مكتبة الأدب العربي و العالمي
عهد_الخلافة -عهد على رضي اللَّه عنه على والقرارات الصعبة
تمت بيعة «على بن أبى طالب» فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ذى الحجة سنة (35 هـ)، فاستقبل بخلافته عام (36هـ)، وكان عليه أن يواجه الموقف العصيب، الذى نتج عن استشهاد أمير المؤمنين «عثمان بن عفان»، باتخاذ قرارات صعبة تجاه عدد من المعضلات، التى كان أولها: – القصاص من قتلة «عثمان» – رضى الله عنه – وكان ذلك مطلب الصحابة، ففى أول يوم من خلافته ذهب إليه «طلحة» و «الزبير»، وطالباه بإقامة الحد على القتلة، وكان هو مقتنعًا بذلك، ولذلك قال لهما: «يا إخوتاه إنى لست أجهل ما تعلمون ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم؟ هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم -أى يعيشون بينكم – يسومونكم ماشاءوا – أى يسيطرون عليكم – فهل ترون موضعًا لقدرة على شىء مما تريدون؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأيًا ترونه أبدًا».
ويتضح من هذا أن «على بن أبى طالب» لم يكن أقل من غيره حرصًا على إقامة الحد على قتلة «عثمان»،ولكن الظرف الذى هم فيه لا يمكنه من ذلك، فإذا كان الذين نفذوا القتل فى «عثمان» عددًا محدودًا، وهم «الغافقى بن حرب»، ومعه «سودان بن حمران» و «كنانة بن بشر التجيبى»، فإن وراءهم نحو عشرة آلاف من الثوار الذين ضللوهم، وهم مستعدون للدفاع عنهم، ولذلك عندما كانوا يسمعون قائلا يقول: من قتل «عثمان»؟ كان هؤلاء جميعًا يصيحون: نحن جميعًا قتلناه، ولذا كان رأى الإمام التريث حتى تهدأ الأمور، ويعود الناس إلى بلادهم، حتى يتمكن من التحقيق فى الأمر وإقامة الحد، وقد اقتنع الصحابة بهذا الحل، لكن الأمور تطورت تطورًا آخر على غير ما يهوى الجميع.
– وتغيير كل ولاة «عثمان» على الولايات الكبرى: «مصر» و «الشام»، و «الكوفة»، و «البصرة» حتى تهدأ الفتنة.
وقد اتخذ «على» بالفعل قرارًا بذلك، فعزل «معاوية بن أبى سفيان» عن الشام، وعين بدلا منه «سهل بن حنيف»، وعزل «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» عن «مصر» وعين بدلا منه «قيس بن سعد بن عبادة»، وعزل «عبدالله بن عامر» عن «البصرة» وعين بدلا منه «عثمان بن حنيف»، وعزل «أبا موسى الأشعرى» عن «الكوفة»، وعين بدلا منه «عمارة بن شهاب».
وهذا القرار الخطير راجعه فيه أقرب الناس وأخلصهم له، ابن عمه «عبدالله بن عباس»، ونصحه بالانتظار فترة ولو لمدة سنة، لتكون الأمور قد هدأت واستقرت، ويتم التغيير فى ظرف مناسب، لكن الإمام أصر على تنفيذ قراره محتجًا بأن هؤلاء الثوار ثاروا غضبًا من ولاة «عثمان»، سواء أكانوا مخطئين أم مصيبين، ولن تهدأ ثورتهم إلا إذا عُزِلوا.
وإزاء إصرار على – رضى الله عنه – على تنفيذ قراره، اقترح «ابن عباس» أمرًا آخر، بأن يعزل من يشاء من الولاة، ويُبقى «معاوية» على ولاية الشام، وكان اقتراحًا ذكيًا وجيهًا، فمعاوية لم يكن موضع شكوى أحد من رعيته، ولم يشترك أهل الشام فى الثورة على «عثمان» وقتله، وعلى هذا فلو أقره علىّ فى ولاية الشام، فلن يلومه أحد، وكان «ابن عباس» يعرف من ناحية أخرى أن «معاوية» لن يذعن لقرار العزل، وسيبقى فى لايته، مسببًا متاعب كثيرة، ومع هذا صمم الإمام «على بن أبى طالب» على عزل ولاة «عثمان» جميعًا بما فيهم «معاوية».
بدأ الولاة الجدد يتجهون إلى ولاياتهم لمباشرة أعمالهم، فذهب «قيس بن سعد» إلى «مصر»، ودخلها بدون متاعب؛ لأن واليها القديم «عبدالله بن سعد» تركها منذ علمه بمقتل «عثمان»، وذهب إلى «فلسطين»، واعتزل الفتنة، وبقى هناك حتى مات فى مدينة «عسقلان» سنة (37هـ).
وكذلك دخل «عثمان بن حنيف» «البصرة»، وتولى شئونها بدون مشاكل؛ لأن واليها «عبدالله بن عامر» كان قد تركها وذهب إلى «مكة».
أما «عمارة بن شهاب» فلم يمكنه أهل «الكوفة» من دخولها، وتمسكوا بواليهم «أبى موسى الأشعرى»، فوافق الإمام «على» على ذلك، وأقر عليهم «أبا موسى الأشعرى».
وكذلك لم يستطع «سهل بن حنيف» دخول الشام، فقد منعه «معاوية بن أبى سفيان»، رافضًا قرار العزل.
وهنا لم يعامل الإمام «على» الشام معاملة «الكوفة»، فإنه رفض إقرار «معاوية» فى ولاية الشام، مع أن تمسك أهلها به كان أشد من تمسك أهل «الكوفة» بأبى موسى الأشعرى.
غدا إن شاء الله