مقالات
الدكتور كمال الحسيني من تونس – ديمقراطية اسرائيل مزيفة
الدكتور كمال الحسيني من تونس – ديمقراطية اسرائيل مزيفة
وعرب الداخل ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية بل من الدرجة الخامسة – أغلب شهداء انتفاضة الخناجر من شباب الجامعات- زيارة السجين ليست تطبيعا مع السجان وعرب 48 شوكة في حلق الاحتلال
الباحث الفلسطيني د. كمال الحسيني لـ”الصباح”: الفلسطينيون مشروع حياة وليسوا تجار موت
تونس – الصباح: قد تبدو الفكرة عجيبة بعض الشيء ونحن ننتمي الى عالم لا مكان فيه لثقافة تثمين الجهود أو الاعتراف بها أو حتى مجرد الشكر، ولكن عندما تأتي الحكاية من “سيدة الارض” فلسطين فان الأكيد أنها جديرة بأن تُروى للعالم لتنقل واقع أولئك المرابطين خلف أسوار القدس المحتلة، الذين يتمسكون بالأرض ويرفضون التخلي عنها ومغادرتها رغم كل الاغراءات والعروض، وأيضا رغم كل الضغوطات والابتزازات..
الدكتور كمال الحسيني المقدسي الذي ولد ونشأ بالقدس اختار طريقة طريفة لربط الجسور بين فلسطيني الشتات وبين أراضي الـ48 فجعل لهم موعدا سنويا لتكريم الناجحين من الكوادر الفلسطينية في العالم في مختلف الاختصاصات، ومد الجسور معهم للحفاظ على الهوية الفلسطينية لديهم، وربط الصلة مع القرى الاصلية التي هجر منها أهلهم. وللسنة السابعة على التوالي تتولى “مؤسسة تكريم شخصية العام في الداخل الفلسطيني والوطن العربي” التي يرأسها المقدسي كمال الحسيني تكريم شخصيات اقتصادية أو فكرية أو علمية أو ثقافية.
بالأمس زارنا الحسيني في مقر “دار الصباح” وتحدث بلغة لا تخلو من المرارة عن حقيقة معاناة سكان القدس عرب الـ48 أو “عرب الداخل” كما يطلق عليهم.. ويقول محدثنا أن الجليل تجمع أكثر من مليون فلسطيني وأن هؤلاء استطاعوا الحفاظ على الهوية الفلسطينية من الناصرة الى عكا فحيفا ويافا واللد والرملة، ودعا العرب الى التعامل معه هؤلاء بما يرتقي الى صمودهم وحرصهم على البقاء، وقال ” لا نطلب من أشقائنا العرب مالا ولا سلاحا، ولكن أن يتعاملوا معنا ويمدوا أيديهم إلينا”…
من هنا تبدأ الحكاية…
يقول كمال الحسيني أن الفكرة ارتبطت بتكذيب مقولة أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وأن في بقاء أهالي محافظات القدس وتمسكهم بالأرض ما يؤكد ذلك، وانه رغم تدمير أكثر من أربعمائة قرية فلسطينية فقد ظلوا صامدين وحرصوا على صيانة الذاكرة والحفاظ عليها جيلا بعد جيل.
محدثنا يعتبر أنه برغم الدمار الذي طال محافظات القدس فقد بقيت الذاكرة الفلسطينية عصية، ورغم إصرار الاحتلال على اقتلاع اشجار الزيتون وتهويد المقدسات وتشويه الهوية وتدمير المجمع وتشتيته فقد فشل في القضاء على الذاكرة وبقيت عكا قاهرة نابوليون محافظة على هويتها العربية الاسلامية.
عن رسالته التي حملها من القدس، يقول كمال الحسيني أن العرب أساؤوا التصرف مع عرب الداخل الذين تضاعف عددهم من 120 ألفا في 1948 الى مليون ونصف المليون فلسطيني اليوم، ويوضح مخاطبنا أن ما يربط هؤلاء بإسرائيل ليس أكثر من وثيقة رسمية فرضت عليهم قسرا لأنهم أصروا على البقاء في أرضهم، وهم اليوم يمثلون 21 بالمائة من سكان اسرائيل ويشكلون 70 بالمائة من الاطباء في المستشفيات الاسرائيلية. وهو يعتبر أن الفلسطينيين “روح واحدة وجسد ممزق”، ومن هنا أهمية المبادرة التي أراد من خلالها التسويق للنموذج الفلسطيني الناجح في الشتات رغم الاحتلال والقيود ورغم كل مظاهر العنصرية التي تمارس عليهم.
يقول الحسيني أن اليهود جاؤوا إلى فلسطين لاجئين ولكنهم عضوا الأيادي التي ساعدتهم واحتلوا أرضنا، ويصر محدثنا على أن الفلسطينيين مشروع حياة وليسوا تجار موت.
انتفاضة الخناجر.. ماذا بعد؟
عن انتفاضة الخناجر التي تؤرق سلطات الاحتلال، يقول كمال الحسيني ان ما يحدث أن أطفال القدس، وهم عادة لا يتجاوزون السادسة عشرة، لا يستوعبون ولا يقبلون بما يقوم به الاحتلال من تهويد. ويكشف أن 90 بالمائة من الشهداء الذين سقطوا برصاص الاحتلال من الأكاديميين وشباب الجامعات، وهذا مؤلم، فهم يستهدفون رواد المستقبل، وبالتالي فإن ما يحدث ردود فعل ضد ممارسات وعنصرية الاحتلال الصهيوني. ويضيف أن مصطلح الانتفاضة قد لا يكون أفضل تعبير وهي تحركات عفوية انطلقت دون مرجعية سياسية وهي اليوم مثل كرة الثلج.
ويخلص الحسيني إلى أن الاحتلال الاسرائيلي اليوم أمام فرصة إن لم يدركها ويأخذها بعين الاعتبار ويقبل بالتعايش السلمي فإنه سيخسر الكثير، لأن الحياة مبنية على قانون التغيير ومن يقرأ التاريخ يفهم ذلك ويعرف أنه عندما يكتمل البدر يبدأ بالانحدار. ويتوقع الحسيني أن يدفع تفويت هذه الفرصة الى “انتفاضة شاملة للشجر والبشر والحجر.. تقول لا مكان للاحتلال”. ويقول “ان عقلية المتغطرس لن تستمر الى ما لا نهاية”.
ويعتقد الحسيني الذي بدأ جولة عربية لمد جسور التواصل مع أهل القدس وفلسطينيي الداخل أنه مهما كان الانحدار والتردي العربي فإن الغد سيكون مشرقا. فبعد عقود طويلة من الاحتلال لم تستطع الصهيونية تغيير العقلية الفلسطينية أو الغاء الهوية الفلسطينية وإن أي طفل فلسطيني يتعلم المشي ينطق اليوم بحرية فلسطين.
ما يعيبه كمال الحسيني على العرب أنهم يصرن على مقاطعة “عرب الداخل” أو فلسطيني الـ48، لأنهم مجبرون على حمل هويات إسرائيلية، ويوضح أن من الغرائب الحاصلة أن دخول هؤلاء للدول العربية شبه مستحيل إلا لمن كانت له هوية ثانية، وفي المقابل فإن اليهودي الذي يتمتع بهوية أمريكية أو أوروبية يتجول بحرية في كل أنحاء العالم العربي.
وعن موقع فلسطينيي الداخل في “الديموقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط،
يشير كمال الحسيني إلى أن هؤلاء هم الدرع وهم أصل الحكاية، ومن هنا أهمية الاستثمار في الانسان على حد تعبيره وإصرار فلسطينيي الداخل على إحياء ذكرى النكبة والنكسة ويوم الأرض. ويكشف أن واقع فلسطيني الـ48 أو “عرب إسرائيل” واقع يعاني من الاحتلال والممارسات العنصرية، وأكد أن الحديث عن ديموقراطية إسرائيل هي بمثابة الحديث عن ديموقراطية مزيفة باعتبار أن عرب الداخل “ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية ولا الثالثة، بل مواطنون من الدرجة الخامسة”. وكشف أن إسرائيل بلد لا دستور له ولا حدود أيضا، وكل القوانين فيه تصاغ في الغرف المغلقة.
وتحدث كمال الحسيني عن قرية فلسطينية جنوب النقب حيث يعيش مائتي ألف فلسطيني تم هدمها مائة مرة وأعاد الفلسطينيون بناءها في كل مرة، ورغم كل محاولات التهويد فإن الفلسطيني في كل مكان وهو متشبث بالأرض. ويقول الحسيني ان الضرائب المفروضة على الفلسطينيين تتجاوز كل التصورات وأن مجرد استخراج ترخيص للبناء أو توسيع المسكن قد يكلفه أكثر من بناء المسكن، ويستطرد أن بيتا فلسطينيا في القدس يمكن أن يجمع أكثر من جيل حتى يحافظ الفلسطينيون على هويتهم، ويعتبر أن هذا الوجود بمثابة شوكة في حلق الاحتلال.
ومن هذا المنطلق يدعو محدثنا إلى فتح أبواب الجامعات العربية لأبناء الفلسطينيين من عرب الداخل حتى يكونوا جسرا مع المرابطين هناك، الذين يصفهم بـ”القابضين على الجمر”.
عن جدار العار
عن جدار العار في القدس، يقول محدثنا أنه سيظل وصمة عار في جبين دعاة الديموقراطية وهو جدار يقتحم البيوت ويقسم أهلها ويجعل من الوصول الى المسجد الاقصى أو البلدة القديمة التي تفصل الاهالي مسافة دقائق، رحلة منهكة قد تستمر الساعة ونصف وتفرض على التلميذ والمريض قطع الأميال للوصول الى مبتغاهم. ولا ينسى محدثنا دور المقدسية المرابطة في القدس في حماية الهوية الفلسطينية وحماية المقدسات وبناء الجسور مع الآخرين، ويعتبر أنها “كالعشب الناعم تنحني أمام النسيم ولكن لا تنكسر امام العاصفة”.
وعن الواقع الفلسطيني وحتى العربي يقول كمال الحسيني انه واقع مبك ومخجل، وهو يرفض وصف مد الجسور مع فلسطيني الداخل بـ”التطبيع” ويردد مقولة الزعيم الراحل ياسر عرفات بأن زيارة السجين واجب إنساني ووطني وأن “نفس الرجال يحيي الرجال” وفق المثل الفلسطيني. وخلص الى أن كل اليهود في الغرب لا يتوقفون عن دعم يهود القدس بكل الامكانيات فيعززون قدراتهم في تهويد المدينة وإقامة المستوطنات وتوسيعها، ويشير الى أنه آن الأوان لرفع الحصار العربي الاسلامي المفروض على سكان القدس العرب، ويعتبر أنها المدينة الفلسطينية التي لا تكاد تعرف الهدوء ضد الاحتلال وهي المدينة المحاصرة بالحواجز العسكرية من كل جهة…