الدين والشريعةمقالات

رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

الدين والأسرة في عالم متغيّر: كيف نحافظ على تماسك القيم الأسرية
نعيش وسط عالم يتغير بسرعة بفعل التطور التكنولوجي والتقني والانفتاح الثقافي، ومن الطبيعي أن تواجه الأسر تحديات متزايدة في الحفاظ على قيمها وأسسها الأخلاقية والدينية، فالأسرة ليست مجرد كيان اجتماعي، بل هي الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها المجتمعات في نقل القيم وتربية الأجيال على المبادئ الأخلاقية، وفي ظل هذه التغيرات المتسارعة والغيسر مُسيطر عليها، يبرز دور الدين كعامل رئيسي في تعزيز تماسك الأسرة ودعم أواصرها، مما يساعدها على مواجهة التحديات والانحرافات المحتملة، ومن أجل طرح المسألة بيسر وسهولة أحدد مقالتي هذه في نقاط واضحة ومختصرة
1- أهمية الدين في تكوين الأسرة.
للدين دورًا محوريًا في بناء أسر مترابطة على أسس متينة من المحبة والتفاهم، إذ يُعَدّ الدين مرجعية قوية توجه أفراد الأسرة نحو الالتزام بالمبادئ الأخلاقية، كالاحترام المتبادل، الصدق، الأمانة، وتحمل المسؤولية، فتعليم الأبناء هذه قيَم الدين وتوجيهاته منذ الصغر يرسّخ لديهم فكرة أن هناك ضوابط أخلاقية وسلوكية تحكم حياتهم.
2- التحديات المعاصرة أمام الأسرة.
ذكرت في مقدمة المقالة ما تواجهه الأسر اليوم من تحديات متعددة ومختلفة مثل التفكك الأسري، والانشغال المتزايد بأجهزة التكنولوجيا، والانفتاح على ثقافات وقيم مختلفة، وهو ما قد يؤدي أحيانًا إلى تصادم القيم الأسرية التقليدية مع القيم الجديدة الوافدة، كذلك تنتشر ظواهر مثل الفردية، التي تُضعف روح الجماعة والتعاون داخل الأسرة، فهذه التحديات قد تؤدي إلى إضعاف الروابط الأسرية وتشتت الأبناء، مما يزيد من صعوبة المحافظة على تماسك الأسرة المرجو والمطلوب.
3- دور الحوار والتفاهم في تعزيز القيم الأسرية.
حيث أن الحوار بين أفراد الأسرة يساهم في تعزيز القيَم المشتركة، وفهم التحديات التي تواجههم، عندما يفتح الآباء قنوات حوار مع الأبناء، حيث يمكنهم عندها فهم تأثير المتغيرات الخارجية عليهم وتوجيههم بالطرق المناسبة، كما يمكن من خلال الحوار توضيح القيَم الأسرية بشكل يتناسب مع العصر، دون الإخلال بجوهر هذه القيم.
4- التربية الدينية كأساس لحماية القيم الأسرية.
تعتبر التربية الدينية أحد أهم الوسائل الفعالة التي تساعد على تماسك الأسرة وانضباطها؛ فهي توجه الأبناء نحو سلوكيات إيجابية وأخلاقية وفق تعاليم الدين الحنيف، مثل تعليم الأبناء الصلاة، الصدق، والأمانة، وغرس روح التسامح والرحمة، فهذا يساعد في بناء جيل واعٍ بأهمية الأسرة ودورها الإيجابي في المجتمع، كما أن الدين يعزز لدى الأفراد الشعور بالمسؤولية تجاه الأسرة، ويغرس لديهم احترام القيَم والمعتقدات والمبادئ الخاصة بهم.
5- تحقيق التوازن بين مواكبة التكنولوجيا والقيم الأسرية.
ليس من الضروري أن تتعارض التكنولوجيا مع القيم الأسرية؛ إذ يمكن استثمار التطور التكنولوجي والمعرفي في تعزيز الترابط الأسري، فعلى سبيل المثال، يمكن استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت لزيادة التواصل بين أفراد الأسرة، ومتابعة الأنشطة العائلية، والتفاعل معها، كما يمكن للآباء أيضًا تقديم نماذج إيجابية لأبنائهم في كيفية الاستفادة من هذه الأدوات بشكل صحيح، دون التنازل عن القيم الأسرية.
6- دور المجتمع والمؤسسات في دعم الأسرة.
تساهم المؤسسات التعليمية والدينية في دعم الأسرة وتثبيت القيم التي تحافظ على تماسكها، فعلى المؤسسات التعليمية أن تقدم برامج تعليمية تدعم التربية الأخلاقية، وتوفر للأحيال الصاعدة وعيًا كافيًا حول مسؤولياتهم الأسرية، كذلك فإن المساجد والجمعيات الدينية تلعب دورًا في تقديم التوجيه والدعم للأسر من خلال المحاضرات والبرامج التثقيفية المتنوعة، ولذلك تحتاج إلى إمامٍ واعٍ ومدرك وفاهم لدوره يحمل مسؤولية مجتمعه ويعالج قضاياه من خلال منصبه ودوره كإمام.
7- دعم القيم الأسرية في ظل العولمة
حيث أن العولمة تؤثر على القيم الأسرية وتُحدث تغييرًا في نظرة الأبناء إلى العادات والتقاليد، وهنا يبرز دور الأسرة في الحفاظ على قيمها عبر ترسيخ الهوية الثقافية والدينية في نفوس أبنائها، وتعليمهم كيفية التعامل مع القيم الأجنبية الوافدة بوعي تام، ولذلك ينبغي توجيه الأبناء إلى احترام ثقافة الآخرين مع الحفاظ على انتمائهم للقيم التي نشأوا عليها.
8- التوعية بالقيم الأصيلة مقابل التأثر السلبي.
في ظل الانفتاح الإعلامي الغير مسبوق وتنوع المحتوى الذي يصل إلى الأبناء، يصبح من الضروري التوعية بالقيم الأسرية الأصيلة، ومساعدتهم في بناء فهم واضح لما هو مقبول أخلاقيًا واجتماعيًا، وما هو غير مقبول، ولذلك يجب على الأسرة أن تقوم بتوجيه الأبناء في اختيار المحتوى الإعلامي الهادف، وتوضيح كيفية التأثر بالمحتوى المفيد دون التنازل عن القيم، والحذر من المحتوى الفاسد الذي يمكن أن يقلب الطاولة ويبدد كل المجهودات التي تبذل.
– وفي الختام يعد الحفاظ على تماسك القيم الأسرية في هذا العالم المتغير تحديًا أمام الأهل، ولكنه ممكن من خلال التعاون بين أفراد الأسرة وتقديم الدين كمرجع للأخلاق والتوجيه، وبالتزامن مع ذلك، يتطلب تحقيق هذا التماسك تعزيز الحوار، والتربية الصحيحة، واستغلال التقنيات الحديثة بشكل يخدم العائلة. وبذلك، تستطيع الأسرة أن تظل صامدة أمام تحديات العصر، وتستمر كمنارة تُنير طريق أبنائها نحو مستقبل مزدهر، محافظين على هويتهم وقيمهم، وكما قال عليه الصلاة والسلام: ” كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”.

– صباحكم طيب ونهاركم سعيد وآمن، ولنُكثر من الدعاء لتفريج الكروب وإخماد نار الحروب، ولا ننسَ الصلاة على خير مبعوث للعالمين، محمد ﷺ.
مقالة رقم: (1774)
07 جمادى الأولى 1446هـ
السبت 09.11.2024 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق