشعر! والواقع أنه لا يمكن تفسير بيت تفسيرًا صحيحًا إلا إذا كان ذا معنى واضح أصلاً!

إن اللغة العربية عندنا ليست مجرد أداة كلام، بل هي كيان عظيم نحمله في قلوبنا، وواجبنا تجاهها أن نحميها من العبث والتحريف. فليس من الأدب ولا من الأمانة العلمية أن يتصدر الجهلاء المشهد، سواء عن قصد أو بسبب جهل مركّب يجعلهم يظنون أن ما يفعلونه صحيح.

هناك قلة من هؤلاء تقبل النقد وتسعى إلى التعلم والتصحيح، وهؤلاء لا نقسو عليهم، بل نشجعهم. أما من يصرّ على الجهل والاحتيال، فليس لنا إلا أن نقف في وجهه حفاظًا على لغتنا وتراثنا.

كما أن هناك مسؤولية على الحكام في مسابقات الإلقاء الشعري، فكيف يُسمح بإلقاء “نصوص” لا تنطبق عليها معايير الشعر أصلًا؟ وكيف يُعهد بالتحكيم إلى من لا يميز بين الصحيح والفاسد؟ أليس ذلك ضربًا من التواطؤ؟

لذا، أقول للمشاركين والمدربين: اختاروا النصوص بعناية، درّبوا أبناءكم على إلقاء الشعر الحقيقي، علّموهم روائع الشعر العربي لكبار الشعراء، لا تدفعوهم إلى حفظ عبارات جوفاء لا تحمل معنى. فالموهبة الحقيقية لا تظهر إلا في التعامل مع النصوص الأصيلة.

أما إن كانت الحاجة إلى قصائد حديثة، فلدينا في بلدنا شعراء متميزون يكتبون بالعربية الفصحى وفق قواعدها الصحيحة، لكن أعمالهم لا تجد الانتشار الكافي على اليوتيوب. ومع ذلك، لا عذر للجوء إلى الرداءة. فالشعر الجيد متوفر، ويبقى علينا أن نوفر له اللحن المناسب للإلقاء.

وأخيرًا، إن كان لدى أي من “شعراء اليوتيوب” اعتراض على هذا النقد، فليتفضل ويقدم أمثلة على قصائد صحيحة عروضًا ولغة. نحن مستعدون للمناقشة بالحجج والأدلة، لا أكثر ولا أقل، وذلك من منطلق احترامنا للغة العربية وحبنا لها.

بكل احترام،
يونس الجنّاتي
📞 +9747799225

ترجمة آلية لما كتبه الأخ الجناتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق