نشاطات
مقال هام _*تحديات حرية العمل الإستراتيجي ل”إسرائيل”*_
بقلم طاقم معهد السياسات والإستراتيجيات (IPS)/ بقيادة اللواء (احتياط) عاموس جلعاد*
عشية تشكيل الحكومة الجديدة تواجه “إسرائيل” تحديات كبيرة، على رأسها *التهديد الإيراني المتزايد والانفجار السياسي والأمني على الساحة الفلسطينية* ، بالمقابل تتمتع “إسرائيل” حاليًا بأصول إستراتيجية متنوعة مثل العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، إلى جانب العلاقات مع دول السلام والتطبيع، والقوة العسكرية والاقتصادية، ونظام قضائي مستقل وقوي.
وهذه الأصول تنعكس على صورة “إسرائيل” كقوة إقليمية وتسمح لها بالمرونة في ممارسة القوة واستمرار الاستثمار في بناء القوة، بما يحافظ على تفوقها النوعي في مواجهة أعدائها وخصومها في المنطقة، كل ذلك إلى جانب القدرات الاستثنائية للأجهزة الأمنية في إحباط “الهجمات الإرهابية”.
السياسة المتوقعة للحكومة الجديدة – بما في ذلك النية لتغيير التبعية الإدارية لمنسق العمليات في الأراضي الفلسطينية (المنسق)، ولا سيما مسؤوليته من خلال الإدارة المدنية عن الواقع المدني في الضفة الغربية – من المتوقع أن يكون لها عواقب إستراتيجية واسعة النطاق.
أولاً هي تخلق إمكانية زيادة الاحتكاك مع السلطة وإلحاق الضرر بالعلاقة مع الحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والدول العربية.
وهذا في ضوء ما سينظر إليه على أنه تحرك لتغيير الواقع على الأرض وتعزيز عملية ضم أراضي الضفة الغربية عمليًا، وسيؤدي هذا التطور أيضاً إلى إلحاق الضرر بشرعية “إسرائيل”، وتقويض حرية العمل الإستراتيجية والأمنية التي تتمتع بها (بما في ذلك الدعم في العمل ضد القضية الإيرانية) وتعريض إسرائيل لإجراءات قانونية تتخذ ضدها.
*النظام الفلسطيني .. قابلية انفجار أمني وتحدٍّ سياسي قانوني..*
تشكل الساحة الفلسطينية حاليًا التحدي الإستراتيجي الأكبر الذي سيتعين على الحكومة الجديدة التعامل معه بسبب إمكانية الانفجار الأمني (بشكل رئيسي في شمال الضفة الغربية )، والذي يهدد بالامتداد إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية، إلى جانب الأضرار الكامنة في الخطوات السياسية والقانونية.
إن إخراج منسق العمليات في الأراضي الفلسطينية من التبعية المباشرة لوزير الجيش وإخضاع لواء مثله تحت وزير لا يتعلق نطاق مسؤوليته بالأمن؛ قد يؤدي إلى مشاكل تنسيق خطيرة مع القوات الأمنية الأخرى بقيادة الجيش الإسرائيلي وحتى مع السلطة الفلسطينية.
علاوة على ذلك، فإن التحركات التي سيتم تصويرها على أنها تطبيق للقانون الإسرائيلي على المستوطنات – ناهيك عن الترويج لتحركات لحل الإدارة المدنية – ستقوي الادعاءات بأن هذه خطوة لضم غير قانوني وأن المستوطنات تشكل انتهاكًا للقانون الدولي.
أبو مازن، الذي تراجعت مكانته العامة بشكل غير مسبوق، يرى في التوقيت الحالي فرصة للدفع بحملة سياسية وقانونية ضد إسرائيل، وقد انعكس هذا المفهوم في الآونة الأخيرة في الطلبات التي قدمتها السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لإصدار فتوى من محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن “الاحتلال الإسرائيلي المستمر” وفي الطلبات الموجهة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق ضد إسرائيل، بل إن أبو مازن برز الأسبوع الماضي في تصريح له في مقابلة مع شبكة “العربية” قال فيه إنه يفكر في المستقبل العودة إلى الكفاح المسلح.
على مدى سنوات، تمكنت إسرائيل من التعامل مع الإجراءات القانونية ضدها، على أساس أن نظام القضاء الإسرائيلي مستقل ويعمل وفقًا للقانون الدولي، ويُجري تحقيقاته بطريقة موثوقة وموضوعية.
القرارات التي من شأنها الإضرار بهذه الاستقلالية قد ترتد، وتعرض “إسرائيل” وقادتها وجنودها لاتهامات ودعاوى قضائية بسبب “نشاطهم” ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وغزة.
قد تؤدي تحركات إسرائيل ضد الفلسطينيين إلى زيادة معاداة اليهود (التي تزداد هذه الأيام) ضد اليهود في جميع أنحاء العالم وتستخدم كذخيرة من قبل منظمات نزع الشرعية للترويج لتحركات ضد إسرائيل في المؤسسات والشركات الدولية، والعمل على نشر الروايات القائلة إن إسرائيل دولة فصل عنصري وترتكب جرائم حرب.
*إيران – تهديد متزايد*
يتزايد التهديد الإيراني لإسرائيل على جميع المستويات، لا سيما فيما يتعلق بتعزيز المشروع النووي وتحسين القدرات الهجومية في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، في ضوء تطوير التعاون الاستراتيجي مع روسيا في المجالين العسكري والتكنولوجي.
التقديرات الحالية التي تزعم بأن الفترة الزمنية التي تحتاجها إيران لتطوير قدرات نووية عسكرية هي حوالي عامين ربما تكون صحيحة، طالما أن إيران لم تتخذ قرارًا بتطوير مثل هذه القدرات، ومثل هذا القرار إذا تم اتخاذه يمكن أن يقلل بشكل كبير الفترة الزمنية إلى بضعة أشهر.
علاوة على ذلك، فإن تحويل انتباه العالم إلى قضايا أكثر إلحاحًا، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وارتفاع التضخم، إلى جانب المساعدة الإيرانية للجهود الحربية الروسية والأحداث الداخلية في إيران، تخلق واقعًا يكون فيه إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد منخفضة للغاية.
في ضوء ذلك، ودون خلق تهديد حقيقي ملموس، فإن إيران هي التي تمسك الأوراق في يدها فيما يتعلق بمعدل التقدم في المشروع النووي.
*الساحة العالمية.. المنافسة المتزايدة بين القوى..*
نحو عشرة أشهر على اندلاع الحرب في أوكرانيا، وما زالت نهايتها غير وشيكة، رغم المؤشرات الأولى على استعداد الولايات المتحدة وروسيا لفحص إمكانية استئناف المفاوضات.
في الوقت الحالي من الواضح أن الطرفين يستغلان أشهر الشتاء لتحسين مواقفهما وتنظيم أنفسهما استعدادًا لتصعيد محتمل للقتال في الربيع، مع مواصلة جهودهما لإرهاق واستنزاف بعضهما بعضا.
من ناحية أخرى يزيد استمرار القتال من الخوف من سوء التقدير والتحركات المتطرفة من جانب روسيا، في ضوء تلميحات من جانب بوتين فيما يتعلق بإمكانية استخدام الأسلحة النووية، من ناحية أخرى قد تزيد هذه المخاوف فعليًا من رغبة الغرب في البحث عن حل دبلوماسي للأزمة.
تعكس زيارة الرئيس الصيني شي إلى المملكة العربية السعودية وسلسلة الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة خلالها خطوة في العلاقات الثنائية بين البلدين.
فقد أكد السعوديون على الزيارة والترحيب الحار بالرئيس شي (على عكس الاستقبال البارد الذي استقبل فيه الرئيس بايدن قبل حوالي ستة أشهر) فيما يبدو أنه محاولة من بين أمور أخرى لتحدي الإدارة الأمريكية والتلميح بأن الرياض لديها بديل إستراتيجي مكافئ.
كل هذا تعبير عن النظام المعقد للعلاقات الأمريكية مع دول الخليج والتغيرات التي حدثت في السياسة الخارجية للسعودية في السنوات الأخيرة، كما انعكس أيضًا في رفض الرياض المستمر الاستجابة للطلبات الأمريكية للمساعدة في خفض أسعار النفط.
*تداعيات وتوصيات لإسرائيل..*
*–* تبدأ الحكومة المتوقعة ولايتها من نقطة انطلاق ملؤها المخاوف العديدة في العالم والمنطقة فيما يتعلق بالسياسة التي ستتبناها في مجموعة واسعة من القضايا (الفلسطينيين، الأقليات، النظام القضائي، إلخ).
*– سيتعين على الحكومة إظهار الحساسية والحذر في اتخاذ خطوات يمكن أن تضعف القوة السياسية لإسرائيل* وفي جهودها للحد من التحركات ضدها على الساحة الدولية (بشكل رئيسي في الأمم المتحدة والمحاكم في لاهاي)، وتقويض التعاون الأمني والاقتصادي (خاصة مع الاتحاد الأوروبي والدول المعتدلة)، والحد من حرية العمل في المنطقة والحد من قدرتها على تعزيز استجابة شاملة للتهديد المتزايد من إيران.
*– في السياق الفلسطيني* ، وعلى الرغم من المواقف الأيديولوجية الواضحة للحكومة المقبلة، يوصى بأن يُظهر قادتها فهمًا لحساسية وهشاشة الواقع الحالي في الضفة الغربية، والذي يمكن أن يتطور بسرعة إلى تهديد إستراتيجي حاد لإسرائيل، على الأقل في المرحلة الأولى، حيث تُنصح الحكومة بالامتناع عن القيام بخطوات انقلابية خاصة تلك التي من شأنها تقويض مكانة السلطة الفلسطينية وتغيير وجه الواقع في الضفة الغربية.
*–* في هذا السياق، يوصى بشكل خاص بتجنب “العقاب” الاقتصادي للسلطة الذي قد يؤدي إلى مشاركة عامة واسعة في موجة التصعيد المستمرة منذ حوالي ستة أشهر، كذلك، يجب على الحكومة أن تكون حذرة من تعزيز التحركات في المسجد الأقصى، والتي من شأنها أن تكون سلبية بشأن العلاقات مع الدول العربية (خاصة الأردن)، وعلى العلاقات المشحونة من الأصل بين الدولة والفلسطينيين في الداخل.
– *لا بديل للتحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة* ، والقدرة على صياغة استجابة شاملة للتحدي المتزايد من جانب إيران تعتمد بشكل مطلق على التعاون بين الجانبين، وسيتعين على الحكومة العمل بكل الطرق للحفاظ على العلاقات الخاصة وعلاقة الثقة مع الإدارة (على خلفية الترسبات السابقة بين الإدارة الديمقراطية ورئيس الوزراء القادم) واليهود الأمريكيين، وهذا لضمان دعم الإدارة في كبح التحركات ضد إسرائيل في المؤسسات الدولية والساحة القانونية.
*– في ضوء الصراع المتزايد بين الولايات المتحدة والصين وروسيا* ، يُقترح أن تكون ٩الحكومة الجديدة حذرة للغاية في تعزيز التعاون مع الصين، خاصة في السياقات التكنولوجية والبنى التحتية الوطنية، وزيادة الرقابة على المحاولات الصينية للاستحواذ على الشركات الإسرائيلية، *أما روسيا* ، يوصى بأن تستمر الحكومة في الوقوف إلى جانب أوكرانيا وتحويل المساعدة إليها وفقًا للخطوط الحمراء مع روسيا فيما يتعلق بتزويدها بأنظمة الدفاع الجوي.