مقالات
ما قِيلَ في كُرْهِ الْحَرْبِ، والنَّهْيِ عَنْها، والدَّعْوَةِ إلَى السِّلمِ: ما أَشْبَهَ الْيَوْمَ بِالْماضي!!!
أ.د. لطفي مَنْصور
“كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهْوَ كُرْهٌ لَكُمْ، وَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهْوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أنْ تُحٍبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكْمْ”.
تَلِي هَذِهِ الآيَةَ الْكَريمَةَ قَصيدَةٌ رائِعَةٌ مِنْ حماسَةِ البُحْتُرِي (ص: ٥٥-٥٦) لٍلشّاعِرِ حَكَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْكٍنانِيِّ تَحْكِي أَيّامَنا هَذِهِ: مِنَ الطَّوِيل
– نَهَيْتُ أَلا عَمْرٍو عَنِ الْحَرْبِ لَوْ يَرَى
بِرَأْيٍ رَشيدٍ أًوْ يَؤولُ إلَى عَزْمِ
(يَؤولُ: يَرْجِعُ. آلَ: رَجَع؛ العَزْمِ: الْحَزْمُ هُنا)
– وَقُلْتُ لَهُ دَعْ عَنْكَ بَكْرًا وَحَرْبَها
وَلا تَرْكَبَنْ مِنْها عَلَى مَرْكَبٍ وَخْمِ
(دَعْ عَنْكَ: أَسْقِطْها عَنْ كاهِلِكَ؛ الُمَرْكَبُ: السَّفينَةُ، الوَخْمُ: العاقِبَةُ الْوَخيمَةُ. لا: ناهِيَةٌ جازِمَةْ؛ تَرْكَبَنْ مُضارِعٌ مَبْنٍيٌّ عَلَى الْفَتْحِ لِاتِّصالِهِ بنونِ التَّوْكيدِ الخفيفَةِ، في مَحَلِّ جَزْمٍ بِلا النّاهِيَةِ. والشَّطٍرِ الثّاني مَثَلٌ: أيْ خْطُورَةُ حَرْبِ قَببلَةِ بَكْرٍ كَخُطورَةِ رُكُوبِ سَفينَةٍ يَتَقاذَفُها الْمَوْجُ والرِّياحٍ، لا بُدَّ مِنْ غَرَقِها)
– وَمَهْلًا عَنِ الْحَرْبِ الَّتي لا أَدِيمُها
صَحِيحُ وَلا تَنْفَكُّ تَأْتِي عَلَى سُقْمِ
(مَهْلًا: مَفعولِ مُطْلَقٌ بِعامِلٍ مَحْذوفٍ تقديرُهُ تَمَهَّلْ مَهْلًا؛ لا تَنْفَكُّ: مِنْ أخوات كانَ واسمُها ضَميرٌ تَقْديرُهُ هِيَ يعودُ الحرب. وخبَرُها الجمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ الَّتي بَعْدَها (تَأْتِي هِيَ؛ أديمُ الشَّيْءِ وَجْهُهُ)
– فَأَحْرِ بِها بَسْلًا عَلَيْكُمْ وَإنْ رُئِي
لَكُمْ زَمَنٌ مِنْ فَضْلِ رِيٍّ وَمِنْ طَعْمِ
( أَحْرِ بِها: صيغَةُ تَعَجُّبٍ عَلَى وَزْنِ أَفْعِلْ بِهِ، أيُ ما أَحْرَى بِهِ “ما أَجْدَرَ بها بَسْلًا “إثْمًا”؛ حَتَّى لَوْ أَنَّها أَبْقَتْ لَكُمْ في وَقْتٍ شَيْئًا مِنَ الشَّرابِ أوِ الطَّعامِ؛ رُئِي: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنٍيٌّ لِلْمَجْهُول)
– فَإنْ يَظْفَرِ الْحَرْبَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِمُ
وَآبُوا بِدُهْمٍ مِنْ سِباٍ وَمِنْ غُنْمِ
( يَظْفَرِ الحَرْبَ: يَنْتَصِرْ، يَظْفَر: فعلُ الشَّرْطِ مجزومٌ بِإنٍّ الشَّرْطِيَّةِ، ومَنَعَ ظُهورَ عَلامَةِ الْجَزْمِ الْتِقاءُ السّاكِنَيْنِ؛ آبوا: رَجَعوا؛ الدُّهْمُ الخيْلُ السُّود؛ السِّباءُ: الأسْرَى؛ الغنْمُ: الغَنائِمُ)
– فَلا بُدَّ مِنْ قَتْلٍ وَعَلَّكَ فِيهِمِ
وَإلَّا فَجُرْحٌ لَيْسَ يَكْنِي عَنِ الْعَظْمِ
(الفاءُ واقِعَةٌ في جَوابِِ الشَّرْطِ. هَذٍهِ هِيَ الْحَرْبُ: إمّا قَتْلٌ وَإمّا جَرْحٌ عَميقٌ يَصِلُ الْعَظْمَ)
– دَعاني يَشِبُّ الْحَرْبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
فَقُلْتُ لَهُ لا بَلْ هَلُمَّ إلَى السِّلْمِ
( انْظُروا إلَى المَوْقِفَيْنِ: لَوِ اسْرائِيلُ سَمِعَتْ طَلَبَ المُقاوَمَةِ لَما نَشِبَتِ الْحَرْبُ الْمُدمِّرَةُ والدّامِيَةُ بَيْنَ الْفَريقَيْنِ)
– فَلَمّا أَبَى أَرْسَلْتُ فَضْلَةَ ثَوْبِهِ
إلَيْهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِعَزْمٍ وَلا عَزْمِ
( أرْسَلْتُ لَهُ فَضْلَةَ ثَوْبَهِ: الفَضْلَةُ: الْبَقٍيَّةُ. الظّاهِرُ أنَّ الشّاعِرَ حكَمَةَ كانَ قد تَسَلَّمَ في السّابٍقِ قبلَ الخلافِ ثَوْبًا هديَّةً مِنْ أبي عَمْرًو، وَبَقِيَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ، فَأعادَها لَهُ كِنايَةً عَنْ قَطْعِ العَلاقاتِ)
– وَأَمْهَلْتُهُ حَتَّى رَماني بِحَرِّها
تَغَلْغَلَ مِنْ غَيٍّ غَوِيٍّ وَمِنْ إثْمِ
( الضََمير في حَرِّها يَعودُ إلَى الْحَرْبِ؛ تَغَلْغَلَ: ذَهَبَ عَميقًا؛ الْغَيُّ: الظُّلْمُ؛ الْغَوِيُّ: الطّاغي. البادِئُ أظْلَمُ)
– فَلَمّا رَمانِيها رَمَيْتُ سَوادَهُ
وَلا بُدَّ أَنْ يُرْمَى سَوادُ الّذي يَرْمِي
– فَبِتْنا عَلَى لَحْمٍ مِنَ الْقَوْمِ غُودِرَتْ
أَسِنَّتُنا فِيهِ وَباتُوا عَلَى لَحْمِ
(رَجَعَ قَوْمُ الشّاعِرِ عَلَى حالَتَيْنِ : بقايا نِصالِ رِماحِهِمْ في أجْسادِ الأعْداء، وَبَقايا نِصالِ الأعداءِ في أجْسادِ قَوْمِ الشّاعِرِ. بكلماتٍ أُخْرَى الْقَتْلَى والْجَرْحَى مِنَ اْفَريقينِ ، فَلِاثْنانِ مَهزومانِ)
– وَأَصْبَحَ يَبْكِي مِنْ بَنِينَ وَإخْوَةٍ
حِسانِ الْوُجُوهِ طَيِّبِي الْجِسْمِ وَالنَّسْمِ
(النَّسْمُ: جَمْعُ نَسَمَةٍ وهي الرُّوح)
– وَنَحْنْ نُبَكِّي إِخْوَةً وَبَنِيهِمُ
وَلَيْسَ سَواءً قَتْلُ حَقٍّ عَلَى ظُلْمِ
(قَتْلُ حَقٍّ: جُنُودُ أبي عَمْرٍو لِأَنَّهُمْ مُعْتَدُونَ؛ وَقَتْلُ ظُلْمٍ: مَنْ قُتِلَ مِنْ قَوْمِ الشّاعِرِ لِأَنَّهُمْ مُدافِعونَ).
ٌ