مقالات
قراءةٌ في سايكولوجية الإشاعة صراع المعرفة الشعبية والقوة الإعلامية
الكاتب والإعلامي د. علي موسى الموسوي
يُقال ان زنادَ الإشاعة هو أشدّ الحروب النفسيّة فتكاً من القتلِ وتأويلاتهِ حيث أنها وسيلةً دسمةً للفتنةِ والوقيعةِ بين بنيّ البشر وهدر الدماء وإضاعة الحدود الاخلاقية لذلك خصها القرآن الكريم بقولهِ تعالى: (والفتنة أشدُّ من القتل) لانها تتمدد بفضاءٍ عام يمكّن الناس من إطلاقها وتداولها لتعملُ على شقِ الصف وتُعمي الناس عن الحقِ والبصيرةِ وهي بالتالي أداة خصبة للفاسدين وأصحاب القيل والقال باعتبارها معولُ هدمٍ مجتمعيّ لا بناء، ولها قدرة بارعة على بث الطاقة السلبية والإنهزامية بذاتِ الانسان بدلاً من الإنتاجيةِ والإيجابيةِ، والذي مهد لكل ذلك وجعله مُتاحاً واضاف للفارغين من خلالهِ وجوداً وفضاءً حراً، هو ثورة الاتصالات والمعلوماتية واذرعها الاعلامية التي جعلت عملية كشف أستار الناس وتلويث سمعتهم وتخريب حياتهم بالاحتيالِ والابتزاز والبذاءات والصفحات الوهمية الصفراء، امراً سهلاً ولا يحتاج من شخوصه الظهور العلنيّ، لان الإشاعة بنظر مفكري ما بعد الحداثة ستتمدد وتفرض وجودها ما بين المعرفة والقوة، فقد تكلّم الفيلسوف الفرنسي “فوكو” عن التعبيرات الدنيا من المعرفة أو المعرفة الشعبية وغير المؤهلة، وصراعها التاريخي مع المعرفة الرسمية أو الصادرة عن مواقع القوة الاعلامية والسلطة.. فيكون السؤال المُلح هنا:
حينما تتحول القيّم الفطرية لهباءٍ الكتروني، ماذا بقيّ من الفوائد التنكولوجية العظيمة!..
تساهمُ الإشاعة المُجتمعية في الكثيرِ من الآثارِ السلبيةِ والمدمّرة على ذاتِ الفرد من خلالِ خلق حالة القلق والعبث بالصحةِ النفسيةِ للأفرادِ، وتسويق فكرة الحرب النفسية بذواتهم سواء الباردة أو الحامية، كذلك تحطيم المعنويات واستبدالها بالتواكل والتخاذل والسلبيات، وبالتالي ستؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على تخريبِ أمنهم المجتمعي وتساهم بارباكِ وزعزعةِ الثقة بخزّانات التفكير والعلماء والساسة والرموز ممن يقتدون بهم، والمتأثرون من ذلك ايضاً الصالحين والأبرياء والشرفاء واستبدال روحية العطاء بالسلبيةِ والقيمِ الكاذبة والمفبركة وإضعاف دعامة الثقة بالنفسِ وانهيارِ منظومة القيم وتسيّد السطحيين والضعفاء ليسيطروا على المجتمعات ويصبحوا مصدراً رئيساً للمعلومةِ وأصحابُ قرارٍ، كما تساهم الإشاعة في إيقاع العداوة والبغضاء بين افراد العائلة الواحدة، وغرس بذور الفتنة الطائفية في المجتمع ونشر الأحقاد والكراهية وخلخلة الاستقرار من خلال الطعنِ في نزاهةِ ومصداقيةِ الجميع وقتل روح الإبداع والإنتاجية لدى الشباب باعتبارهم ادوات تغيير وقيادات مُستقبل وبالتالي اندثار مفهوم القدوة الحسنة من الاساس، ولا تقتصر الإشاعة على الترويجِ الثقافيّ المُضر وانما تكون أحياناً برمزيّةٍ مؤذيةٍ من خلالِ اغتيال شخصية أو إنجازات وطنية أو بطولة، أو تضخيم أو تقزيم لفكرة أو حدث أو مناسبة أو شخص بهدف بعيدٍ أو قريب المنال للجهةِ المستفيدةِ وهنالك ضحايا وجامعو وقانصو فرص فيها ومتسلقين كُثر وبالتالي فأن الحصيلة ستكون بانتاجِ أجيالٍ مهزوزةٍ وغير سويّة وفاقدة للثقة بنفسها ومن حولها وكل الناس.
اذن الإشاعات والأخبار المُلفقة ليست أمرًا جديداً وانمّا هيَ موجودة منذُ الأزل لكن الأمر المستجدّ في يومنا هذا هو الستارة التقنيّة التي أُسدلت ليتشارك الجميع المعلومات سواءً كانت صحيحة أو خاطئة حيث تتيح منصّات التواصل الاجتماعي لأي شخص مهما كان أن ينشر قصصه او يفبرك معلوماته ويشاركها مع العالم بدون التحري من المصدر، وهنا يفترض ان يكون وعيّاً مجتمعياً وثقافة الكترونية تعيد انتاج الاستيعاب وتوثقه في الذاكرة، لذلك وضع خبراء الاعلام ومتخصصيّ الشبكة المعلوماتية مجموعة قواعد تُتيح للقارئ التحقق من المصادر المختلفة فان وصلك الخبر على إحدى منصّات التواصل الاجتماعي، قم اولاً بإلقاءِ نظرةٍ على عددِ المتابعين لهذه الصفحة وتأكد من أنهم متابعون حقيقيون وليسوا مجرّد حساباتٍ وهمية، ويجب عليك قراءة ما ينشره المتابعون في قسم التوصيات “Reviews” في الصفحة التي نشرت الخبر أو القصّة، وايضاً ضرورة متابعة تقييم الصفحة وكذلك التأكّد من رابط الموقع الذي نشر الخبر، حيث أنّ المواقع التي ينتهي الرابط فيها بامتداداتٍ مثل “infonet.” أو “offer.” بدلاً من “com.” أو “net.” أو الامتدادات المعروفة هي في الغالبِ مواقع مشبوهة، ولابد من التأكد انهُ في حال اشتمل رابط الموقع أو الخبر الذي تقرؤه على الكثيرِ من الأخطاءِ الإملائيةِ والنحويةِ غير المبررة ففي ذلك إشارةً قويةً إلى أنّه يفتقر إلى المصداقيةِ لأن الأخبار المهمّة المنشورة بواسطةِ مؤسساتٍ موثوقةٍ غالبًا ما تكون مدقّقة ومصححة، وكذلك في حال سمعت الخبر من شخصٍ معيّنٍ في مقطعِ فيديو مثلاً فتأكد من سمعتهِ وهل هو مختصّ ومعروف بصدقهِ في هذا المجال، وهل ذكر المصادر التي لجأ إليها قبل التصريح بهذهِ المعلومات، امّا في حال انك سمعت الخبر من شخصٍ معيّن مباشرة، اسأله عن المصدرِ ومن ثمّ تحقق من موثوقية هذا المصدر بالخطواتِ التي ذكرناها سابقاً لكيّ لا تقع في فخ الإشاعة وبيئتها التي تحتاج تمييزاً ذكياً لما يتم تداوله في الأوقات التي تقضيها مع الأصدقاء والمعارف في تَسَقُّط أخبار المجتمع والناس والأحداث.