مقالات

قوى المعارضة البحرينية … وانتخابات العام 2006

هاني الريس كاتب وصحافي بحريني مقيم في الدنمارك

ويعزو المراقبون، أسباب عجز المعارضة عن تحقيق تلك الاهداف والاستحقاقات الوطنية الكبيرة، والوعود التي أطلقتها لجماهيرها بشأن قدرتها على إستعادة كل ما سلب من نصوص حيوية من ميثاق العمل الوطني ومن دستور البحرين العقدي ، إلا أنها لم تكن تمتلك مشروعا وطنيا متكاملآ يؤهلها لاحداث خطوات التغيير الحقيقية والجوهرية المطلوبة، ولذلك كانت مشاركة الجمعيات السياسية التي قاطعت الانتخابات الاولى إحتجاجا على التعديلات الدستورية الجديدة المجحفة بحقوق المشاركة الشعبية في ممارسة صنع القرار السياسي، الخطوة الاولئ بأتجاه إستراتيجية تغيير المطالب الشعبية الملحة ، وقبولها بفرض ظرورات الامر الواقع، كما جاء اعتراف نواب المعارضة والحلف بالقسم على دستور المنحة غير المتعاقد عليه مع الشعب، بمثابة الضربة القاضية للثقة التي منحها الشعب لتلك المعارضة المتهالكة والعاجزة عن إنجاز المهمات الوطنية والشعبية المستقلة عن ضغوط وأوامر السلطة والحكم، فقد وجدنا في الانتخابات الاولى للعام 2002 ، والانتخابات الاخيرة للعا م 2006 ، كيف أوصلت كل هده الانتخابات المشوهة اشخاصا كانوا مغمورين ومرتجفين في زمن القمع والاستبداد التي حفلت به حقبة سنوات قانون ومحكمة أمن الدولة السيئة الصيت، قبل أن تصنع منهم الدعاية البرلمانية والاعلامية (أبطال) ونجوم لامعة في عالم السياسة، وكيف شاهدنا هؤلاء النواب يتزاحمون على دعم وتاييد مشاريع السلطة وتمجيدها، ويدافعون ببسالة مفرطة عن مصالحهم وامتيازاتهم ورواتب تقاعدهم المستقبلي، ويقفون مكتوفي الايدي حيال تصاعد الازمة الدستورية بعد الانقلاب على الدستور العقدي واستمرار مخطط التجنيس الرهيب الدي كاد أن يمزق صف وحدة المجتمع وأمن البلاد، وكذلك قانون 56 الذي استطاع أن يغض الطرف عن محاسبة ومحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الانسانية خلال سنوات القمع المعتمة في البلاد على امتداد عقود، وكل الاجراءات اللاحقة التي تسببت بمقتل واعتقال المئات من المواطنين البحرينيين في التظاهرات الاحتجاجية المطلبية السلمية، وقد فات على هؤلاء النواب، انهم انتخبوا من أجل تمثيل الشعب والنيابة عنه لحل مشاكل الدولة والمجتمع، وليس فقط لتمثيل أنفسهم وملء جيوبهم بالاموال المسلوبة من قوت الفقراء والمحرومين في هذا البلد .

ولدلك ، فأنه عندما جلس هؤلاء النواب على مقاعد البرلمان حتى كانت أفكار المطالبة بأستعادة دستور البلاد الشرعي غائبة فعليا عن أذهانهم وجوارحهم، فكل ما كلن يهمهم بعد ذلك هو الثرثرة والدفاع عن مصالحهم الداتية وليس مصالح الناس والمصلحة الوطنية العليا .

والحق ان الحياة البرلمانية العامة هي في مسيس الحاجة الى نواب اقوياء ومخلصين وقادرين على العطاء المثمر لبناء دولة مدنية ومجتمع متحرر من جميع القيود، لا الى نواب يتصارعون من أجل الشهرة والجاه ومختلف المظاهر الرنانة والامتيازات والجلوس على موائد السلطان .

التجنيس السياسي

في غضون ست سنوات فقط من عمر ( المشروع ) أستطاع الحكم أن يمنح الجنسية البحرينية لاكثر من 90 الف من مواطني الدول العربية والاجنبية، وكانت غالبيتهم الساحقة من الطوائف السنية والمسيحية والهندوسية، وذلك من أجل إيجاد توازن طائفي بين الطائفتين الرئيسيتين في البلاد ( الشيعية والسنية ) وجعل المستوطنين الجدد، بمثابة ( طابور خامس ) الذي قد يستطيع التصدي لاية مواجهات محتملة بين السلطة والمعارضة، وبالفعل فقد إستفادت السلطة من هؤلاء في معاركها الشاملة مع المعارضة خلال الانتخابات البرلمانية الاولى في العام 2002 والثانية في العام 2006 ، حيث دفعت بهم دفعا للتصويت لصالح مرشحي المولاة التابعين اليها، في عضوية المجلس النيابي، من خلال المراكز العامة، ضاربة بدلك عرض الحائط ، كافة القيم القانونية والدستورية والمبادئ الاخلاقية والتصويت الحر والمباشر .

وفي سرعة فائقة بعد ذلك تحول المواطنون الجدد المجنسون، الى قنابل اجتماعية موقوتة في خاصرة المجتمع البحريني برمته والى أدوات فاعلة تخدم أهداف وتطلعات وطموحات السلطة والحكم، في مواجهة المطالب الشعبية الاصيلة من خلال مشاركة الكثيرين منهم كموظفين وجنود في أجهزة الدولة القمعية، هذا بالاضافة لكونهم (مواطنين) منافسين للمواطن البحريني الاصلي في الحصول على إمتيازات العمل والسكن والتعليم والصحة العامة والانخراط في سلك الجيش وأجهزة الأمن، والتي كانت الى حد قريب جدا أبوابها موصدة بوجة أبناء وبنات الطائفة الشيعية في البحرين، وبفضل كل هده التسهيلات التي يحصل عليها المجنسون في البلاد، انفتحت لهم الابواب على مصراعيها لكي يعبثوا بأمن واستقرار البحرين، بل وقد أصبح من حقهم التمتع بالرعاية الخاصة و ( بنعمة ) اقتصاد البلاد، الذي لم يشاركوا برفده بأي شيئ يذكر، لان جميع مدخراتهم المالية تقريبا تدهب الى جيوب عوائلهم وخزائن بلدانهم الاصلية، ولذلك فقد باتت الاغلبية الساحقة من المواطنين يعارضون مشروع التجنيس السياسي في البحرين، ولاسيما المتضررين منه من أبناء الطائفة الشيعية، وهي نسبة كبيرة من شانها ان تسقط هكذا مشروع في معايير التصويت الشعبي في الدول الديمقراطية المتقدمة

تقرير … البندر

تحدث التقرير الصادر في شهر ايلول / سبتمبر 2006 ، الدي كشف عنه المستشار السابق في وزارة الخارجية البحرينية صلاح البندر، وهو مواطن بريطاني من اصول سودانية، وحاصل أيضا على الجنسية البحرينية، كان قد وتضمن مزاعم عن تنظيم سري داخل الحكومة البحرينية، ويقوده أحد أبناء العائلة الحاكمة، يعمل على إقصاء الطائفة الشيعية سياسيا ومهام التلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة في البحرين، وعن جميع الاخطاء الفاضحة والطائشة، التي تدل على المنهجية التي استخدمها الحكم في المؤامرة ضد شيعة البحرين، وقد جمع التقرير أكبر قدر ممكن من التفاصيل عن الخطط والمناهج المعدة لتحقيق أغراض هذا الهدف، وعن جميع الاشخاص المشاركين في هذه المؤامرة القذرة، من كبار المسؤلين في الدولة الى رؤساء الجمعيات السياسية والجمعيات الحقوقية، وبما في ذلك بعض الموظفين العاديين، الذي كان يقودهم جميعا وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس الجهاز المركزي أحمد بن عطية الله ال خليفة، وللافت من كل هده الازمة، إن معظم الجمعيات السياسية المعارضة لم تظهر قدرا من الشجاعة والجذية بخطورة هذه المؤامرة، غير إصدار بيانات الاستياء والتنذيد، ولم يشاهد هناك اية أعمال مثمرة لمواجهة ذلك التحدي الخطير .

القلاع الاخيرة

أن عجز المعارضة البحرينية بفصائلها المختلفة الوطنية منها والاسلامية، قد فتح المجال أمام تيارات ووجوه سياسية جديدة ومستقلة تبرز في الساحة للعب الدور الجديد في مواجهة كل مشاريع السلطة الخاطئة والعقيمة، بحيث اكتسبت هده التيارات وهذه الوجوه، زخما جماهيريا مؤيدا وداعما لها في مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والحقوقية التي طرحتها كبديل عن طروحات المعارضة التقليدية، والتي كانت دائما تشدد على تفعيل حركة الشارع البحريني، من أجل طرح مطالبه العادلة والمحقة باستخدام كافة الوسائل السلمية المشروعة، وأول هده التيارات هي ( حركة الحقوق والديمقراطية – حق – ) الدي يتزعمها الناشط السياسي حسن مشيمع، وهو كان أحد الوجوه القيادية البارزة في الحركة الدستورية البحرينية، التي قادت النضال الوطني في حقبة سنوات تسعينيات القرن الماضي، والنائب السابق لرئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية،، الدي إنشق عنها مؤخرا في أعقاب قبولها خوض انتخابات المجلس النيابي للعام 2006 ، ويشاركه في مجلس قيادة هذه الحركة وجوه قيادية وطنية واسلامية معروفة من أمثال البرلماني السابق والناشط السياسي الحالي علي قاسم ربيعة، والمهندس سعيد العسبول، والمهندس المرحوم هشام الشهابي، والشيخ عيسى الجودر ( وجميعهم كانوا اعضاء فاعلين في لجنة العريضة الشعبية ) التي تصدرت نضالات الانتفاضة الدستورية، ومدير مركز البحرين لحقوق الانسان ( المنحل ) عبدالهادي الخواجه، والعضو القيادي السابق في جمعية الوفاق الوطني الاسلامية، الدكتور عبدالجليل السنكيس، وبالاضافة الى وجود هذا التيار المتحرك الميداني في الساحة، هناك حركة أحرار البحرين الاسلامية، التي لاتزال تتخد من لندن مقرا لها ويتزعمها الدكتور سعيد الشهابي، وتعمل من أجل تغيير الاوضاع السياسية الصعبة في البحرين، من خلال النضال المعارض في الخارج، وقد وصف بعض المراقبون، هذين التيارين الرائدين، بأنهما يمثلان القلعة الاخيرة للمعارضة الثورية البحرينية، حيث أخدت تسعى هده القوى الى إثبات وجودها في الساحة وتبديد الاوهام حول استحالة قيام حركات سياسية واجتماعية جديدة قادرة على شق طريق النضال من أجل تحقيق كافة المطالب الشعبية المشروعة من دون اللجوء الى استخدام وسائل القوة والعنف ومن خلال نضالاتها المستقلة عن مظلة الجمعيات السياسية الخاضعة لانظمة وقوانين السلطة البحرينية الرسمية .

تدابير حريات الرأي والصحافة

رغم التكرار المفرط لتصريحات كبار المسؤلين البحرينيين ، حول توسيع تدابير الحريات في البلاد ، فأن السلطات العامة ، لازالت تنتهك حريات الرأي والتعبير والصحافة بشكل يثير القلق والمخاوف من عودة الماضي القمعي الدي ظل جاثما على رقاب الناس في البحرين على مدى أكثر من ربع قرن من الزمان ، وقد يلاحظ من خلال دلك أنتشار أفراد الامن المكلفة بمراقبة تحركات الناس وسكناتهم خصوصا عندما تكون هناك بعض التظاهرات المطلبية ، والسعي الى اعتقال المواطنين الدين يشتبه بأنهم من ( المخربين أو المحرضين ) على مواجهات السياسات القائمة في البلاد ، وإغلاق بعض المواقع الالكترونية المعبرة عن أفكار وتوجهات المعارصة ، وتمارس نفودا مباشرا على مختلف وسائل الاعلام المكتوبة والمقروئة والمرئية

وضع القيادة السياسية

لازالت الاسرة الحاكمة في البحرين، تهيمن على عمليات صنع قرارات الدولة والمجتمع، وعلى الرغم من كل محاولاتها لتوزير بعض الافراد من خارج محيطها العائلي، فأن غالبية أفرادها يحتلون اليوم أهم المناصب الوزارية والادارية السيادية والحساسة إضافة الى المواقع العليا في مختلف مؤسسات النفع العام في البلاد

وقد حدثت بعض التغييرات الطفيفة الشكلية داخل الجهاز الحكومي الرسمي بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، لم تشمل منصب رئيس مجلس الوزراء خليفه بن سلمان ال خليفه، الدي ظل يحتفظ بهدا اللقب منذ أكثر من 37 سنة، و تضاعف عدد أفراد الاسرة الخليفية في الحكومة الجديدة، كما صدرت في الفترة الاخيرة قرارات ومراسيم ملكية تخول أفراد اخرين من داخل الاسرة المالكة القيام بمهام ادارية عليا في أجهزة الدولة الرسمية، ويظهر من خلال هدا المشهد الراسخ في عقلية الاسرة المالكة نحو حب السيطرة والهيمنة على السلطة والجاه والمال، انها لن تستطيع التخلي بأي حال عن ممارسة نهج الماضي القمعي الدي ساد البلاد في زهاء 230 سنة من الحكم الاستبدادي التعسفي، حتى لو حاولت أن توهم الناس والمؤسسات الديمقراطية والحقوقية الدولية بالكلام المعسول حول إتخادها بعض الخطوات الايجابية في مجال القضايا الامنية والحريات .

الحلقة القادمة .. ندوة شبابية في جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) حول الاوضاع المقلقة في البحرين ومشاهد أخرى

هاني الريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق