مقالات
أ. د. لطفي منصور تَخَرُّصاتٌ، شَعْوَذاتٌ،أَكاذِيبُ وَاِفْتِراءَاتٌ:
تَسُودُ مُجْتَمَعاتِنا الشََعْبِيَّةَ الْعَرَبِيَّةَ – وَخاصَّةً النِّساءَ – مُعْتَقَداتٌ بالِيَةٌ، ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ . كَما يَقُولُ أَبُو تَمّامٍ في عَصْرِهِ: البسيط
– تَخَرُّصًا وَأَحادِيثًا مُلَفَّقَةً
لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إذا عُدَّتْ وَلا غَرَبِ
– عَجائِبًا زَعَمُوا الْأَيّامَ مُجْفِلَةً
عَنْهُنَّ في صَفَرِ الْأَصْفارِ أوْ رَجَبِ
– وَخَوَّفُوا النَّاسَ مِنْ دَهْياءَ مُظْلِمَةٍ
إذا بَدا الْكَوْكَبُ الْغَرْبِيُّ ذُو الذَّنَبِ
أَكْثَرُ ما تَخافُ الطَّبَقاتُ الشَّعْبِيَّةُ عِنْدَنا، وَخاصَّةً بَيْنَ النِّساءِ هُمُ الْأَمْواتُ. تَشيعُ بَيْنَهُمُ خُرافاتٌ وَأَضالِيلُ تَشِيبُ لَها الْوِلْدانُ، هُناكَ مَلائِكَةٌ تَنْزِلُ عَلَى الْمَيْتِ، وَهُوَ يَسْمَعُ أَهْلَهُ. وَقَبَّحَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْخَ الْمَغْرِبِيَّ الَّذي أجازَ نِكاحَ الْمَوْتَى في السّاعاتِ الْأُولَى بَعْدَ الْمَوْتِ. قَرَفٌ ما بَعْدَهُ قَرَفٌ.
أَبُو تَمّامٍ حارَبَ تِلْكَ الْأكاذيبَ في النِّصْفِ الْأَوّلِ مِنَ الْقَرْنِ الثّالِثِ الْهِجْرِيِّ، وَهِيَ لا تَزالُ رائِجَةً حَتَّى يَوْمِنا هَذا.
الْمَقابِرُ أَيْضًا مَصْدَرُ خَوْفٍ عِنْدَ كثِيرٍ مِنْ أَبْناءِ الْمُجْتَمَعِ .
“فُلانٌ رَأَى ضَوْأً عَلَى قَبْرٍ”. “لا تَمْشُوا لَيْلًا بَيْنَ الْقُبُورِ خَشْيَةَ أَنْ تَتَخَطَّفَكُمُ الْجانُّ. أَقْوالٌ كُنّا نَسْمَعُها صِغارًا فَتَرْتَعِدُ لَها فَرائِصُنا خّوْفًا وَهَلَعًا.
تَرَبَّيْنا عَلَى حِكاياتِ الْغُولِ وَالْهامَةِ والْعَنْقاءِ الطَّيْرِ الَّذي يَخْطُفْ الْأَطْفال, وَالسَّكْنَةُ الَّتي تَخْرُجُ لَيْلًا وَتَحْظُرُ التَّجَوُّلَ في شَوارِعِ الْقَرْيَةِ رُعْبًا.
حَدَثَ أَنْ جاءَ أَحَدُ الشُّيُوخِ الْمُشَعْوِذينَ إلى بَيْتِ عَزاءٍ في دِيوانِ الْعائِلَةِ، وَقَدْ حَضَرَ مَعَ الْكِبارِ أَطْفالٌ وَصِبْيَةٌ، وَأَخَذَ يَتَحَدَّثُ عَنْ عَذابِ الْقَبْرِ بِتَهْويلٍ مُفْزٍعٍ ، نَظَرْتُ إلى الصِّبْيَةِ فَرَأَيْتُهُمْ فَزِعِينَ مِنْ وَصْفِهِ، فَصَرَخْتُ في وَجْهِ هَذا الْجاهِلِ وَقُلْتُ لَهْ ابْتَعِدْ عَنْ هذا الْفِكْرِ الْجَهَنّمِيِّ، فَبَدَلًا مِنْ أَنْ تُحَبِّبَ لَهُمُ الْحَياةَ وَالْعِلْمَ وَالْإيِمانَ الصَّحِيحَ الْمُطَمْئِنَ تُصادِرُ طُفولَتَهُمْ.
الْمَعَرِّي: الخفيف
ضَجْعَةُ الْمَوْتِ رَقْدَةٌ يَسْتَرِيحُ الْ
جِسْمُ فِيها وَالْعَيْشُ مِثْلُ السُّهادِ
الْجِنُّ والْمَلائِكَةُ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ في قُرْآنِهِ وَحَدِيثِ نَبِيِّه، وَذُكِرُوا في الْكُتُبِ الْأُخْرَى، نَحْنُ لا نَراهُمُ، وَلا سُلْطانَ لَهُمْ عَلَيْنا. قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْمَلائِكَةُ وَالْجِنُّ لا يَراهُمُ إلَّا نَبِيٌّ”. إذًَا هُمْ بِالنِّسْبَةِ لَنا غَيْرُ مَوْجُودِينَ، وَلَوْ كانُوا يَتَحَكَّمُونَ بِالْبَشَرِ لَاعْتَرَضُوا سُفُنَ الْفَضاءِ الْمَأْهُولَةَ وَغَيْرَ الْمَأْهُولَةِ، أَوُ اللَّذَيْنِ نَزَلا عَلَى الْقَمَرِ. وَلِماذا يَعْتَرِضُونَهُمْ وَرِسالَتُهُمْ إنْسانِيَّةٌ.
في النِّهايَةِ أَقُولُ: اُتْرُكُوا الْأَفّاكِينَ الدَّجّالينَ الَّذينَ يَدَّعُونَ بِتَعاوُنِ الْجِنِّ مَعَهُمُ، كَذَبُوا واللَّهِ أَصْحابُ “الْمِنْدَلِ” وَالْفَتّاحُونَ وَأَصْحابُ التَّمائِمِ والْحِجاباتِ وَالسَّمَرَةُ الَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ جَهَلَةَ الشَّعْبِ وَبُسُطاءَهُمْ لِيَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ بِالْباطِلِ أَلا ساءَ ما يَعْمَلُونَ.
وَلَمْ أَنْسَ داعِيَةً مَشْهُورًا كاذِبًا سَمِعْتُهُ بِأُذُنَيَّ يَقُولُ: قَدْ نَزَلْتُ فِي اللَّحْدِ وَرَجَوْتُ الْحاضِرِينَ أَنْ يَقْبُروني لَأَنِّي مُعْتَقِدٌّ بِلا شَكٍّ أَنَّ اللَّهَ سَيَنْقُلُنِي إلى جِنانِ النَّعِيمِ، فَأَخْرَجَهُ الْحاضِرُونَ وَنَكَّلُوا بِهِ. لَيْتَهُمْ قَبَرُوهُ وَأَراحُوا النّاسَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لا يَزالُ يَنْعَقُ.
يُمْكِنُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَبارَكَ بِالْقُرْآنِ ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعالَى:
“أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.
وَأَخْتَتِمُ بِوَصْفِ الْمَوْتِ لِأَبي الطَّيِّبِ: مِنَ الْوافِرِ
– تَمَتَّعْ مِنْ سُهادٍ أَوْ رُقادٍ
وَلا تَأْمُلْ كَرًى تَحْتَ الرِّجامِ
– فَإنَّ لِثالِثِ الْحالَيْنِ مَعْنًى
سِوَى مَعْنَى انْتِباهِكَ وَالْمَنامِ
يَقُولُ: هُناكَ ثَلاثُ حالاتٍ لِلْإنْسانِ : الْيَقَظَةُ وَالنَّوْمُ وَالْمَوْتُ. وَالْأَخيرُ لا يُشْبِهُ الْحالَتَيْنِ الْأُولَى وَالثّانِيَةُ. فَكَيْفَ يَسْمَعُ الْأَمْواتُ؟
يُمْكِنُ لِلْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ في طَوْرِ الْمَوْتِ أَنْ يَسْمَعَ أَوْ يَنْطِقَُ بِالشَّهادَتَيْنِ .
أمّا الْمَيْتُ فَقَدْ ماتَ وَانْتَهَى وَأَصْبَحَ كَالْخَشَبَةِ.
فَفَرِّقُوا بَيْنَ الْمَيِّتِ والْمَيْتِ. قالَ الشّاعِرُ: الخفيف
لَيْسَ مَنْ ماتَ فَاسْتَراحَ بِمَيْتٍ
إنَّما الْمَيْتُ مَيِّتُ الْأَحْياءِ
إلَى هُنا.