الرئيسيةبارعات العالم العربيمقالاتمكتبة الأدب العربي و العالمي

محاضرتي لهذا اليوم امام طلاب الدراسات العليا “تحمل عنوان : ‎علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره” برنامج الفاطميات “

بعد مرور عام على تقديم محاضراتي التطوعيةللغة العربية وبرنامج الترجمة عدنا اليوم بعد انقضاء العام الدراسي في كيرلا وبداية عام دراسي جديد تم اطلاق اسم “الفاطميات “على برنامج “الترجمة” وبحضور باحثين ومحاضرين. ودارسي الدكتوراه والماجستير

واول محاضرة للفاطميات تحمل عنوان :

‎علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
———————————————-

‎قصة علم النَّحو
———
‎مرّ أبو الأسود الدّؤلي ذات يوم على رجل وهو يقرأ قوله
‎تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ﴾؛ فدق ناقوس الخطر. في رأسه عندما سمع الرجل يقرأ “ورسولِه” بالجر بينما هي بالرفع، والجر يقلب المعنى ويحوّل المراد عن مساره، فمعنى “ورسولِه” بالجر كما قرأها الرجل أن الله تعالى بريء من المشركين وبريء من رسوله أيضا، وهذا ما يؤديه العطف بالجر، بينما اللفظ في الآية مرفوع على الابتداء، وتقديره ومعناه: أن الله بريءٌ من المشركين ورسولُه أيضا بريء من المشركين.
‎شعرَ أبو الأسود الدّؤلي أن الأمر جلل فانطلق إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليخبره أن اللسان العربي في خطر وأن التدخل واجب من أعلى سلطة في الدولة لتدارك الأمر؛ فتناول علي رضي الله عنه صحيفة وكتب عليها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام اسم وفعل وحرف، الاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عمّا هو ليس اسما ولا فعلا. ثم قال لأبي الأسود: “انحُ هذا النحو”؛ فمن هنا جاءت تسمية علم النحو.
‎هذه إحدى أشهر الروايات في نشأة علم النحو، وقد ذكرها محمد السيّد عثمان في مقدمة تحقيقه لكتاب (شرح الدّماميني على مغني اللبيب)، وهناك رواية اخرى ذكرها الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ناقلا عن المازنيّ أنه قال: “السّبب الذي وُضعت له أبواب النحو أن ابنة أبي الأسود قالت له: ما أشدُّ الحرِّ؟ فقال: الحصباءُ بالرمضاء، قالت: إنما تعجبت من شدته. فقال: أوَقَد لحن الناس! فأخبر بذلك عليا رضي الله عنه فأعطاه أصولا بنى منها، وعمل بعده عليها”.
‎كما يذكر الذهبي أيضا أنه: “جاء أبو الأسود إلى زياد فقال: أرى العرب قد خالطت العجم فتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم؟ قال: لا. قال: فجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون، فقال: ادع لي أبا الأسود؛ فدُعي فقال: ضع للناس الذي نهيتك عنه”.

‎نسب عربي أصيل
———————
‎يمثل علم النحو عصب اللغة المركزي، ويبحث في صحة أساليب الكلم وتكوين الجمل وترتيب الكلمات ومواضعها فيها وإعرابها، فتأخذ كل كلمة محلها الإعرابي الذي لا يتم المعنى المراد إلا به، ولا تنازعها إياه كلمة أخرى بدليل الحركة الإعرابية التي تحملها على الحرف الأخير منها معربة، أو ما تبنى عليه من محل إعرابي في حال كونها مبنية. ويهتم علم النحو إلى جانب الإعراب والبناء بدراسة خصائص الكلمات وما تكتسبه من أحكام وفقا لمواقعها في الجمل كالإسناد والابتداء أو الفاعلية والمفعولية وغير ذلك مما يقتضي التمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور، وتحديد العامل فيه.
‎وقد نشأ علم النحو في العراق كما يقال بنسب عربي أصيل، وكانت البصرة أولى المدن المشتغلة بعلم النحو، فهي التي وطدت أركانه ورفعت أعمدته، ويقول ابن سلام الجمحي -في ذلك- في كتابه طبقات فحول الشعراء: “وكان لأهل البصرة في العربية قُدْمَة، وبالنحو ولغات العرب والغريب عناية”.
‎كانت نشأة علم النحو قائمة على السَّماع بالدرجة الأولى، وتناقلوا ما اتفقوا عليه واستنبطوه فيما بينهم، حتى وصلوا إلى مرحلة أبعد نضجا فبدأت النقاشات فيما بينهم واختلفت الآراء وانقسم علماء النحو إلى مدارس مختلفة؛ ونعني بالمدرسة النحوية مجموعة من النحويين الذين اتفقوا على أصول محددة لقواعد اللغة متكئين بذلك على ما جاءهم من العرب سماعا، وعلى ما ارتأوا صحته بالقياس والاجتهاد، فالتزموا بما رضوه من قواعد ولم يقبلوا بغيرها.

‎البصريون والكوفيون.. مدارس النحو وأعلامه
———————
‎تعدّ كلٌّ من مدرستي البصرة والكوفة النحويّتين الأشهر على الإطلاق من بين المدارس والتيارات النحوية، غير أن مدرسة البصرة كانت الأسبق ظهورا؛ تبعا لطبيعة المدينة وما فيها من خيرات جعلت كثيرا من أفواج المسلمين تتوافد إليها. وللحفاظ على اللسان العربي من التحريف والضياع نشأت حركة نحوية داعية لتحديد قواعد اللغة العربية وتأطيرها؛ وذلك بسبب اختلاف الألسنة الوافدة وتمازجها، وخشية من اتساع الخرق على الراقع بمرور الزمن، وسعيا لتقريب المسافات بين الألسنة المختلفة بتوحيدها باللغة العربية واستعمالها بدقة وسلامة وسهولة مع الحفاظ على أصالتها وصونها من أي لحن أو تحريف.
‎وفي البصرة أقبل المتعلمون الراغبون بضبط اللغة وإتقانها على أبي ألأسود الدؤلي، وامتد بهم الزمن فتتالى النحويون من بعده، ومن أهمهم أبو عمرو بن العلاء (154هـ)، والخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ)، ويونس بن حبيب (182هـ)، وغيرهم. وكان ما وضعه أبو الأسود الدؤلي من أبواب وقواعد أساس النحو البصري حتى ظهور سيبويه عام 180هـ صاحب أهم كتاب في علم النحو، واسمه (الكتاب). وجاء من بعده نحويون ارتبطت أسماؤهم بالمدرسة البصرية ارتباطا وثيقا كالأخفش (215هـ) والمازني (249هـ) والمُبرّد (286هـ) والزَّجّاج (310هـ).

يتبع الجزء الثاني من المحاضرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق