مقالات
قراءة .. استمرار الدعم الأميركي والاوروبي لاوكرانيا . هل يعني نشوب حرب نووية محتملة تنهي الحياة على الارض ؟ … بقلم :خليل حمد
يوما بعد يوم تزداد المخاوف من نشوب حرب نووية عالمية لاتبقي ولا تذر على وجه الارض الذي قد يعني سيناريو لا يتمنى أحد في العالم حدوثه، وهو اندلاع صراع نووي.اذ لا تبدو في الأفق مؤشرات للحل، بل تزداد الهوة بين الغرب وموسكو، وسط تمسك الطرفين بموقفيهما، ما ينذر بامتداد النزاع إلى ما هو أبعد من الحدود الأوكرانية .
فمنذ بدء العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط والعالم يحبس انفاسه ، في ظل مخاوف متصاعدة من ضغط الكرملين على زناد السلاح النووي وإعادة مآسي الحروب في أوروبا التي ذاقت طعم المرارة في الحربين العالمتين.
موقف مربك وسيناريو سياسي أعيد طرحه على طاولات النقاشات بين قادة العالم منذ إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التعبئة الجزئية لـ300 ألف مقاتل روسي من قوات الاحتياط للدفاع عن الأراضي التي تم ضمها إلى الاتحاد الروسي.
وقال بوتين إن بلاده تمتلك أسلحة دمار شامل مضادة للأسلحة الغربية، مطالبا الحكومة بتوفير أموال لزيادة إنتاج الأسلحة ومنح وضع قانوني للمتطوعين الذين يقاتلون في دونباس.
تصريحات الكرملين تؤكد على أن موسكو لن تستخدم قوتها النووية إلا في حال “التهديد الوجودي”، وهو ما لن يكون مستبعداً إذا استمر الضغط الغربي بالعقوبات الاقتصادية والدعم العسكري لكييف، وكل ذلك يؤدي إلى احتمالية انطلاق حرب نووية قد يجدها بوتين خياره الأخير، وتؤثر في العالم بأكمله. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حذّر من خطر نشوب الحرب العالمية الثالثة، وقال: “إنه أمر حقيقي، لا يمكنك التقليل من شأنه”. وحذر لافروف الغرب من الاستهانة بالمخاطر المتزايدة لحدوث صراع نووي، وقال: إنه يرى أن إمداد حلف الناتو لأوكرانيا بالأسلحة يعني “في جوهره” أن التحالف الغربي ضالع في حرب بالوكالة مع روسيا
لذلك زادت التساؤلات بشأن الآثار المحتملة لاستخدام السلاح النووي، بحيث تشير توقعات العلماء إلى أن ذلك السيناريو قد يصل إلى تهديد الوجود البشري، باعتبار أن التكنولوجيا النووية تقدمت كثيراً عن عصر إطلاق أول قنبلتين ذريتين في هيروشيما وناغازاكي باليابان عام 1945، واللتين تسببتا في دمار هائل ومصرع نحو 200 ألف شخص.
وبحسب موقع “فوكس” الإخباري، فإن قنبلة واحدة ربما تسفر عن 220 ألف قتيل و450 ألف مصاب، وتوقّع ويليرستين أن تخلف الضربة النووية وراءها ما يُسمّى بـ”سحابة الفطر”، ستمتد من مركز الضربة إلى مساحة قطرها 1.2 ميل مربع وتسجّل معدل وفيات يتراوح بين 50 و90 في المئة من السكان نتيجة للآثار الأولية والحادة للضربة، كما ستحدث حالات الوفاة على مدار ساعات إلى أسابيع من وقوعها.
موقع “فوكس” نقل عن ألان روبوك، أستاذ العلوم البيئية في جامعة روتجيرز الأميركية، أن أسوأ الانعكاسات بعيدة المدى هي الدخان الأسود والغبار والجزيئات المختلفة، التي سيحملها الهواء.
وأوضح روبوك أن استهداف المدن والمناطق الصناعية سيؤدي إلى انبعاث كم هائل من الأدخنة نتيجة الحرائق، وستحيط تلك الأدخنة بكوكب الأرض عبر تركزها في الغلاف الجوي، وبتمددها حول العالم ستحجب أشعة الشمس عن أجزاء كبيرة من العالم، ما يؤثّر في الإنتاج الزراعي في العالم ويهدد بحدوث مجاعة خلال أعوام.
متخصصون بالشأن النووي يرون أن قوة بعض الأسلحة النووية حالياً تساوي ثلاثة أضعاف مثيلاتها قديماً، ما يعني أنه لا يمكن مقارنة الدمار المحتمل في عصرنا الحالي بما خلفته قنبلة “الولد الصغير”، وهو الاسم المشفر للقنبلة التي ألقيت على مدينة هيروشيما، أو قنبلة “الرجل البدين” الاسم الرمزي للقنبلة التي أصابت مدينة ناغازاكي، وكانتا سبباً في استسلام اليابان وإنهاء الحرب العالمية الثانية.
ووفق تقديرات الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، فإن معظم الأسلحة النووية الحديثة لدى الولايات المتحدة وروسيا، لديها طاقة تدميرية هائلة تعادل 100 طن من الديناميت، والبعض الآخر يفوق ذلك.
وقدرت منظمة “الحد من السلاح” عام 2020 الرؤوس النووية الحربية حول العالم بما يقارب 13500 رأس نووي، تمتلك روسيا والولايات المتحدة أكثر من 90% منها.
وعلى الرغم من أن موسكو خفضت بشكل كبير مخازن أسلحتها النووية منذ الحرب الباردة، إلا أنها لا تزال تحتفظ بأكبر مخزون من الرؤوس الحربية النووية في العالم. وبحسب تقارير إعلامية، كانت ترسانتها النووية في بداية العام الحالي تبلغ نحو 4 آلاف و447 رأساً حربياً، تم نشر 1588 منها على صواريخ باليستية وقواعد قاذفات ثقيلة، إضافة إلى ما يقرب من 977 رأساً حربياً استراتيجياً آخر، و1912 رأساً حربياً غير استراتيجي في الاحتياط.
ومنذ أزمة خليج الخنازير الكوبي مطلع الستينيات من القرن الماضي، لم يكُن التلويح بالخيار النووي أقرب من الآن، إذ ذكرت موسكو قوتها النووية كخيار محتمل للردّ، كان أبرزها تحذير بوتين شديد اللهجة للغرب عند شن الحرب على أوكرانيا، قائلاً: “أيّاً يكن من يحاول الوقوف في طريقنا، أو الأكثر من ذلك خلق تهديدات لبلدنا وشعبنا، فإنهم يجب أن يعلموا أن روسيا سترد على الفور، وستكون العواقب من نوعية لم تروا مثلها أبداً في تاريخكم كله”. وأتبع ذلك بوضع “قوة الردع النووي” في الجيش الروسي في حالة التأهب، رداً على ما وصفه بـ”الخطوات غير الودية من الغرب” تجاه بلاده.
وفي مارس (آذار) الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن موسكو ستلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية للقضاء على “خطر يشكل تهديداً لوجودها”، ولكنها لن تستعملها في أوكرانيا.
كما حذرت روسيا من أنه إذا انضمت السويد وفنلندا إلى “تحالف شمال الأطلسي” (الناتو)، فسيتعيّن عليها تعزيز دفاعاتها، وأنه لن يكون هناك مزيد من الحديث عن بقاء منطقة بحر البلطيق “خالية من الأسلحة النووية”.
وعلى الجانب الأميركي، قال مدير “وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية” (سي آي أي) وليام بيرنز في وقت سابق من أبريل (نيسان) الماضي، إنه لا يمكن الاستخفاف بتهديد روسيا بأنها قد تستخدم أسلحة نووية تكتيكية أو منخفضة القوة في أوكرانيا، لكن الوكالة لم ترَ كثيراً من الأدلة العملية التي تعزز هذا القلق.
وحذر المفكر الأميركي نعوم تشومسكي من أن استمرار النهج الأميركي في الأزمة الأوكرانية قد يعني نشوب حرب نووية محتملة “تنهي الحياة على الأرض”، وذلك في حوار لصحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية في وقت سابق من أبريل الماضي.
لكن وزير الخارجية الروسي السابق أندريه كوزيريف، استبعد تفكير بوتين في استخدام الأسلحة النووية، إلا في “مواقف محددة للغاية” حال شعوره “بتهديد وجودي” لبلاده أو نظامه، مضيفاً في تصريحات لشبكة “فوكس نيوز” الأميركية، “إذا جاءت قوات الناتو إلى موسكو، فمن المحتمل أن يلجأوا إلى الأسلحة النووية”، مؤكداً أنه “لا يوجد تهديد وجودي لروسيا في ظل الظروف الحالية”.
لكن الحذر من انزلاق الوضع لحرب نووية يدفع دولاً أخرى إلى تكثيف جهود التهدئة، إذ ذكر المستشار الألماني أولاف شولتز أن تجنب امتداد الحرب الروسية في أوكرانيا إلى “الناتو” يمثل أولوية قصوى في سياسته تجاه أوكرانيا.
وقال شولتز في مقابلة مع مجلة “دير شبيغل” الألمانية، “يجب ألا تكون هناك حرب نووية. أفعل كل ما في وسعي لمنع تصعيد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة”. ولم يردّ شولتز على سؤال عما إذا كان لديه انطباع بأن بوتين يمكنه استخدام أسلحة نووية، إلا أنه أشار إلى أن روسيا تواجه صعوبات كبيرة بسبب العقوبات الدولية .
وبعيداً من التخمينات، تحدد وثيقة وقّعها بوتين في يونيو (حزيران) 2020 ومنشورة على موقع الكرملين الرسمي، المبادئ الأساسية للسياسة الروسية بشأن الردع النووي، وذكرت الوثيقة أربع حالات تبرر استخدام السلاح النووي، وهي “إطلاق صواريخ باليستية ضد روسيا أو حليف لها، واستخدام الخصم للسلاح النووي، ومهاجمة موقع أسلحة نووية روسي، أو التعرض لعدوان يهدد وجود الدولة”.
وتذكر الوثيقة المخاطر العسكرية الرئيسة، التي يجب تجنبها عن طريق تنفيذ الردع النووي، ومنها حشد عدو لقوات تمتلك وسائل إيصال أسلحة نووية داخل أراضي الدول المتاخمة لروسيا وحلفائها، وكذلك “نشر الدول التي تعتبر الاتحاد الروسي عدواً محتملاً أنظمة ووسائل دفاع صاروخي، أو صواريخ كروز وباليستية متوسطة وقصيرة المدى، أو أسلحة غير نووية عالية الدقة وتفوق سرعة الصوت، أو طائرات من دون طيار، أو أسلحة للطاقة الموجهة”.
وحددت الوثيقة شروط استخدام الأسلحة النووية من قبل موسكو، وهي وصول معلومات موثوقة عن إطلاق صواريخ باليستية ضد أراضي الاتحاد الروسي أو حلفائه، استخدام الأسلحة النووية أو الأنواع الأخرى من أسلحة الدمار الشامل من قبل أحد الخصوم ضد الاتحاد الروسي أو أحد حلفائه، مهاجمة أحد الخصوم لمواقع الاتحاد الروسي الحكومية أو العسكرية المهمة التي قد يؤدي تعطيلها إلى تقويض أعمال رد القوات النووية، الاعتداء على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية في الوقت الذي يكون وجود الدولة في خطر.
كما أجازت الوثيقة في حالة الضرورة إبلاغ القيادة العسكرية والسياسية للدول الأخرى أو المنظمات الدولية باستعداد موسكو لاستخدام الأسلحة النووية. ووفقاً لوثيقة “المبادئ الأساسية للردع النووي”، يتولى رئيس روسيا التوجيه العام لسياسة الدولة في مجال الردع النووي، وهو المكلف اتخاذ قرار استخدام الأسلحة النووية.
وأوضحت الوثيقة أن السياسة العامة للدولة طبيعتها دفاعية تهدف إلى ضمان حماية السيادة الوطنية ووحدة الدولة وردع أي خصم محتمل ومنع تصعيد الأعمال العسكرية وإنهائها بشروط مقبولة لدى الاتحاد الروسي وحلفائه.
عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني