مقالات

التحول من سياسة التنمر الى السياسة الهادئة قرأة في سياسة أمريكيا الجيوسياسية والشرق أوسطية

البروفيسور مانويل حساسيان سفير فلسطين لدى مملكة الدنمارك

في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر)، تنفس العديد من دول العالم والولايات المتحدة الامريكية الصعداء بمناسبة ظهور قيادة جديدة في العالم من خلال انتصار السناتور الامريكي عن الحزب الديمقراطي السيد جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، حيث بين التصويت الشعبي الكبير للشعب ألامريكي أن الجمهور لا يزال منقسما بشأن نتائج هذه الانتخابات التي تعد أستثنائية، فنصفهم يدعم ترامب الصاخب والمعلن عن نفسه كمناهض للمؤسسات الدولية تحت شعار “أمريكا أولاً”، والنصف الآخر يدعم أكثر من أي وقت مضى أحداث تغيير من خلال أنتخاب السيناتور الديمقراطي جو بايدن للبيت الابيض بدلاً من تجديد ولاية الرئيس دونالد ترامب المثير للجدل في سياساته الداخلية والخارجية، علماً أن هنالك تحدي كبير وصعوبة بالغة للادارة الجديدة بأزالة الانقسام الحاصل بين الجمهور الامريكي على أحقية من سيحكم الولايات المتحدة الامريكية للسنوات الاربعة القادمة، ومن المرجح ان يبقى هذا الانقسام في الشارع الامريكي لفترة ليست بالقصيرة من الزمن، خصوصاً بسيطرة أقل من الديمقراطيين على مجلس الشيوخ الامريكي “الكونجرس”، حيث من المتوقع أن يكون هنالك صعوبة كبيرة في معالجة القضايا ذات الجذور العميقة داخل العديد من المؤسسات الامريكية بسبب نهج الهيكلية العنصرية التي شكلتها أدارة ترامب على مر السنوات الاربعة من توليه الرئاسة، علاوة على ذلك فأن ضعف تمثيل الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الامريكي “الكونجرس” سيشكل تحدياً كبيراً على السياسات الداخلية وعلى العالم الحر الذي كانت الولايات المتحدة تقوده على مر 70 عامًا، حيث أصبح هنالك أمل وشبه واقع بأن القيادة السابقة التي تعتبرها شريحة كبيرة من الشارع الامريكي بالمغامرة والمتقلبة والفئوية سوف تتغيير للافضل بأنتخاب السناتور الديمقراطي جو بايدن، رغم ذلك سيحتاج الرئيس المنتخب بايدن للتركيز والعمل على أستعادة صورة الولايات المتحدة أمام العالم الحر كراعية للديمقراطية والحريات في العالم، وذلك من خلال العودة للالتزامات الدولية التي تخلت عنها الادارة السابقة، ضمن رؤية حقيقية وواقعية من خلال تحركات عملية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والدولي، حيث أن السنوات الأربعة الماضية من حكم الرئيس ترمب وأدارته بمبدأ “أمريكا أولاً” ترتب عليها عقبات سياسيه وبصمات واضحة أثرت سلباً على العالم، مما خلق وعي لدى شريحة كبيرة من المجتمع الامريكي بأن هنالك حاجة ماسة للعودة إلى الدبلوماسية الهادئة والقيم الديمقراطية.

 

الاتحاد الروبي وأعادة إصلاح الجسور

 

كانت العلاقة عبر الأطلسي مستقرة تاريخياً قبل وصول الرئيس ترامب للبيت الابيض، أذ تأثرت هذه العلاقة بشكل سلبي واضح مع أسلوب هذه الادارة لنهج الانتقاد والضغط المستمر من الولايات المتحدة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأن ما تقوم به غير كافي وعليها أن تساهم بشكل أكبر بدفع نصيبها العادل من المساهمات الأمنية لحلف شمال الاطلسي “الناتو” بحسب منظور أدارة ترامب والتي يعتبرها مقصرة في ذلك، رغم أن هنالك إجماع عام ودولي على أن محور الولايات المتحدة / الاتحاد الأوروبي يجب أن يجمع العالم معًا ضمن شبكة من المؤسسات والاتفاقيات والعلاقات التجارية الدولية والامنية، حيث لم تكن الديمقراطية والتبعية المتبادلة للمصالح موضع قلق أوخلاف في السابق، إلا منذ تولي الرئيس ترامب منصبه وأنسحابه من العديد من الاتفاقيات المبرمة سابقاً خصوصاً الاتفاق النووي مع إيران واتفاق باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية، وخوضها حروب تجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي وكندا، وبذلك تضررت ثقة القادة الأوروبيين من سياسة “أمريكا أولاً” خلال تولي ترامب للرئاسة، والآن لقد حان الوقت لاستعادة الولايات المتحدة الرؤية والمكانة التي تستحقها باعتبارها القوة الرائدة في العالم، حيث يتمتع الرئيس المنتخب بايدن بعلاقات شخصية قوية مع عدد من القادة الأوروبيين منذ أن كان نائبًا للرئيس في عهد أدارة أوباماحينما كان ضمن أدارته ومايزيد عن 40 عامًا كعضواَ في الكونجرس الأمريكي، والتي بذلك تزيد فرصة أعدة بناء جسور الثقة من جديد، واستعادة العلاقات والمصالح المتوافقة بشكل متبادل ضمن محور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بحيث تعرض المسار الديمقراطي في الاتحاد الأوروبي من خلال هذه السياسة للتهديد بسبب بعض قادة دول الاتحاد الاوروبي التي تعد استبدادية في ادارتها، نذكرعلى سبيل المثال المجر ورئيس وزرائها فيكتور أوربان، حيث شكلت علاقة أوربان وترامب الوثيقة شوكة في خاصرة الاتحاد الاوروبي من خلال رؤية عودة “الإمبريالية اللأخلاقية” ضمن بعض هذه الدول والذي أدى الى التأثير في قوة الاتحاد الاوروبي ووحدة قراراته وبذلك سيتم وضع حد للزعيم المجري لقيامه لسياسته القائمة على تقليص عمل المؤسسات الديمقراطية في البلاد وتقييد أسلوب عملها، وبالتالي فإن القيادة الجديدة لبايدن تعطي الاتحاد الأوروبي دعماً أكبر لمواجهة مشكلاته الداخلية من القادة المحافظين والدول الاعضاء ممن يغردوا خارج سرب توافق الاتحاد الاوروبي وسياساته سواء الداخلية أو الدولية بالطريقة التي تعتبر شرعية وتوافقية لجميع الأطراف.

 

القانون الدولي والمبادئ الديمقراطية لا “تفويض مطلق” للسعودية

 

تجاهل الرئيس ترامب خلال سنوات توليه الرئاسة لأهمية وجود نظام عالمي قائم على مبادئ القانون الدولي وحقوق ألانسان والديمقراطية، وذلك كان يشكل أزعاج كبير وخروج عن مبادئ ألاتحاد الأوروبي، حيث صرح الرئيس المنتخب بايدن بشكل واضح وأقسم أنه سيدافع عن حقوق النشطاء والمعارضين السياسيين والإعلاميين ولن تتعارض سياسته من خلال بيع الأسلحة وشراء النفط مع القيم الأمريكية أثناء توليه الرئاسة، وبالتالي سيتم أعادة النظر بالنهج المتبع مع الأنظمة الخليجية وإعادة تقييمها على أسس الديمقراطية والحريات وحقوق ألانسان، خصوصاً مع السعودية، لذا نأمل أن تلتزم هذه الدول بالقواعد الجديدة لللعبة بدلاً من السعي المطلق للسيطرة على إيران من خلال تلقي الدعم العسكري ومبيعات الأسلحة الكبيرة للسعودية والمحور المتوافق معها سياسياَ بهذا الشأن، فسيعيد الرئيس المتتخب بايدن وأدارته تفعيل الاتفاق النووي مع أيران بهدف أبقاء تهديداتها ضمن السيطرة والعمل على أحتوائها بشكل أكبر، والجدير بالذكر أن أنتفاء توفير الغطاء والحماية السياسية الاستراتيجية للنظام السعودي، سيجعلها أكثر عرضة للاتهامات والمسائلة بانتهاك حقوق الإنسان وتدخلاتها في السياسات الداخلية للعديد من دول الشرق الأوسط والمنطقة بشكل لا يحمد عقباه.

 

قضية الصين

 

مثلما كان الحال مع كل من إدارة أوباما – وإدارة ترامب، سيفعل بايدن ذات الشيء من خلال مواصلة التركيز على لعب دور أكبر في آسيا والعمل على احتواء التهديد الصيني المزعوم، من خلال تغيير سياسة التدابير المتبعة بهذا الخصوص، حيث أن الرئيس المنتخب بايدن يدرك تماماً بأن التعاون بين القوتان العالميتان ضرورية لم لها من ثقل عالمي سواء كانت في السياسة العلمية أو الاقتصادية، حيث أشار بايدن الى ضرورة المضي قدماً بأيجاد أرضية مشتركة مع الصين في ما يخص أزمة المناخ العالمي كهدف رئيسي يجب التعامل معه خلال فترة ولايته، ولهذا سيحتاج الى العمل مع الصينيون لكونها من البلدان التي تشكل خطورة على للمناخ العالمي، على الرغم من أقرار الصين لاستراتيجية جديدة للحد من أنبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2060. أضافتةً على ذلك العمل على حث الصين أن تتبع قيم حقوق الإنسان وأبقائها ضمن القانون الدولي، لذلك سيحتاج إلى بناء جسور جديدة للحوار مع الصين ضمن المصالح الوطنية المشتركة.

مرة أخرى، ستأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة للحفاظ على أستمرار هيمنتها على الصعيد العالمي، علاوة على ذلك، فإن مكافحة الإرهاب العالمي ستظل الشاغل الاساسي والتحدي الصعب الذي يجب احتواؤه من خلال جهد عالمي مشترك.

 

كوريا الشمالية

 

من المرجح أن يتم إعادة تقييم علاقة الرئيس ترامب الدبلوماسية مع كيم جونغ أون بمجرد وصول بايدن إلى المكتب البيضاوي، والهدف الرئيس من ذلك الاستراتيجية المتمثلة في نزع السلاح النووي أو خفضها لكوريا الشمالية، وبالنظر إلى الخطاب العدائي من كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة الامريكية ومصالحها على مر السنوات، وقيام الاخيرة بتعزيز تطوير برنامجها للاسلحة النووية والصاروخية، فإن إدارة بايدن ستتخذ بشكل مؤكد موقفًا أكثر صرامة مع بيونغ يانغ مقارنةً بسياسة أدارة ترامب بهذا الخصوص وسيعمل على ممارسة سياسة التضيق على الزعيم الكوري كيم جونغ أون من جديد، حيث من المؤكد أن تكون واشنطن أكثر حرصًا على توفير شتى أنواع الدعم والوقوف بشكل أقوى الى جانب كوريا الجنوبية لمواجهة التهديد الكوري الشمالي المزعوم، وهي تتطلع الى المستقبل الذي سينهي فيه نظام كيم جونغ أون في الشق الشمالي لكوريا، حيث ستعمل على نزع السلاح النووي أو تقييده كقضية ملحة وأولوية لتحجيم كوريا الشمالية، علماً أنها ستشكل عبئًا على جو بايدن وقد تصبح المفاوضات بهذا الشأن أكثر صعوبة إذا لم يُظهر نظام كيم استعداده للتخلي عن ترسانته النووية أو على الأقل تخفيضها، ومن المتوقع تشديد العقوبات كأداة لتحقيق هذا الهدف بالقريب المنظور، ومن المؤكد بأن هذه السياسات ستؤدي إلى استفزازات عنيفة من قبل الرئيس الكوري الشمالي خصوصاً مع الاستمرار بالطعن في شرعيته ضمن المسرح العالمي، من غير المرجح أن تؤدي هذه الافتراضات لأي فرص لتقديم تنازلات سواء من الرئيس بايدن أو كيم جونغ حبث تبدو ضئيلة للغاية ما لم ينجح الرئيس المنتخب في التوصل لإبرام اتفاق سلام بين البلدين اللذين ستستمر علاقتهما المتأرجحة الى حبن تحقيق ما ذكر.

 

روسيا

تعهد الرئيس المنتخب جو بايدن بالعمل على تعزيز سياسة حقوق الإنسان وحماية المصالح الأمريكية في العالم خلال فترة ولايته المستقبلية، وحقيقة أزدرائه للأنظمة الاستبدادية تعد حقيقة موثقة بشكل لا يقبل اللبس فيه، وبالتالي فهو بلا شك لن يلعب مع موسكو بنفس القواعد السابقة، ومن المتوقع حدوث انعكاسات شبه دراماتيكية في السياسة الأمريكية المتعلقة بروسيا، حيث وعد الرئيس المنتخب بايدن بتكثيف الضغوط على الكرملين من خلال أعادة سياسة الدعم المتجدد لحلف شمال الأطلسي، وذلك لرفع مستوى التعاون والدعم بشكل أكبر لجورجيا وبيلاروسيا وأوكرانيا كجزء من أهدافه السياسية الخارجية المقبلة ضمن خطة أدارته، وبالتالي فإن روسيا ستواجه عقوبات متلاحقة وممتدة ومقاومة شديدة من قبل أدارة بايدن ضد سياسة موسكو المتمثلة في المغامرات العسكرية المتكررة وقيامها بتشكيل بقعة نفوذ في المناطق الجيوسياسية الساخنة التي واظبت على ممارستها في السنوات السابقة أبرزها في (سوريا وشرق ليبيا)، مما سيفسح المجال لزيادة حدة التوترات بين البلدين، ومع ذلك من المهم التأكيد على أن الحد من التسلح سيكون على الطاولة من قبل كل من بوتين وبايدن، حيث أعرب الأخير عن نيته في تمديد معاهدة ستارت الجديدة لخفض الأسلحة النووية بشكل متبادل التي تم التوقيع عليها في عام 2010 بين البلدين.

 

المملكة المتحدة

 

ستتعرض العلاقة عبر الأطلسي بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة لضربة كبيرة بعد أن يؤدي جو بايدن اليمين كرئيس للولايات المتحدة، ولا يخفى على أحد أن مصالح وأهداف بايدن تتعارض بشكل كبيرمع سياسة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خصوصاً بسبب مراوغة الأخير لدعم أتفاقية الجمعة السوداء وتمسكه بمواقفه السابقة والثابته من البركست لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث يعتبر الرئيس المنتخب جو بايدن خروج بريطانيا من كتلة الاتحاد الأوروبي خطأ كبير، علاوة على ذلك حذر بايدن مراراً وبشدة المملكة المتحدة من فرض حدود بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية، وهي قضية تعتبر حساسة للغاية نظراً لجذوره الأيرلندية، حيث من المتوقع أن يتم التوصل إلى صفقة تجارية حرة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كإجراء احتياطي في حال فشل اتفاقية بروكسل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبذلك سيشكل فوز بايدن تحديات كبيرة ترقى الى اعتبارها عقبات أمام رئيس الوزراء البريطاني، الذي هو بالفعل في موقف حرج مع الشعب البريطاني بشأن طريقة تعامله مع تفشي فيروس كورونا في البلاد.

 

هل هي منارة أمل لفلسطين؟

 

 

شكلت أدارة الرئيس ترامب خلال أدارته للولايات المتحدة الامريكية تداعيات يعتبرها الفلسطينيين أكثر ضررا على قضيتهم وحقوقهم مقارنة بالادارات السابقة على مر العقود سواء كانت من الجمهورييين أوالديمقراطيين، خصوصاً بعدم وجود رؤية واضحة في فهم العلاقات الدولية لادارته وقيامه بالتجاهل التام للقضايا الجوهرية التي تخص الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وقيامه بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الفلسطينيين من خلال أغلاقه مكتب ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقيامه بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشرقية، وأعطاء الضوء الاخضر لبناء المزيد من المستوطنات على الاراضي المحتلة في الضفة، ومباشرة أسرائيل بتوسيع مستوطنات أخرى في مناطق الضفة الغربية وبناء وحدات سكنية جديدة فيها دون حساب، وقيامه بأيقاف التمويل الأمريكي للأونروا وادارات السلطة الفلسطينية المختلفة، من خلال طرحه خطة سلام منحازة بشكل واضح وصريح للصراع بما يسمى بـ “صفقة القرن “، التي يسميها الفلسطينيين ” سرقة القرن “.

ومن المتوقع أن تقوم أدارة الرئيس المنتخب جو بايدن بأدارة الصراع بأسلوب مختلف عن سابقتها كوسيط لحل الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، حيث أن الرئيس ترامب وادارته أداروا الصراع بأسلوب يعتبرأكثر مغامرة بالاستقواء، من خلال أفتعال مواجهة وفرض الامر الواقع على الفلسطينيين، علماً أن الرئيس بايدن لن يقوم بأصلاح الأضرار التي نشأت من أدارة الرئيس ترامب لحل القضايا الحساسة في دول العالم لاسيما الصراع الفلسطيني-ألاسرائيلي، فمن المتوقع من أدارة بايدن الابقاء على السفارة الأمريكية في القدس والسير على نهج الشراكة الاستراتيجية المعهودة مع إسرائيل، لذا فإن الوسيط المحايد سيظل مفقودًا في الصراع الفلسطيني-ألاسرائيلي، حتى لو تم إعادة تمويل وكالة الانروا اللاجئين الفلسطينيين، أو أعادة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وفلسطين.

كان اساس جوهر السياسة الامريكية الخارجية هو حل الصراع الفلسطيني-ألاسرائيلي، أذ يعتبر حلاَ للسلم والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من أن إدارة الأزمة كانت بمثابة فشل ذريع للسياسات الخارجية للادارات الامريكية، حيث يتوقع العديد من المراقبين والأكاديميين انخفاضًا كبيراَ في الاهتمام بحل النزاعات بالشرق الأوسط، باستثناء الابقاء على وحدات مكافحة الإرهاب الأمريكية، التي ستبقى في المنطقة لفترة من الزمن بسبب مأساة 11 سبتمبر ومكافحة الارهاب الدولي، هذا يعني انخفاض الاهتمام تجاه حل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي أيضاَ، حيث سترتكز سياسة العمل على إعادة العلاقات الى عهدها السابق مع الأوروبيين وفتح قنوات جديدة من العلاقات مع الصين على أساس التبعية المتبادلة والمصالح المشتركة إلى حد ما.

على أي حال، لن تتغير سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ، لكن مستحضرات التجميل ستتغير ستستخدم لاستعادة صورة الولايات المتحدة كدولة رائدة للعملية السياسية في الشرق الأوسط.

والجدير بالذكر أن 20٪ فقط من سلطة اتخاذ القرارات تقع في يد الرئيس الامريكي ومن ضمن صلاحياته في النظام السياسي والدستوري أما ما تبقى فانها بيد “الكونجرس” الامريكي، لذا عملية السلام تقع على عاتق الكونجرس الامريكي المعروف بعداءه للقضية الفلسطينية، المهم هنا أخذها بعبن الاعتبار وهي السبب الرئيسي وراء الدعم المطلق والسافر لأسرائيل وبذلك ستستمر سياسة الدعم المطلق لاسرائيل كسياسة استراتيجية لجميع الادارات الامريكية، حيث كلفت الفلسطينيين ثمنَ باهظً على مدى السنوات الأربع الماضية لسياسات الولايات المتحدة المتقلبة والغير مدروسة تجاه حل الصراع، ولكنهم حافظوا على صمودهم خلال هذه المدة العصيبة، وكمبادرة لحسن النوايا الفلسطينية للرئيس المنتخب جو بايدن، فإن أحد السيناريوهات التي سيبادر لها الفلسطينيين أن تقوم القيادة الفلسطينية بالموافقة على أستلام عائدات الضرائب التي تحتجزها إسرائيل منذ أكثر من عام من الآن، والقيام بإعادة التنسيق الأمني ​​مع إسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة.

وأخيراً لقد تنفس الفلسطينيين الصعداء بتخلصهم من السفير الامريكي في اسرائيل السيد فريدمان والذي كان مناصرًا ومنحازاَ لبناء وتوسيع المستوطنات مع جاريد كوشنر المبعوث الخاص للرئيس ترامب لشوؤن الشرق الاوسط الذين يعتبرهم الفلسطينيين منحازيين تماماَ لسياسة اليمين الاسرائيلي الذي يشكله المستوطنين والمتشددين المحافظين من الاحزاب اليمينية في أسرائيل، والذين يقوموا بدورالوسيط العقاري للمستوطنيين أكثر من ما يعد وسطاء لحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.

ومن أجل حل هذا الصراع، يجب أشراك وسطاء جدد كالاتحاد الاوروبي وروسيا وغيرها من الدول المؤثرة الأكثر حياد لحل الصراع وبذلك سيسطروا فجرًا جديدًا مليئًا بالأمل الحذر لحل هذه المشكلة السياسية المستمرة منذ عقود، وذلك ما عبر عنه الرئيس محمود عباس بدعوته قيام مؤتمر دولي يشمل جميع القوى العالمية كوسيط لحل النزاع، يكمن التفاؤل بحذر في آفاق سياسة أمريكية مستقبلية تجاه الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي لن ينحاز لاي طرف ولن يتسم في الشوفينية كما كانت الولايات المتحدة الامريكية القوى الوحيدة وكوسيط لحل الصراع، ولكي لا يصل هذا الصراع الذي طال أمده إلى نقطة اللاعودة، فأن العالم سيشهد نوعا من فجر حقبة جديدة نوعاً ما ومع توقعات أقل إقليمية من الناحية الاقتصادية والتوترات السياسية في منطقة الشرق الاوسط، حيث يرتبط استقرار النظام العالمي عضوياً بأداء القوة أحادية القطب، والتي تعرضت مؤخرًا لتحدي كبير في سياساتها الداخلية والخارجية على حد سواء، حيث شكلت مكافحة وباء Covid-19 تحديًا للعالم أجمع وخلق حالة من انعدام الأمن الدولي، وعلى الجميع التعامل مع الوباء من خلال تبادل المعلومات والتعاون بين جميع دول العالم للسيطرة على هذه الجائحة.

في الختام لا أحد يستطيع أن ينكر أن الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي هومصدر انعدام الأمن وعدم الاستقرار وهو جوهر الفوضى السياسية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم بأسره، ويجب معالجة هذه الحقيقة الواقعية بجدية وغير ذلك قد يؤدي الصراع المتصاعد إلى تداعيات وخيمة على العالم أجمع. لقد حان الوقت للمشي قدماَ وبواقعية لحل هذا الصراع التاريخي وبعدالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق