الدين والشريعة
(إنما ذلكم الشيطان يُخوِّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) آل عمران 175.
الدكتور الطيب ابو سن
( باسم الله الرحمن الرحيم
(إنما ذلكم الشيطان يُخوِّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) آل عمران 175.
لقد استوقفتني هذه الآية وجعلتني أنعم النظر بعمق حول عنصر الخوف الوارد فيها ، فإن لكلمة (الخوف ) في اللغة بعامة دلالات شتى ، أولها شعور الألم والرعب بوقوع الضرر المتوقع ، فالخوف شعور الألم والرعب لاحتمال وقوع الضرر ، والحزن هو شعور الألم بعد وقوع الضرر، والمؤمنون لا خوف عليهم مما هو في علم الغيب فذلك أمر الله الذي به يرضون ، ولا هم يحزنون بوقوع الألم لإيمانهم بعاقبة الصبر .
ومن دلالات الخوف الأخرى ، وقد ورد في القرءان منها سبعة، التمهل والتَّنقُص كما في قوله تعالى( أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم ) النحل 47. ، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه على المنبر خطيباً فأورد آية النحل هذه ثم صمت قليلا وقال: ويحك يا عمر ما التخوف؟! وعندها قام من بين المصلين رجل من قبيلة هذيل فقال : هذه لغتنا يا أمير المؤمنين ، التخوف عندنا هو التمهل في الأخذ والهلاك.
في آية آل عمران ةقد تم قصد المعنى العام من الخوف وهو شعور الرعب والفزع وألم الذعر ؛ فالآية تشير إلى الكفار والمنافقين بحسبانهم أولياء الشيطان الذين يستعين بهم على إضلال الإنسان ، ولذا فهو لا يخوِّفهم بوقوع الفعل عليهم وإنما يخوِّف الإنسانَ بهم الأمر الذي قاد الآية إلى القول بأن لا يخافهم الإنسان بل يخاف ربه ، والمعنى الآن قد استبان جلياً بحقيقة أن الشيطان يجعل أولياءه مصدر خوف للإنسان.
وفي ختام هذا المعنى الدقيق الذي لا يُنالُ إلا بالتفكر والتدبر فقد منَّ اللهُ عليَّ بقراءة ابن عباس وابن مسعود اللذين كانت قراءتها( إنما ذلكم الشيطان يخوفكم أولياءه )، فكانت فرحة الشكر لا فرحة البطر نزولاً على مضارب تفكيري فأنقذتني من بحور الشك إلى مضارب اليقين والحمدلله رب العالمين.