مقالات

قراءة في كتاب: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (99)

بقلم: د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* أصول مكونات لبن الحيوان
يفتتح الكاتب الباحث الناقد موريس بوكاي تحت هذا العنوان الذي جاء في الصفحة رقم: (228) بالآية القرآنية التي تقول: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾
(المؤمنون: 21) يتفق تعريف القرآن لأصل مكونات لبن الحيوان، مع معطيات المعرفة الحديثة اتفاقًا تامًا، والطريقة التي نفسر بها الآية شخصية، فالتفسيرات التي تُعطى لها عادة حتى الحديثة منها لم تعد مقبولة في رأيي، وإليكم مثالين على ذلك.
– تفسير ر. بلاشير:
“الحقيقة أن لكم في الأنعام موعظة لا شك فيها، نسقيكم من لبن نقيٍ لذيذ لمن يشربه، يأتي من جوفها بين الطعام المهضوم والدم”.
– تفسير الأستاذ حميد الله:
“ولا شك أن في الحيوانات موضوعًا للتأمل، فمِما في جوفها بين الفضلات والدم نجعلكم تشربون لبنًا صافيًا، سهل المشرب على الشاربين”
– ولو قدمنا مثل هذه النصوص لأي أخصائي في وظائف الأعضاء فسيقول بأنها غامضة شديدة الغموض، إذ لا يتضح بتاتًا أي توافق مع خبرات المعرفة الحديثة حتى الأولية منها، ومع ذلك فهذه السطور من كُتب مستعربين بارزين، ولكنه شيء معروف جدًا، إن أي معلق مهما يكن خبيرًا عُرضةً للوقوع في خطأ التعليق على المقولة العلمية ما لم يكن متخصصًا في المادة المعينة.
– أما التفسير الذي يبدو لنا صحيحًا فهو:
” الحقيقة أنكم تجدون علمًا في حيواناتكم الماشية، إننا نعطيكم شرابًا مما يوجد في أجسامها، أي ما يأتي من التلاحم بين محتوى الأمعاء والدم، لبنًا صافيًا يسير الابتلاع على من يشربونه”
هذا التفسير مقارب للذي يعطيه المنتخب في تفسير القرآن الكريم (الطبعة الثالثة عام: 1973م) الذي نشره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، فهو يعتمد على معطيات علم وظائف الأعضاء الحديث.
– ولكي نفهم معنى الآية من وجهة النظر العلمية فلا بد من الاستعانة بمعلومات علم وظائف الأعضاء، تأتي المواد أساسية التي تتكفل بتغذية الجسم عامة من تفاعلات كيميائية، تحدث في القناة الهضمية، وتأتي هذه المواد من عناصر موجودة في محتوى الانعام، وعندما تصل هذه المواد الموجودة في الأمعاء الى المرحلة المطلوبة في التفاعل الكيميائي فإنا تمر عبر جدار الأمعاء نحو الدورة العامة، ويتم هذا الانتقال بطريقتين: إما مباشرة بواسطة ما يسمى بالأوعية الليمفاوية، وإما بشكلٍ غير مباشر بواسطة الدورة البابية التي تقود هذه المواد إلى الكبد، حيث تقع عليها بعض التعديلات، ثم تخرج من الكبد لتذهب أخيرًا إلى الدورة الدموية، بهذا الشكل، إذن يمر كل شيءٍ بالدورة الدموية، والغدد الثديية هي التي تفرز مكونان اللبن، وتتغذى هذه الغدد إذا جاز القول بمنتجاتِ هضم الأغذية التي تأتي إليها بواسطة دائرة الدم، إذن الدم يلعب دور المحصّل والناقل للمواد المستخرجة من الأغذية، ومغذي الغدد الثديية منتجة اللبن مثلما يغذى أي عضوٍ آخر.
– كل شيءٍ يحدث هنا ابتداءً من مواجهة محتوى الأمعاء مع الدم في الجدار الأمعائي نفسه، هذه المعلومة المحددة تعد اليوم من مكتسبات الكيمياء وفسيولوجيا الهضم، وكانت غير معروفة في عصر محمدٍ ﷺ، إن معرفتها ترجع إلى العصر الحديث، أما اكتشاف الدورة الدموية، فهو من عمل (هارفي) وقد تم اكتشافها بعد عشرة قرونٍ تقريبا من نزول القران… وانتظروا مقالتنا القادمة إن شاء الله حيث نتناول
“التناسل الإنساني”
– مقالة رقم: (1691)
08. صَفَر. 1446 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق