الرئيسيةمطبخ همسة التراثيمقالات
التقويم الهجري والميلادي: رؤية إسلامية مُتَّزِنة
بقلم: محمد رضي الرحمن القاسمي رئيس قسم الكتاب والسنة بالجامعة الإسلامية كيرالا
﷽
مقدمة
يُعَدُّ التقويم أحد العناصر الأساسية لتنظيم حياة الإنسان على مستوى الأفراد والمجتمعات، حيث يُستخدم لتحديد الأيام، والأشهر، والسنوات. في العالم اليوم، هناك تقويمان رئيسيان: هما التقويم الميلادي (الشمسي) والتقويم الهجري (القمري). وبينما يُستخدم الأول على نطاق عالمي كبير، فإن الثاني يتمتع بأهمية خاصة للمسلمين كونه مرتبطًا بعباداتهم وشعائرهم الدينية.
مع بداية كل عام ميلادي، نلاحظ على المستويات الشخصية والاجتماعية، بل وفي بعض الأحيان على المستوى الحكومي بعضَ السلوكيات بل الخرافات السخيفة التي لا تجيزها الشريعة، بل لا يمكن لأي مجتمع سليم عقلياً أن يسمح بها، بينما تظهر من ناحية أخرى ردود أفعال غير متزنة تعكس نقص الفهم الديني.
تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أهمية كلا التقويمين، مع التركيز على مكانة التقويم الهجري وأبعاده الدينية والاجتماعية كما تحاول توضيح وجهة النظر الإسلامية الصحيحة الخالية من الإفراط والتفريط في السلوكيات.
أكثر التقويمات انتشاراً
1 – التقويم الميلادي (الشمسي): سُمِّي بالتقويم الميلادي لأنه يبدأ من السنة التي يُعتقد أنها سنة ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام. يعتمد هذا التقويم على حركة الشمس، حيث يُقسَّم العام إلى 12 شهراً ثابتة، تبدأ بشهر يناير وتنتهي بشهر ديسمبر. ويعتبر هذا التقويم الأكثر استخداماً على مستوى العالم، نظراً لاعتماده في الأنظمة الإدارية، الاقتصادية، والعلمية.
2 – التقويم الهجري (القمري): سُمِّي بالتقويم الهجري نسبة إلى هجرة النبي محمد ﷺ من مكة إلى المدينة، وهي السنة الأولى التي بدأ فيها هذا التقويم. يعتمد التقويم الهجري على حركة القمر، ويتألف العام من 12 شهراً قمرياً، تتراوح أيام الشهر بين 29 و30 يوماً بناءً على رؤية الهلال.
أسباب انتشار هذين التقويمين:
• التقويم الميلادي: يرتبط بميلاد سيدنا عيسى عليه السلام، مما يجعله التقويم المعتمد بين أتباع المسيحية الذين يمثلون النسبة الأكبر من سكان العالم.
• التقويم الهجري: يتمتع بأهمية خاصة للمسلمين، حيث يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعديد من العبادات الإسلامية مثل الصوم والحج والزكاة. كما أنه جزء من الهوية الثقافية والدينية للمسلمين حول العالم.
السلوكيات غير المناسبة المتعلقة ببداية العام الميلادي
ممارسات لا تتماشى مع القيم الإسلامية
مع بداية السنة الميلادية، تنتشر بعض الممارسات الاحتفالية التي تتعارض مع القيم الإسلامية، مثل إقامة الحفلات الصاخبة أو التبذير في الإنفاق على أمور لا جدوى منها. هذه السلوكيات، إلى جانب كونها مخالفة للشرع، تُظهر افتقاراً للتوازن الذي يدعو إليه الإسلام في جميع مناحي الحياة.
التهاني بمناسبة العام الجديد
أصبحت التهاني بمناسبة العام الجديد، سواء الميلادي أو الهجري، شائعة بين الناس. وإذا لم يكن هذا الفعل يُعتبر جزءاً من الدين أو يُمارس بشكل دائم على أنه عبادة، فإنه لا يُعد بدعة. ومع ذلك، تبقى التهاني عملاً غير ضروري إذا لم يكن لها فائدة دينية أو اجتماعية، ومن الأفضل للمؤمن أن ينشغل بالأعمال النافعة.
الدعاء في بداية العام:
ليس هناك حاجة لانتظار بداية العام الميلادي أو الهجري للدعاء بالخير لأنفسنا أو للآخرين. فالإسلام يُشجعنا على التواصل مع الله بالدعاء في جميع الأوقات، دون ربطه بزمن معين أو مناسبة محددة.
دعوات “لا تهنئنا في يناير، بل في محرم”
تنتشر بين البعض -بمناسبة بداية العام الميلادي- رسائل تدعو إلى الامتناع عن تقديم التهاني بالعام الجديد في يناير، واستبدالها بالتهاني في محرم، بحجة أننا مسلمون وسنتنا هي السنة الهجرية التي تبدأ بمحرم. وعلى الرغم من أن هذه الدعوات قد تصدر عن نوايا حسنة، إلا أنها ليست في محلها؛ إذ لم يشرع الإسلام اعتبار بداية السنة الميلادية أو الهجرية مناسبة خاصة لتبادل التهاني أو الدعاء. إن القيام بذلك بدافع ديني أو كممارسة ثابتة قد يؤدي إلى الوقوع في البدعة. فضلاً عن ذلك، فإن التقويم الميلادي، المرتبط بسيدنا عيسى عليه السلام، هو جزء من إرثنا المشترك كبشر، وله مكانة عندنا كمسلمين بقدر ما له عند الآخرين.
أهمية التقويم الميلادي للمسلمين
بالرغم من أن الأشهر القمرية لها أهمية أكبر في الإسلام كما سيُذكر؛ لكن يجب أن نتذكر أنه كما أن القمر – الذي يُحسب به التقويم القمري – هو من خلق الله عز وجل، فكذلك الشمس – التي يُحسب بها التقويم الميلادي – هي أيضاً من خلق الله عز وجل. ويتضح من نصوص متعددة في القرآن والسنة أن كليهما – الشمس والقمر – من آيات قدرة الله عز وجل.
لذلك، سواء كانت السنة والتقويم مرتبطين بالقمر أو بالشمس، فكلاهما لنا. نعم! هناك فرق في الأهمية بين الاثنين للأسباب المذكورة أعلاه، وأيضاً لأننا كمسلمين نحن من أمة سيدنا محمد رسول الله ﷺ؛ ولكن مع إيماننا به، نؤمن أيضاً بسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام وجميع الأنبياء السابقين. لذلك، فإن التقويم المرتبط بسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام هو أيضاً تقويمنا بلا شك.
أهمية التقويم الهجري للمسلمين
1 – البعد الديني للتقويم الهجري:
التقويم الهجري يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من حياة المسلم، حيث تعتمد عليه العديد من العبادات والمعاملات، منها:
• الصيام في رمضان: يُفرض على المسلمين في الشهر التاسع من التقويم الهجري.
• عيد الفطر: يقع في اليوم الأول من شهر شوال.
• الحج: يتم في شهر ذي الحجة، بين يوم الثامن والثاني عشر أو الثالث عشر من الشهر.
• الصيام المسنون: الأيام الثلاثة البيض (13، 14، 15) من كل شهر قمري، وصيام يومي التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر من شهر محرم.
• الأشهر الحرم: ذي القعدة، ذي الحجة، محرم، ورجب، التي تحظى بمكانة خاصة في الإسلام.
2 – البعد الاجتماعي للتقويم الهجري:
إلى جانب العبادات، يُستخدم التقويم الهجري لتحديد العديد من الأحكام والمعاملات، مثل:
• حساب الزكاة: يعتمد على الحول الهجري.
• تحديد عدة المرأة: وفقاً للأشهر القمرية.
الإهمال تجاه التقويم الهجري:
رغم أهمية التقويم الهجري، نجد أن الكثير من المسلمين اليوم يجهلون حتى أسماء الأشهر الهجرية، فضلاً عن معرفة تواريخها أو ارتباطها بالأحكام الشرعية. هذا الإهمال قد يؤدي إلى مخالفات شرعية جسيمة، ويُعتبر تفريطاً في شعيرة من شعائر الدين.
مسؤولية تعزيز استخدام التقويم الهجري
التعليم والتوعية:
• يجب أن يبدأ تعليم الأطفال بأسماء الأشهر الهجرية ومعانيها منذ الصغر.
• تضمين موضوعات حول أهمية التقويم الهجري في المناهج الدراسية، خاصة في الدول الإسلامية.
التطبيق العملي:
• اعتماد التقويم الهجري في المواعيد الشخصية والأسرية، مثل المناسبات والاحتفالات.
• استخدام التقويم الهجري في التعاملات اليومية، كالأعمال التجارية وتوثيق الأحداث.
دور الأسرة والمجتمع:
• على الآباء والمعلمين تحمل مسؤولية نشر الوعي حول التقويم الهجري بين الأجيال الجديدة.
• إقامة برامج وندوات توعوية حول أهمية التقويم الهجري في حياة المسلم.
حكمة اعتماد التقويم القمري في الإسلام
التوافق مع مختلف البيئات الجغرافية:
في بعض المناطق، تكون الشمس مشرقة لستة أشهر ومختفية لستة أشهر أخرى، مما يجعل التقويم الشمسي صعب الاعتماد عليه. بالمقابل، يظهر القمر ويختفي بشكل طبيعي في كل مناطق العالم، مما يجعل التقويم القمري أكثر دقة وملاءمة.
تعزيز اليقظة والارتباط بالطبيعة:
الاعتماد على رؤية الهلال يُشجع المسلمين على البقاء متيقظين ومترابطين مع الطبيعة. كما أن تحديد بداية الشهر ونهايته بناءً على الرؤية يجعل المسلمين أكثر وعيًا بالتغيرات الفلكية، ويُضفي عنصراً من التشويق على المناسبات الدينية مثل العيدين.
العالمية والمرونة:
الإسلام دين عالمي يناسب جميع البشر، بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية أو ظروفهم المناخية. اختيار التقويم القمري يعكس مرونة الإسلام واهتمامه بتوفير نظام يناسب الجميع.
خاتمة
التقويم الهجري ليس مجرد وسيلة لتحديد التواريخ، بل هو نظام يحمل أبعاداً روحانية، دينية، واجتماعية تعكس ارتباط المسلم بدينه وهويته. يجب على المسلمين بذل المزيد من الجهد للتعرف على هذا التقويم وتقديره واستخدامه في حياتهم اليومية. إن تعزيز مكانة التقويم الهجري ليس فقط واجباً دينياً، بل هو أيضاً جزء من الحفاظ على التراث الإسلامي والهوية الثقافية للأمة.
توصيات مستقبلية:
1. إطلاق مبادرات تعليمية وتوعوية لتعزيز مكانة التقويم الهجري.
2. تطوير تطبيقات تكنولوجية تُساعد في نشر الوعي بالتقويم القمري وتيسير استخدامه.
3. دعم الأبحاث الأكاديمية التي تتناول أهمية التقويم الهجري ودوره في حياة المسلمين.