مقالات

روز اليوسف شعبان

التحدّي والوفاء في قصّة إلاف للكاتبة إيناس صلاح زعبي.
صدرت قصّة إلاف لليافعين، عام 2022 عن دار الهدى كريم للطباعة والنشر، رسومات إلهام المغيث نزال، وتقع القصة في ثلاثين صفحة من القطع المتوسّط.
تتحدّث القصّة عن شيخ أكمه مُقعد جاوز الثمانين، يعيش وحيدًا في دار المسنين، وقد زاد وباء الكورونا من وحدته، فشعر بحزن وأسىً. إلّا أنّ هذا الحزن تبدّد حين ظهرت فجأة أمامه امرأة تدعى مياسين، كان قد تعرّف عليها في شبابه وعملا معًا في مصنع للأقمشة الحريريّة، وارتبطت بينهما علاقة من الودّ والألفة وقد اتفقا على العهد والأمان. وحدث ذات يوم أن تعطّل المصعد الكهربائي حين كانت مياسين بداخله، ورغم فقده لبصره إلا أنه تمكّن من فتح الباب وإنقاذ مياسين.
اتّصف الشيخ في شبابه بالقوة والبأس، فكان يقتحم الحياة بكل قوة على الرغم من عجزه، ومع تقدّمه بالعمر ووحدته التي عانى منها، وتخلّي أصدقاؤه عنه؛ بدأ اليأس يتغلغل إلى قلبه؛ فلجأ إلى بيت المسنين. لكنّ الأمل عاد إليه بقوّة بعد عودة مياسين إليه ووعدها له بعدم التخلّي عنه قائلة له:” سأكون بصرك كما كنت بصيرتي، وسنبدّد عتمة الوحدة معًا” ص 26.

السرد: السرد هو الطريقة التي تروى بها أحداث القصّة وترسم بها شخصيّاتها؛ إذ يسعى من خلالها الكاتب إلى إقناعنا، فنّيًّا، بما حدث،. وقد حرصت الكاتبة أن تكون لغتها أنيقة، رقيقة النسج وموحية، تتوفّر فيها المواصفات الفنّيّة. فنجد فيها الكثير من التأنيس والمجاز مثل:” كانت تلك العصا التي تتفرّس في لُحيظات الفرح والغضب والضحك، كانت ترقب الحديث وتتأمّل الكلام”. ص 8.:” شممت رائحة حضورك” ص 10.:” صندوق يغازل العين ببريقه ويشاغلها” ص 20. ورغم جمال اللغة إلا أن الكاتبة استخدمت العديد من التعابير غير المألوفة، إضافة إلى استخدامها أوصافًا تناسب رجال الحرب أكثر مما تناسب شخصًا أكمه كما في الأمثلة التالية:” مغوار وهو الشجاع المقاتل كثير الغارات، أشوس وتعني شديد المراس في القتال”.


وقد سردت القصّة بلسان مياسين، التي بدأت بوصف الشيخ عندما زارته، فبدأت تسترجع الماضي والأيام الجميلة التي عملا فيها معًا وتوطّدت بينهما عرى الصداقة، كما تخلّل السردَ حوارٌ دار بين مياسين والشيخ الذي ربما تعمّدت الكاتبة عدم إعطاء اسم له. ولربّما في ذلك إشارة لكلّ شيخ عجوز وعاجز يعيش في بيت المسنين وحيدًا.
الزمكان في القصّة: من المعروف أنّ الإنسان يحسّ، تارةً، أنّ الزمن يمرّ ببطء، وتارةً أخرى يحسّ به يمرّ مسرعًا، إنّما الأمر يخضع لحالة الإنسان النفسانيّة. فحالة القلق، مثلًا، تجعل الإنسان يشعر بحركة الزمن البطيئة، وإذا ازداد القلق وبلغ ذروته يشعر الإنسان بأنّ الزمن توقّف.( القواسمة، 2006، ص. 134.). ويبرز البعد النفسانيّ للمكان داخل النصّ، فالمكان ليس أبعادًا هندسيّة وحسب، إنّما هو المكان المصوّر من خلال خلجات النفس، وتجلّياتها، وما يحيط بها من أحداث ووقائع(قاسم، 1984، ص. 84.). في قصة إيلاف يتلاحم الزمان والمكان ، فيغدو الزمان طويلًا مملًّا داخل مكان موحش في دار المسنّين، فالمكان اكتسب أهمّيّة من خلال معايشة الشيخ الأكمه، فغدا هو اللوحة النفسيّة التي عاشها وعايشها الشيخ.

القيم في القصّة: تحتوي القصّة على العديد من القيم التي من المهم إكسابها لأبنائنا منها: التعاون، المحبة، الايفاء بالعهد، مساعدة المحتاج، رعاية المسنين وعدم تركهم في دار المسنين يعانون الوحدة واليأس والحزن.
في الختام يمكن القول إنّ قصة إلاف قصّة زاخرة بالقيم والأمل والتحدّي، مع ذلك فهي تثير العديد من الأسئلة منها مثلًا: إذا كانت مياسين قد تعاهدت هي والأكمه على الوفاء فلماذا اختفت كل هذه السنوات؟ ولماذا ظهرت فجأة فقط عندما تجاوز الثمانين من عمره؟ أين اختفى الإلاف طيلة هذه السنوات؟

مبارك للصديقة العزيزة إيناس زعبي وأجمل أمنياتي لها بدوام الإبداع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق