ثقافه وفكر حر

صياغة الحياة الإجتماعية بنفس تاريخي للفنان فؤاد الفتيح

صياغة الحياة الإجتماعية بنفس تاريخي للفنان فؤاد الفتيح

اسم العمل : ملكة سبأ .
أسم الفنان : فؤاد الفتيح .
نوع العمل : تقنية متنوعة .
القياس : 45سم x 45سم .
تاريخ الإنجاز : 1996م .

المسح البصري للعمل :

elsadaelfteha
ينبني العمل على وحده كبرى تحتل مركز السيادة في العمل ومحيط بيئي .
بيئة اللوحة :
من خلال الخطاطة نلاحظ أن العمل ينبني على شكل
محدد امرأة على العرش من خلال :
أ – التعيينات .
ب – المحيط البيئي / تجريد .
في الشكل : يلاحظ أن المحمولات التي ينوء بها الحامل
(الشكل في اللوحة ) قد كونت تعالق خاص بها وفق المفردات
والتوزيعات اللونية على سطح العمل الفني .
فمن الناحية المثالية القصدية من الفنان فإن كل عنصر في العمل الفني يؤلف مفردة ضرورية في المعنى ألتشبيهي ، والوظيفي ، والتعبيري ، والجمالي ، وهي العناصر التي تعطي العمل دلالته . فضلاً عن ذلك الشكل ألمؤشري المتمركز في بؤرة العمل والذي يحمل تأشيرات اجتماعية (تقاليد الزي ) وتاريخية بالتموضع على هيئة ملكة سبأ.
إن اللوحة كما موضح من الشكل تبنى على التضاد اللوني (الحار والبارد ) . فالألوان الحارة المحددة في كل جزء من اللوحة تعمل كعلامة أيقونية أيضاً مصاحبة للمرأة والرموز الأخرى فالضوء هنا يعني (حضور ، وضوح ) وعندما تدخل مع المرأة المتمثلة بالتمركز الرئيسي في العمل تصبح امرأة مع الأحمر ( حار ) يعطينا قوة فتصبح شكل تعييني في العمل .
بينما الألوان الباردة تأتي مصاحبة لتجريدات وقاعدة تنبني عليها بعض الرموز الدالة المكملة للشكل ، فالظلال يعني (تخفي ، تشبيح ) بوجود الأزرق كما يعمل على تأسيس أرضية العمل .
على ضوء هذا فأن جميع الأشكال تكون باللون الأحمر في حين تكون قاعدة هذه الأشكال باللون الأزرق وتشكل أرضية اللوحة خلف الأزرق ظلال أسود .
تتجه هذه التعيينات والتأشيرات والسرد الشكلي في بيئة العمل إلى الإفصاح عن مرجعين الأول : اجتماعي يحكي عن الحياة الشعبية اليمنية وبما تزخر بها من عادات وتقاليد وموروثات حضارية متفردة في طابعها وخصائصها وهنا في هذا الجانب يظهر الزي الشعبي للمرأة وما تحمله من تأشيرات .
الثاني : تاريخي يرتكز على الفن اليمني القديم ومفرداته ورموزه باستعارة بعض الرموز التاريخية. فأشكال المرجع الاجتماعي الحاضر هي تلك الأشكال للمرجع التاريخي الغائب ، ما يعني إننا أمام بيئتين في العمل الفني مختلفتين ولكنهما متصلتان .
كل شكل يصاحبه احمر برتقالي يصبح ( تعيين ) .
كل سطح يصاحبه الأزرق يصبح (قاعدة ) .
التعيينات: جسد المرأة والملبس .
الشكل الشبيه بالشمعدان رمز تاريخي من الفن اليمني القديم .
رؤوس الوعوول .
الهلال وقرص الشمس .
جسد المرأة والملبس:
هيئة المرأة تشير إلى استعارة تاريخية تشبه آو تقترب في هيئتها من نساء النحت اليمني القديم بصفاتها الشكلية التي تظهر أعناقها طويلة وعيناها واسعتان والنكهة الملكية في هيئة الجلوس كما يظهر واضحاً في الشكل (1) .

elsadaelftehbشكل(1) نماذج من النحت المجسم من الفن اليمني القديم .

أما الملبس فيشير إلى مرجع اجتماعي حيث أن هذا النوع يميز بعض نساء اليمن من الأرياف وخاصة المناطق الوسطى والجنوبية الغربية ، وتشتهر به بشكل ملحوظ نساء جبل ( صبر ) ونواحي محافظة تعز مثل ( الحجرية ) التي هي مسقط رأس الفنان فؤاد الفتيح . والزي عبارة عن ربطة رأس تتفنن النساء في ربطها وتختلف من ناحية إلى أخرى في محافظة تعز وتسمى باللهجة الدارجة ( المقرمه) ويوضع فيها بعض الورود الطبيعية على شكل حزمه تسمى ( المشقر) ، بالإضافة إلى الفستان المطرز بزخارف كثيفة وأشكال ورود ويطلق عليه ( الزٌنه) ، كما يأتي أخيراً الغطاء الداخلي الذي يتميز باتساعه من أعلى ويضيق في الأسفل ويزين في أسفله بأشرطة من الزخارف التي تصنعها النساء حسبما تريد .
هذه التأشيرات الاجتماعية والتاريخية تعمل على ربط الماضي المغيب بالحاضر الواقع ويذهب بمجملها الفنان إلى تأصيل الهوية وتأكيد الانتماء البيئي ، من خلال هذه المؤشرات يتضح لنا أن الفنان فؤاد الفتيح يبحر في خيال مليء بمخزون صوري تفرضه البيئة الاجتماعية وقراءة تاريخية تجذبه إلى الحنين للماضي فيحاول من خلال هذا تجسيد الماضي بصورة الواقع .
الشمعدان :
شكل يشبه الشمعدان متموضع بشكل سيمتري في زوايا الجزء العلوي من العمل رمز تاريخي له دلاله أيقونية متموضع في إتمام تعالق المفردات في العمل يشير إلى مرجع تاريخي من الفن اليمني القديم كما في الشكل (2) .

elsadaelftehc

شكل (2) رمز من الرموز القديمة في الفن اليمني القديم .

رؤوس الوعوول :
تحتل الجزء العلوي من العرش الذي يشير الى عرش الملكة بلقيس ملكة سبأ .
الهلال وقرص الشمس :
يأتي في وضعية السيمتريه كباقي المفردات المحيطة بالوحدة الكبرى ، وهو يشير إلى رمز ديني تاريخي من الرموز الدينية في الفن اليمني القديم ويسمى (ال مقه ) ، مرجع واقعي تاريخي رمزاً للإله القمر وهو من الرموز التي انتشرت في عدد من الممالك اليمنية القديمة حيث أن
” شكل القمر وهو يحف بقرص الشمس ، لقد أنتشر هذا الرمز قديماً على
معظم الموضوعات الزخرفية ولكنه ظهر بشكل واضح على المباخر
التي كان يحرق فيها البخور كتقدمات للمعابد “( ).
مما سلف نستطيع القول أن هذه الرموز والدلالات من الفن اليمني القديم في مجملها جاءت مصبوغة بخيال الفنان بشكل مؤشري يستعير فيها الصورة الواقعية التاريخية فتتمدد مع خياله لتلبس صوره أخرى من الحياة الاجتماعية التي يعيشها الفنان فتخرج كشكل مؤشري يدفع العمل إلى الارتباط بالبيئة الاجتماعية مع التمسك بالجذور التاريخية ، وأمام هذا الإنجاز الصوري الجمالي يقف اللون والشكل والتعالق البنائي على دفع الشكل نحو التعبير .
وهكذا فإن للفنان فؤاد الفتيح أسلوبية خاصة يتفرد بها في أعماله ومن خلال قانون الإحالة فنحن أمام ما يأتي :
– أشكال تاريخية وواقعية ورموز دينية قديمة.
– تعيينات اجتماعية .
– إحالات بيئية. مرتبطة بالبيئة والفن اليمني القديم.
إن الوضعية التي ركب فيها الفنان فؤاد الفتيح عمله تأتي من حيث الحدث والشكل والصيغة والتعالق المضمن ، وكذلك التعالق والترابط بين ما هو حاضر في الوعي الاجتماعي والقديم في محاولة لصبغ الحياة الشعبية بالنفس التاريخي ، ويأتي هذا العمل في سيادة أسلوب لدى المحترف التشكيلي اليمني يتأرجح مابين الحس الواقعي (الأيقوني) وبين المتخيل .
حيث تتوزع قدرة هذا العمل على الجانبين معاً ، يقوم التسطيح على بنية الكشف في حين يقع الحس البصري الأكاديمي ( الأيقوني) على بنية الغموض ، وهذا ما تفرضه قصدية الفنان في المحاولة لجعل اللوحة تركيباً فريداً يؤسس لنفسه حيزاً في إطار المرجع الجمالي .

مقالات ذات صلة

إغلاق