مقالات

الخط الدولي للتاريخ بقلم أ.د. عبد الحفيظ الندوي

هل سمعتم عن جزر ديوميد؟ إنهما جزيرتان تقعان في دولتين مختلفتين، وبينهما خطوة واحدة كفيلة بإعادتك يوماً كاملاً إلى الوراء!

تُعدّ جزر ديوميد، الواقعة في مضيق بيرينغ بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، من أعجب الظواهر الجغرافية الخفية على وجه الأرض. يفصل بين الجزيرتين مسافة لا تتجاوز 2.4 ميلاً بحرياً (نحو 3.9 كيلومترات)، ورغم هذا القرب الشديد، فإن اجتياز هذه المسافة القصيرة يُنقلك إلى قارتين مختلفتين، ودولتين متباعدتين، ومنطقتين زمنيتين تفصل بينهما يومٌ كامل!

الجزيرة الأكبر تُعرف باسم ديوميد الكبرى (جزيرة راتمانوف)، وهي تابعة لروسيا، أما الجزيرة الأصغر فهي ديوميد الصغرى (جزيرة كروسنسترن)، وتتبع الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي فصل الشتاء، حين يتجمّد مضيق بيرينغ وتتغطى مياهه بالجليد، يتشكل جسر طبيعي مؤقت من الجليد بين الجزيرتين، وقد استغل بعض المغامرين هذا الجسر في الماضي لعبور المسافة مشيًا على الأقدام من جزيرة إلى أخرى.

إلا أن أكثر ما يثير الدهشة في هذه الظاهرة هو مرور الخط الدولي للتاريخ (International Date Line) بين هاتين الجزيرتين. فهذا الخط الوهمي هو ما يُحدّد تغير التاريخ عند الانتقال من منطقة زمنية إلى أخرى.

فمن يسير من ديوميد الصغرى (التابعة لأمريكا) إلى ديوميد الكبرى (التابعة لروسيا)، كأنما يعود يوماً كاملاً إلى الوراء! فإن كان اليوم الجمعة في ديوميد الصغرى، فهو الخميس في ديوميد الكبرى، والعكس صحيح؛ فالعودة من روسيا إلى أمريكا تُضيف يوماً كاملاً!

ورغم أن الأمر لا يعدو كونه فارقاً زمنياً تحدده السياسة والجغرافيا، إلا أنه يذكّرنا بشكل رائع بمدى غرابة تقسيمات الزمن والمكان على كوكبنا.

إن جزر ديوميد تمثّل واحدة من عجائب الجغرافيا الزمنية، حيث يمكن للمرء أن يعيش فارق يوم كامل بخطوة واحدة فقط، وكأن الزمن لعبة تتسلى بها الطبيعة.

فإن سنحت لك فرصة السفر إلى ألاسكا يومًا ما، فلا تنسَ أن تزور هذه البقعة العجيبة، فربما تُتاح لك تجربة فريدة: أن تخطو خطوة واحدة فقط… فتعود يوماً كاملاً إلى الماضي!

إغلاق