الرئيسيةمقالاتمنظمة همسة سماء

محاضرتي للباحثين والمحاضرين وطلاب الدراسات العليا للناطقين بغيرها عن علم البلاغة ( الجزء الثاني ) ‏‎نشأة علم البلاغة وتطوره عبر التاريخ ما هو تعريف البلاغة

البلاغة في العصرالجاهلي , والعصر الإسلامي إلي القرن الثالث الهجري

‎البلاغة في العصر الجاهلي

‎عرف العرب بالفصاحة والبلاغة وحسن البيان وقد بلغوا في الجاهلية درجة رفيعة منها , وقد صور القرآن ذلك في آيات كثيرة , ووضح القرآن شدة قوتهم في الجدال والحجاج , قال تعالي : ( ما ضربوه لك إلا جدلا. بل هم قوم خصمون )
‎ومن أكبر الدلائل علي أنهم بلغو في البلاغة درجة عالية أن كانت الرسول صلي الله عليه وسلم وحجة الدالة علي نبوته القرآن , حيث دعاهم إلي معارضته , وتحداهم بأن يأتو في بلاغته الباهرة , وهي بلا شك تدل بوضوح علي تمكنهم ورسوخ قدمهم في البلاغة وعلي بصرهم بتمييز أقدار المعاني والألفاظ وتبيين مايجري فيها من جودة الأفهام .
‎لم يزل العرب منذ جاهليتهم الأولي أرباب لسن وأهل فصاحة وبلاغة وبيان , وكما كانت العرب تتكلم بالكلام المستقيم المعرب بلا لحن ولا اضطراب ولافساد , وذلك أن توضح قواعد النحو وإعراب الكلم , كذلك تتكلم بالكلام الفصيح البليغ , ولما توضع قواعد البلاغة وطرق الفصاحة والبيان .
‎ولم تقسم البلاغة وقتئذ إلي علوم البلاغة وكان يطلق عليها جميعا اسم البديع , أوبيان , أو الفصاحة والبلاغة , دون تمييز , وكانت ترد في الشعر والنثر ناصعة صافية وبل تكلف ولا تصنع , فكان لها أثرها في إبراز المعني , وإظهار جماله وحسنه .

البلاغة في العصر الإسلامي
—————
‎ﻻﺷﻚ ﺃﻥ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻓﻲ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﻭﺗﻄﻮﻳﺮﻫﻤﺎ ﻓﻘﺪ ﻋﻜﻒ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ ، ﻭﺍﺗﺨﺬﻭﻩ ﻣﺪﺍﺭﺍً ﻟﻠﺪﺭﺱ ﺍﻟﺒﻼﻏﻲ ﻓﺎﺗﺨﺬﻭﺍ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺷﻮﺍﻫﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﻭﺍﻋﺘﺒﺮﻭﻫﺎ ﻣﺜﺎﻻً ﻳﺤﺘﺬﻯ ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻭﺩﻗﺔ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺐ .
‎ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﻧﻌﻠﻢ ﻛﺎﻥ ﺃﻓﺼﺢ ﺍﻟﻌﺮﺏ . ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺷﺪﻳﺪ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻳﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﺎﻋﻬﻢ ﻭﺍﻹﺷﺎﺩﺓ ﺑﺸﻌﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﻟﺤﺴﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ” ﻗﻞ ﻭﺭﻭﺡ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻳﺆﻳﺪﻙ ” ﻭﻗﻮﻟﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻊ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺑﻐﺔ ﺍﻟﺠﻌﺪﻱ
‎ﺑﻠﻐﻨﺎ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﺠﺪﻧﺎ ﻭﺟﺪﻭﺩﻧﺎ *** ﻭﺇﻧﺎ ﻟﻨﺒﻐﻲ ﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ﻣﻈﻬﺮﺍً
‎ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﺍﻟﻤﺮﺗﻘﻰ ﻳﺎﺃﺑﺎ ﻟﻴﻠﻰ : ﻓﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ” ﻻ ﻓﺾ ﻓﻮﻙ ” .
‎ﻭﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﻭﻓﻮﺩ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺗﺠﻤﻌﻬﻢ ﺃﻧﺪﻳﺘﻬﺎ ﻓﻴﺨﻮﺿﻮﻥ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﺨﻀﺮﻣﻴﻦ ﻭﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﺨﻄﺐ ﻭﻳﺠﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﻔﺎﺻﻼﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﺨﻄﺒﺎﺀ ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﻳﺨﻮﺿﻮﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻭﻟﻬﻢ ﻣﺸﺎﺭﻛﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﺭﻭﻯ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﻋﺮﺽ ﻟﺮﺟﻞ ﻣﻌﻪ ﺛﻮﺏ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ : ﺃﺗﺒﻴﻊ ﺍﻟﺜﻮﺏ ؟ ﻓﺄﺟﺎﺏ : ﻻ ﻋﺎﻓﺎﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺑﻮﺑﻜﺮ : ﻋﻠﻤﺘﻢ ﻟﻮﻛﻨﺖ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﻗﻞ ﻻ ﻭﻋﺎﻓﺎﻙ ﺍﻟﻠﻪ ” ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻌﻤﺮ ﻭﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻣﺴﺎﻫﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻘﺪ ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻣﻦ ﺃﻧﻘﺪ ﺃﻫﻞ ﺯﻣﺎﻧﻪ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﻭﺃﻧﻔﺬﻫﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ” ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻋﻠﻢ ﻗﻮﻡ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﺃﻋﻠﻢ ﻣﻨﻪ ”
‎ﻭﻗﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﺯﻫﻴﺮ ” ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﻌﺎﻇﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻼﻡ ” ﺃﻣﺎ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﺪ ﺍﺷﺘﻬﺮ ﺑﺎﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﻥ , ﻭﻓﺼﺎﺣﺘﻪ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻻ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ‘ ﻭﻗﺪ ﺭﻭﻯ ﺃﻥ ﺃﻋﺮﺍﺑﻴﺎً ﻭﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻥ ﻟﻲ ﺇﻟﻴﻚ ﺣﺎﺟﺔ ﺭﻓﻌﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺃﺭﻓﻌﻬﺎ ﺇﻟﻴﻚ ﻓﺈﻥ ﻗﻀﻴﺘﻬﺎ ﺣﻤﺪﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺷﻜﺮﺗﻚ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻘﻀﻬﺎ ﺣﻤﺪﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻋﺬﺭﺗﻚ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻋﻠﻲ : ﺧﻂّ ﺣﺎﺟﺘﻚ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺈﻧﻲ ﺃﺭﻯ ﺍﻟﻀﺮ ﻋﻠﻴﻚ ، ﻓﻜﺘﺐ ﺍﻹﻋﺮﺍﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﺇﻧﻲ ﻓﻘﻴﺮ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲ : ﻳﺎ ﻗﻨﺒﺮ ﺇﺩﻓﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺣﻠﺘﻲ ﺍﻟﻔﻼﻧﻴﺔ ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻓﻘﺎﻝ :
‎ﻛﺴﻮﺗﻨﻲ ﺣﻠﺔً ﺗﺒﻠﻰ ﻣﺤﺎﺳﻨﻬﺎ

ﻓﺴﻮﻑ ﺃﻛﺴﻮﻙ ﻣﻦ ﺣﻠﻞ ﺍﻟﺜﻨﺎ ﺣﻠﻼً
‎ﺇﻥ ﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻟﻴﺤﻴﻰ ﺫﻛﺮ ﺻﺎﺣﺒﻪ

ﻛﺎﻟﻐﻴﺚ ﻳﺤﻴﻰ ﻧﺪﺍﻩ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﻭﺍﻟﺠﺒﻼ
‎ﻻﺗﺰﻫﺪ ﺍﻟﺪﻫﺮ ﻓﻲ ﻋﺮﻑ ﺑﺪﺃﺕ ﺑﻪ

ﻓﻜﻞّ ﻋﺒﺪ ﺳﻴﺠﺰﻯ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﻓﻌﻼ
‎ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲّ ﻳﺎﻗﻨﺒﺮ ﺃﻋﻄﻪ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺩﻳﻨﺎﺭﺍً ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻠﺔ ﻓﻠﻤﺴﺄﻟﺘﻚ ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺪﻧﺎﻧﻴﺮ ﻓﻸﺩﺑﻚ ، ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ : ﺃﻧﺰﻟﻮﺍ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ .
‎ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻚ ﺃﻥ ﻟﻠﺨﻠﻔﺎﺀ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﻭﻧﻘﺪﻩ ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﻼﺣﻈﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻦ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻭﻕ ﺩﻭﻥ ﺗﻌﻠﻴﻞ ﻟﻬﺎ .
‎ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﻼﺣﻈﺎﺕ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﺒﻼﻏﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺒﺎﻗﻼﻧﻲ ﻭﺍﻟﺮﻣﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﻭﻋﺒﺪ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﺴﻜﺎﻛﻲ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺑﻼﻏﻴﺔ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍً ﻋﻠﻤﻴﺎً ﺩﻗﻴﻘﺎً ﻗﺼﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺒﻼﻏﻲ ﻭﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻭﻕ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﺒﻠﻴﻎ ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺟﻴﺪﺓ ﻭﻳﻔﺎﺿﻞ ﺑﻴﻨﻪ .

يتبع …..
المحاضرة المقبلة

‎البلاغة من الثالث الهجري إلي تأسيس علومها الثلاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق