مقالات

هل ستقوم حركة مناهضة للحرب حقيقية في اسرائيل ؟

سهيل دياب- الناصرة دكتور العلوم السياسية

للجواب على هذا السؤال علينا معرفة السمات المميزة لدولة اسرائيل من قبل قيامها وحتى اليوم، وكيف تؤثر هذه السمات على امكانية حراك مناهض للحرب.

عادة، في كل دول العالم، الدولة تقيم مؤسساتها واجهزتها، ما عدا في اسرائيل، فإن إقامة مؤسساتها الصهيونية قامت قبل الدولة، فالنقابة العامة للعمال -الهستدروت اقيمت في عشرينيات القرن الماضي، ونظمت العمال اليهود في ارض فلسطين، والجيش الاسرائيلي تشكل من المنظمات العسكرية اليهودية سنوات قبل قيام الدولة، الكيبوتسات كتنظيم تعاوني كذلك الامر. اعتمد المستوطنون اليهود على ٣ ركائز:
1. خلق عدو خارجي ، والعدو هنا العرب.
2. استعمال التراث الديني في توحيد الجاليات اليهودية القادمة من جميع انحاء العالم.
3. ضمان ابقاء ذاكرة ضحايا المحرقة كهاجس حاضر دائما يحدد سلوكيات الجمهور الشعبية والسياسية والاجتماعية والنفسية.

هذه العوامل التاربخية والنفسية ترسخت في الوعي الجمعي للمجتمع اليهودي في اسرائيل وجعلت بعض القضايا بمثابة بقرة مقدسة ممنوع لمسها مثل ؛ مؤسسة الجيش، المحكمة العليا والامن الجمعي لكيان الدولة امام الاعداء.

فالنضال من أجل السلام وضد الحروب ، بالضرورة سيمس البقرات المقدسة هذه، ومن يسير باتجاه حركات السلام ووقف الحروب او انهاء الاحتلال اعتبره الجمهور بأنه ليس أقل من خائن. ففي العام ١٩٨١ قام متطرف بقتل المكافح من اجل السلام اميل غرينتسفايك، وفي العام ١٩٩٥ تم اغتيال رئيس الحكومة رابين لانه وقع اتفاقيات اوسلو. رغم ذلك فقد قامت حركة سلام الان عام ١٩٧٨ وحراك امهات من اجل الانسحاب من لبنان في اواسط الثمانينات وغيرها من حركات السلام.

*هل طوفان الاقصى غير هذه المعطيات؟؟*

ااجواب نعم، وذلك للأسباب التالية:

1. لأول مرة في حروب اسرائيل تخوض حربا طويلة دون حسم مع تآكل الردع.
2. لأول مرة جزء من الحرب جرى في الاراضي الاسرائيلية وهنالك ضحايا بشرية واقتصادية ونفسبة غير مسبوقة.
3. لأول مرة يكون هذا العدد الكبير من الاسرى الاسرائيليين بأيدي حماس في غزة.
4. لأول مرة تعرف اسرائيل معنى الجبهات المسانده في الشمال مع حزبالله، ومع الحوثيين والعراقيبن في البحر الاحمر.

لاشك أن هذه التغيرات، اضافة الى تغيير في بنية المجتمع الاسرائيلي، تجعل المجتمع يتحرر رويدا رويدا من القيود المكبله للبقرات المقدسة التي ذكرتها سابقا. لذلك أرى انه تزامنا مع طوفان الاقصى، هنالك طوفان داخلي اسرائيلي، نفسي واجتماعي بعصف في المجتمع الاسرائيلي، واهم استنتاجات هذا المخاض، أنه ما كان قبل ٧ اكتوبر ، لن يبق بعده.

ما يشهده المجتمع الاسرائيلي اليوم من تمزق واتساع الهوة بين الاجهزة الامنية والجيش من ناحيه مقابل الجانب السياسي، نجد انه مفصلي وغير قابل للجسر، فالجيش يؤمن بنظرية ” النصر الممكن” ويرفض نظرية نتنياهو في ” النصر المطلق” ، فالاول يريد انهاء الحرب وعقد صفقة تبادل حتى مع بقاء حماس ( ما جاء في نيويورك تايمز اليوم)، بينما يقوم نتنياهو بمهاجمة الجيش والشاباك علنا كما لاحظنا حدة هذا الشرخ في الكباش حول اطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء الدكتور محمد سلمية.

لم يحدث في تاريخ اسرائيل هجوما كاسحا علنيا من الجانب السياسي كما هو عليه اليوم، والملفت انه طال هذا الهجوم ولاول مرة جهاز الامن العام (الشاباك) ومن يقف على رأسه. وهذا يعتبر مسا كبيرا في بقرات اسرائيل المقدسة.

من يتابع حركات الاحتجاج التي بدات سنة قبل هذه الحرب حول الانقلاب القضائي، وتواصلت بعد ٧ اكتوبر بشان عقد صفقة لتبادل الاسرى بداية، وتوسع ليصل الى وقف الحرب واقالة حكومة نتنياهو، يشكل تحولا جذريا في الوعي الجمعي للمجتمع الاسرائيلي باتجاة الشعار ” وحده السلام من يجلب الامن” ، وهذا التغيير ليس آنيا وعاطفيا، وانما هو عميقا وبنيويا، ويؤسس لمسار القادم. والقادم سنشهدة بعد سكوت اصوات المدافع لهذه الحرب الدموية.

سهيل دياب- الناصرة
دكتور العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق