اخبار العالم العربي
ندوة اللغة العربية توصي بالمحافظة على سلامتها في مواقع التواصل
- د. عيسى الحمادي: استخدام اللغة السليمة واجب على الجميع
- د. محمد صافي المستغانمي: اللغة على «المواقع» تحتاج إلى علاج
- د.عواد الخلف: اللغة جمعت العرب في الفخر شعراً ونثراً
- د. إدريس ولد عتية: «المواقع» إعلام بديل اخترقت جميع البيوت
- د. مريم الهاشمي: اللغة تتآزر مع قوة الشاشة في برمجة التصورات
- د. بديعة الهاشمي: المواقع تضمن وصول المعلومات إلى أكبر شريحة
- د. محمد القضاة: نحتاج لإعادة النظر في التعامل بشكل علمي ومعرفي
- أمل فرح: 136 مليون مشارك على مواقع التواصل في الوطن العربي
- د. الرشيد بوشعير: «العربية» تعاني أزمة الوهن في جميع الميادين
- د. لطيفة الحمادي: وسائل تكنولوجيا الاتصال أثرت في جميع مناحي الحياة
أوصت ندوة مركز الخليج للدراسات عن «حال اللغة العربية على مواقع التواصل» بضرورة وضع ضوابط لما بات يعرف باللغة الثالثة (ما بين الفصحى والعاميات)، ونهوض مجامع اللغة العربية بدورها الحقيقي وإطلاق حملات إعلامية عبر وسائل التواصل تحث على الاستخدام السليم للغة.
وأكد المشاركون أن هناك أموراً كارثية تتعرض لها اللغة العربية في مواقع التواصل، على صعيد التراكيب والقواعد النحوية وكذلك القواعد الإملائية السهلة. فالحرف المضموم في نهاية الكلمة تكتب بعده واو، والتنوين يكتب نون، وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي لا يتسع المجال لذكرها، ما يستوجب وجوب الأخذ بمبادرات لحفظ لغتنا وحمايتها من العابثين، وإيجاد سبل لتعليم غير العارفين بها وبقواعدها.
المقارنة مع اللغات
في بداية الندوة، رحب د. عيسى الحمادي، مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بالحضور، وذكر أنه عند تناول حال اللغة العربية على مواقع التواصل، تتعدد المداخل التي يمكن عبرها الولوج إلى الموضوع. يمكن الحديث ابتداء عن أعداد الحسابات باللغة العربية على تلك المنصات الرقمية مقارنة بغيرها من اللغات. والعدد في حد ذاته قد يعطي مؤشراً على مدى انتشار استخدام الإنترنت عموماً، ومن ثم مواقع التواصل بين المواطنين العرب. وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال أن الكثير من الجهات الرسمية في الأقطار العربية لها حسابات على تلك المنصات، وغيرها من الجهات غير الرسمية. أي أنه كما توجد حسابات فردية لأشخاص فإن هناك حسابات لمؤسسات عربية رسمية كانت أم غير رسمية، فماذا عما تحتويه تلك الحسابات الناطقة باللغة العربية؟ هل يستخدم أصحابها والقائمون عليها لغة عربية سليمة عند الكتابة؟
وقال إن المتابع لمواقع التواصل، أو بعضها على الأقل سيلاحظ ابتداء أن هناك حسابات عربية كثيرة اختار أصحابها لها مسميات أو حروفاً أجنبية رغم أنهم يكتبون بالعربية. وهنا قد يقول بعضهم «الجواب باين من عنوانه». لكن قد لا يبدو الأمر كذلك. فهناك حسابات من هذا الصنف تجد مضمونها النوعي واللغوي رائع. وذلك لأن أصحاب هذه الحسابات من ذوي التخصص والخبرة. ومن ثم فما يكتبونه- سواء عاما أو متخصصا- مدقق من حيث المعلومة والاستنتاجات وسليم من حيث الأسلوب اللغوي وقواعده.
وقال الحمادي: قد يقول بعضهم إن هؤلاء شريحة ضئيلة. وهم بالفعل كذلك إذا ما نسبوا إلى إجمالي أعداد مستخدمي مواقع التواصل العرب. لكن هل كل ما عداهم على النقيض منهم من الناحية اللغوية؟ هنا يلاحظ وجود منحنى يتضمن درجات متفاوتة من مستويات الكتابة. فهناك من يحاولون الكتابة بالفصحى السليمة. منهم من ينجح ومنهم من يفشل، والنجاح والفشل نسبي، وبدرجات متفاوتة. وهناك من يكتبون بالعاميات العربية. ربما تكون بعض الأخطاء اللغوية التي يصادفها الكثير من المتابعين على مواقع التواصل، بسبب السرعة في الكتابة أو بسبب بعض الأمور الفنية عند الضغط على لوحات المفاتيح. وبعضها يكون ناتجاً عن النقل دون تروٍ أو تدقيق فيما يمكن تسميته بالإضافات الجاهزة، حيث يعمد صاحب الحساب إلى نقل جملة أو فقرة كما هي، دون أن يكلف نفسه عناء النظر إليها من الناحية اللغوية.
إذا كان البحث منصباً على المحافظة على سلامة اللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي فهل تكون البداية من مواقع التواصل الاجتماعي أم من البيئة التي أنتجت مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل الأمر في حاجة إلى تشريعات وتوجيهات وإرشادات؟ هل يمكن أن يكون هناك نوع من الرقابة اللغوية؟ وما الجهات التي يمكنها القيام بها؟ آن للجهات المسؤولة أن تستخدم مواقع التواصل التواصل ذاتها للتوعية بأهمية سلامة اللغة حتى ولو كانت على تلك المواقع؟
تلك الأسئلة وغيرها تحاول هذه الندوة البحث في إجابات عنها عبر المحاور الآتية:
الأول: الحضور العربي الكمّي على مواقع التواصل.
الثاني: واقع الأداء اللغوي العربي على مواقع التواصل.
الثالث: نحو تحسين المضمون العربي على مواقع التواصل.
الحضور العربي الكمي
قال د. إدريس ولد عتية، أستاذ اللغة العربية بالجامعة القاسمية، عضو اللجنة العليا لاعتماد المعجم التاريخي للغة العربية: إنه لا يمكن اجتزاء الحضور الكمي المعرفي لمواقع التواصل من واقع اللغة العربية، فهي انعكاس لها، فمواقع التواصل أصبحت إعلاماً بديلاً فرض نفسه واخترق جميع البيوت ويمثل البوابة الأولى للفصحى.
وما زالت الإنجليزية هي المسيطرة من حيث الحضور الكمي والمعرفي في الفضاء الإلكتروني، فالحضور الرقمي للغة العربية على الشبكة العنكبوتية ما يزال ضئيلاً إذا ما قيس بمدى تطلعنا إلى أن تتخذ العربية مكانتها التي هي جديرة بها (تتوزع هذه النسب ببن تربع الإنجليزية على عرش الفضاء الافتراضي (ما يقارب نسبة خمسين في المئة) ببنما تتقاسم اللغات الأخرى بما فيها العربية النسب المتبقية بطريقة متفاوتة.
وأكد أن الله حبا العربية مكانة علياء بنزول القرآن الكريم بها واستعراض ماضيها الحضاري واستشرافاً للسبل الكفيلة بإنهاضها ولعل من أبرزها: دخولها الخضم الزاخر للعالم الافتراضي وتحديداً للإعلام البديل (فيسبوك، تويتر، إنستجرام، يوتيوب) ونظراً لأنه بات يفرض نفسه ويدخل كل بيت دون استئذان وأصبح وسيلة للتواصل بكل أنواعه؛ ومع ميل كثير من مرتاديه العرب خاصة الشباب صار منصتهم الإعلامية وبدا هؤلاء ميالين في معظمهم إلى استعمال اللهجات العربية في المشرق والمغرب العربيين ممزوجة ببعض اللغات الأجنبية (الإنجليزية في المشرق والفرنسية في المغرب)؛ مما أوهن اللغة العربية وضيق مجالات استعمالها؛ فصار لزاماً على الغيورين عليها اقتراح ما يمكن أن يسهم في تخطي العربية لهذه الصعاب والعقبات.
إشكالية اللغة
ذكرت د. مريم الهاشمي أستاذة الأدب والنقد بكليات التقنية العليا: أن حضور إشكالية اللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي ليست جديدة، كنا نطالب بالحفاظ على اللغة العربية، اليوم أصبحنا نطالب بالحفاظ على اللغة واللهجات العربية. فاللغة أخطر النعم، ومع عصر ثقافة الشاشة اتسعت درجات استخدام اللغة لتكون مظهراً كونياً يشترك فيه الكل مع الكل – كما يقال – ولم يعد محدداً في بيئة تواصلية مؤطرة، ونلحظ أن اللغة اليوم تتآزر مع قوة الشاشة في برمجة التصورات الذهنية وتسهيل تغلغلها في الأبصار والأسماع والأذهان، لتتعمق التصورات إلى أن تتحول إلى العادي والطبيعي، كما هو حال كثير من الموضوعات ومنها اللغة الآنية وما وصلت إليه من تغير.
وأكدت أن اللغة علامة ثقافية زمنية مهمة، ولكن مع هذا الضخ المتصل خلال ثقافة الشاشة فقدت اللغة قدراتها الحقيقية ومكانتها المثلى كأكبر عناصر الهوية. وحين نتناول قنوات التواصل الاجتماعي فإننا نتحدث عن عناصر ستة رئيسية: المرسل – المرسل إليه – الرسالة – السياق – الشفرة – أداة الاتصال، وتختلف وظائف اللغة تبعاً للتركيز على أي عنصر من العناصر، ولكن في وسائل التواصل أمكن التركيز على العناصر مجتمعة في آن واحد، ما جعل الوظيفة اللغوية كلها تجتمع في تفاعلية واحدة ومباشرة، فيحضر المرسل والمستقبل ويحضر السياق ومعه الشفرة عبر أداة اتصال ماثلة ومشتركة بين الكل وتكون الرسالة كذلك مشتركة التكوين والتأليف.
وقالت د. مريم الهاشمي: بسبب هذه المزية تحديداً تتصدر وسائل التواصل واجهة الحدث اللغوي البشري ولكن تضيع سلطة المرسل على نصه، وتضيع قيمة اللغة كذلك إن كانت اللغة المستخدمة تعاني الوهن والركاكة. لا يمكننا أن نغفل أو أن نشيح عن دور وقوة تأثير حضور قنوات التواصل الاجتماعي في المجتمعات العربية، وهي ما تهمنا في الأساس، ولا يمكن كذلك أن لا نلتفت إلى تأثير هذه المواقع على تشكيل اتجاه الرأي العام، وإن مواقع التواصل من أحدث المنتجات الإعلامية التي أفرزتها تكنولوجيا الاتصال وأكثر شعبية، وكان تأسيسها في حقيقته للتواصل الاجتماعي بين الأفراد في الأساس، وإن واقع التواصل، كونه نوعاً من الإعلام الجديد قد فرض نفسه بقوة داخل مجتمعاتنا العربية، بل والمجتمع الإنساني بصفة عامة، لتصبح شبكات مجَّانية متاحة لكل شرائح المجتمع.
التعليم على شبكات
وقال د. محمد القضاة، أستاذ اللغة العربية بجامعة الشارقة: إن وسائل التواصل تقوم بدور واضح وكبير في حياة المجتمع والأفراد خاصة في ظل جائحة «كورونا» وما شاهدناه إلى اتجاه للتعليم على شبكات التواصل والتعليم المختلفة التي تحتاج منا إلى إعادة النظر إلى كيفية التعامل معها بشكل علمي ومعرفي أقوى، خاصة ونحن نتعامل باللغة العربية التي هي هوية الأمة، والوعاءُ الذي يحوي حضارَتَها وفكرَها وتراثها؛ إذ هي هوية الأمةِ، ولها في أعناقنا دين لا بدّ لهُ منَ الوفاءِ، وإنَّ بعض الوفاءِ يفرض علينا جميعًا أن ننهضَ بها.
وأضاف القضاة: يجبُ إيلاءُ اللغةِ العربيّةِ التي ترتبطُ بتاريخِنا وثقافتنا وهويتِنا كلَّ اهتمامِنا ورعايتِنا؛ بحيثُ تعيشُ معَنا في مناهجِنا وإعلامِنا وتعليمِنا – كائنًا حيًّا ينمو ويتطوّرُ ويزدهرُ، ويكونُ في المكانةِ التي يستحقها جوهرًا لانتمائِنا القوميّ؛ حتى تكونَ قادرةً على الاندماجِ في سياقِ التطوّرِ العلميِّ والمعرفي، لتصبحَ أداة من أدوات التحديثِ ودرعًا متينةً في مواجهةِ محاولات التغريب والتشويش التي تتعرض لها ثقافتنا؛ خاصة أن المشكلات التي تعترض طريق اللغة العربية كثيرة، غير أن أكثرها خطراً أبناؤها الذينَ تزعزعتْ ثقتهُم بلغتهم، وقل اعتزازهم بموروثهِم الثقافي والحضاري، مما يعني أن اللغة العربيةَ لن تتمكن من استعادةِ دورها إلا إذا استعاد أبناؤها دورهم، واستعادوا إدراكهم ووعيهم لأهميتهم في هداية العالم وتحقيق سلمه ورخائه.
136 مليون مشارك
أشارت أمل فرح، كاتبة أطفال وخبيرة تربوية إلى أن عدد المشاركين في وسائل التواصل الاجتماعي من الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة نحو 136 مليون مشارك، ما يوازي 53% من عدد سكان الوطن العربي، والمتوسط الرقمي لحضور المواطن العالمي على شبكات التواصل يحدد بنحو 3 ساعات، ولكن في الوطن العربي يتخطى 6 ساعات، خاصة للشريحة العمرية من 16 – 60 عاماً.
وهذا يعني أن الحضور الكمي كبير وفارق ويأكل من زمن وعمر الفرد العربي إذا لم يُتَح استخدام هذا الزمن لصالح الثقافة العربية، سواء من حيث استخدام اللغة العربية الفصحى أو العامية في الممارسة اليومية. ويمكن أن تكون نقطة قوة لنشر اللغة العربية إذا تم تبني مبادرة مثلاً «أنا عربي.. اكتب بالعربي».
إلا أن الإسهام العربي في مواقع التواصل أظهر جوانب عديدة من التأثير، وهذا الفارق العربي أظهر للمجتمع العربي أن المواطن العربي حاضر ومسهم بالمعرفة إلى حد كبير، ودخول العرب في المجتمعات الغربية والتعبير عن الذهنية العربية حتى ولو باستخدام لغة الآخر يدفع المجتمعات الغربية لتعلم العربية.
وأضافت أنه لا تتوفر الأرقام الصحيحة لمستخدمي شبكات التواصل باللغة العربية إلا من المواقع الأجنبية، ونحن بحاجة إلى مؤسسات داعمة للحس الرقمي في زمن الرقمنة، بحاجة لمعرفة عدد وأرقام وتصنيفات استخدام اللغة العربية على مواقع التواصل والشرائح العمرية الأكثر استخداماً ليصب في صالح دعم اللغة العربية.
الواقع اللغوي
أكد الدكتور محمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة أنه ليس لديه إحصائية عن مدى الحضور العربي على مواقع التواصل، إلا أن الواقع اللغوي على وسائل التواصل يحتاج إلى علاج، لا يستعمل اللغة السليمة الفصيحة التي هي الهدف المنشود المراد الوصول إليه، فاللغة المستعملة فيها الكثير من الأخطاء اللغوية والصوتية وركاكة الأسلوب، وهذا في الغالب.
لذا لا بدّ من إيقاظ الضمائر للعودة وتحسين اللغة العربية على مواقع التواصل وهذا دور جميع مؤسسات التنشئة من أسرة ومدرسة وإعلام، فاللغة من ثوابت الهوية والانتماء يقتضي إتقان اللغة، وللحفاظ على هذا الانتماء لابد من التحدث بلغة سليمة صحيحة سواء الفصيحة أو العامية.
وقال المستغانمي: من الضروري زرع الوعي بأهمية اللغة بين الشرائح العمرية المختلفة، وبث هذا الوعي بينهم لنجد مستقبلاً من يردها إلى أصلها فالشاب يتعلم ممّن في مثل سنّه ويحثه على التواصل (فالخليل بالخليل يقتدي).
من المهم تطوير مدققات لغوية إلكترونية، فلدينا تأخر في حوسبة اللغة ومعالجتها فمختلف اللغات لديها تطورات تكنولوجية، إلا أن العربية تعاني كثيراً إلكترونياً والقارئ الآلي يعجز أمام التشكيل اللغوي العربي مما يحتاج إلى تطوير تقني.
وأكد أن المجامع اللغوية أصدرت الكثير من المعاجم المتخصصة ولكن المشكلة تكمن عند الانتقال من التنظير إلى التطبيق.
الإعلام الجديد
أكدت د. بديعة خليل الهاشمي، أستاذة اللغة العربية وآدابها بجامعة الشارقة أن مواقع التواصل أصبحت جزءاً لا يتجزأ مما يطلق عليه اليوم بالإعلام الجديد، وهو ما يقابل الإعلام التقليدي المتمثل في الإذاعة والتلفاز والصحافة. والحديث عن واقع اللغة العربية في تلك المواقع حديث ذو شجون، لأنها أصبحت لصيقة الصلة بحياة الناس اليومية، ومن الفئات العمرية كافة. فأعداد المشتركين فيها أصبحت تقدر بمئات الملايين، وهي الوسيلة الأسهل والأسرع للتواصل وتبادل المعلومات والصور والأحداث فور وقوعها. فضلاً عن أن أغلب المؤسسات الرسمية سواء التابعة للقطاعات الحكومية أو الخاصة أصبحت تعرف عن أنشطتها وفعالياتها وأخبارها عن طريق تلك الوسائل، التي تضمن وصولها إلى أكبر شريحة في المجتمع بأسرع وقت وأقل جهد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المحتوى الرقمي على «الإنترنت» لا يقصد به المحتوى النصي المكتوب باللغة العربية فحسب، إنما يشتمل كذلك على المحتوى السمعي المسجل بها، والبصري المرئي. ولكن – وللأسف – فإن أغلب الدراسات والأبحاث ما زالت تشير إلى أن هذا المحتوى يعد ضعيفاً إذا ما قيس بالمحتوى الرقمي باللغات الأخرى كالإنجليزية أو الفرنسية مثلاً، وذلك على صعيدي الكم والكيف على السواء.
وأشارت إلى أنه عند رصد صور استخدام اللغة العربية في مواقع التواصل باستقراء حسابات رسمية وغير رسمية عبر منصات: «تويتر»، و«فيس بوك»، و«انستغرام»، و«يوتيوب»، و«سناب شات»، و«واتساب» سنجد أن:
1 – العربية الفصيحة الصحيحة السليمة، إلا من بعض الأخطاء الطباعية غير المقصودة، التي قد تكون ناتجة عن السرعة في الكتابة أو عدم المراجعة والتدقيق، وأغلبها في حسابات رسمية: الشخصية، أو الإخبارية، أو الثقافية، أو الأدبية، وغير الرسمية لمهتمين باللغة العربية ومجيدين لها من النخب المثقفة
2 – العربية الفصيحة التي تشتمل على أخطاء لغوية قليلة، قد لا ينتبه إليها غير المتخصص، وهي متوزعة على بعض الحسابات الشخصية والرسمية.
3 – العربية الفصيحة التي تمتزج باللهجات المحلية، وهي كثيرة تظهر في أغلب الحسابات غير الرسمية، في التواصل ما بين الأصدقاء على سبيل المثال.
4 – الفصيحة المختلطة بكلمات أجنبية، سواء أكانت مكتوبة بحروف عربية أم لاتينية، وهي الأكثر استخداماً في كتابات الشباب والناشئة. وفيها إشارة غير مطمئنة.
5 – العربية وغالباً ما تكون باللهجات العامية المكتوبة بالحروف الإنجليزية (العربيزية)، وتشير إلى افتقار كبير لدى مستخدميها في القدرة على التعبير باللغة العربية، فضلاً عن عدم تفضيل حروفها واستبعادها المقصود من قبلهم.
وأضافت أن أشكال الأخطاء اللغوية المرتكبة في حق لغتنا العربية في تلك المنصات تتمثل في: أخطاء إملائية لا تفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع، أو بين الهاء والتاء المربوطة، أو بين الألف الممدودة والمقصورة، أو بين حرفي الضاد والظاء أو الهمزات المتوسطة والمتطرفة وغيرها. أخطاء نحوية. الخطأ في نطق الكلمات وتركيب الجمل.
أزمة الوهن
أثنى الدكتور الرشيد بوشعير، أستاذ العربية وآدابها بجامعة الوصل على مبادرة مركز الخليج للدراسات لعقد هذه الندوة التي تعبر عن الغيرة على اللغة العربية والحرص على حضورها اللائق في كل المجالات، وأكد أن هناك حقيقة أن العربية تعاني أزمة الوهن في جميع الميادين، وخاصة في هذا العصر الذي استفحلت فيه سطوة اللهجات العامية ورياح اللغات الأوروبية والآسيوية، فقد بات من المسلم به أنه كلما اختلطت المجتمعات بعضها بعضاً تأثرت لغاتها ولهجاتها وفقاً لدرجة الاختلاط وملابساته ومدته الزمنية، وقد اختلط العرب قديماً بمختلف الشعوب نتيجة للتجارة والرحلات ونتج عن ذلك تسرب الكثير من المفردات الفارسية والحبشية والسريانية والكردية وغيرها من اللغات، واتسعت دائرة الدخيل إلى اللغة خاصة ما ارتبط بالماديات والمأكولات والمشروبات.
وأضاف أنه في العصر الراهن فإن هذا الاختلاط لم يعد واقعاً اجتماعياً فحسب، وإنما أصبح واقعاً افتراضياً، بما وفرته وسائل الاتصال المختلفة من تكنولوجيا وإعلام فهي طبيعة العصر والعولمة التي لا مفر منها، ولكن يمكن الحد نسبياً من استفحال هذه الظاهرة ببعض الإجراءات منها: فتح جوائز سنوية للمواقع التي تحرص على الاستخدام الصحيح للغة العربية، انتقاد المواقع غير الملتزمة لغوياً، تشجيع المؤسسات الثقافية والفكرية والاجتماعية على إنشاء مواقع رصينة، حرص المؤسسات التعليمية والأكاديمية على توجيه الطلاب لاستخدام مواقع التواصل الرصينة.
مناحي الحياة
ذكرت د. لطيفة الحمادي، أستاذة اللغة العربية وآدابها بجامعة الوصل أن وسائل التواصل تعد من أهم وسائل تكنولوجيا الاتصال التي أثرت في مناحي الحياة البشرية كافة، فمواقع التواصل الاجتماعي أضحت ظاهرة جديرة بالاهتمام لما أحدثته من تغيير ليس على مستوى كيفية تواصل البشر فحسب، بل في اللغة التي يستخدمونها للتواصل، وهذا ولد اهتماماً أكاديمياً بآثار الوسائط التكنولوجية في اللغة العربية، وأدى إلى تركيز الأبحاث التي تصف هذا التغير.
ولغة مواقع التواصل تتطور يومياً، وتؤثر في اللغة العربية، وهذا شكل منطلقاً لظهور لغة إعلام جديد لغة ثالثة هجينة، انتشرت انتشار النار في الهشيم عبر وسائط الإعلام الاجتماعي خاصة تلك الأكثر انتشاراً واستخداماً مثل «فيس بوك» و«تويتر»، وهي لغة ذات مصطلحات خاصة تختلط فيها اللغة الأجنبية باللغة العربية، وقد عرفت لها امتداداً داخل الدول العربية وخارجها، وخطورتها تكمن في أنها حلت محل اللغة العربية الفصحى بكل ما فيها من ابتذال ونواقص، وكما يرى أحد الباحثين فإننا: « قد نجد أنفسنا مضطرين للتنازل للغة ثالثة لا يعنيها البيان بل التبيين، ويلحن الناس فيها..»، والخطورة الأكبر أن تلك اللغة الثالثة بذلك تكتسب (مشروعية الاعتماد) ويخلو لها المجال لتعبث في أصالة اللغة العربية.
ضعف الحاسة اللغوية
وأكدت أن هناك بعض الجوانب الإيجابية في لغة الإعلام الجديد أبرزها: زيادة الوعي بالأخطاء، والمساعدة في منعها. وتمييز الكتاب الجيدين. وتسليط الضوء على الكتابة القصيرة. وتوليد معانٍ وكلمات جديدة: نشأت في كثير من الكلمات الجديدة عبر وسائل الإعلام، فلماذا لا نطبق الأمر نفسه على صعيد اللغة العربية.
الثوابت والأصول
أكد الدكتور عواد الخلف، القائم بأعمال مدير الجامعة القاسمية أن المتأمل في تاريخ الأمم والمجتمعات وتعاقب الحضارات يجد أن اللغة واللسان من أهم الثوابت والأصول وسبب النشأة، والأمة العربية لديها أفضل لغة وهي اللغة العربية التي تعد أصل ثابت وبيان وتبيين، ومع اختلاف العرب في الجاهلية إلا أن أواصر الفصاحة واللغة هي من جمعتهم في الفخر والهجاء والمدح شعراً ونثراً في مختلف المنتديات.
وللغة العربية حق علينا، ولا بدّ من التفريق بين كمّ المحتوى العربي في وسائل التواصل، وكمّه في الشبكة العنكبوتية ككل، فوسائل التواصل جزء من كل، وإن كان كمّاً متواضعاً إلا أننا لا بدّ أن نفرق بين الكمّ المستخدم ونسبة الاستخدام، وكيفية الاستخدام فقد تكون هناك دولة أعلى استخدام لوسائل التواصل، ولكن محتواها المعرفي والكمي ضئيل أو محدود.
وأشار إلى أن مواقع التواصل نشأت منذ التسعينيات عندما بدأت الشركات تبحث عبر الإنترنت عن شبكات التواصل، ومنها ما هو مسموع ومدوّن، إلا أن ما يجمع المشاركين هدف معرفي محدد وقد يكون هدفاً ذا حدين. ومن فوائدها تجاوز الحدود وجمع عدد كبير في آن واحد، ولكن استخدامها بهذه الكثرة قد يكون له أثر سلبي نابع من اختلاف المستوى التعليمي للمستخدم.
وأكد أن هناك تفاوتاً في أساليب الاستخدام ما ينتج عنه كثير من مظاهر الضعف اللغوي في كثير من المواقع، وإن كان البعض يجيد اللغات الأخرى فهذا ليس عيباً ولكنه ميزة، ولكنه أن يتقن لغته العربية ولا يخلق ازدواجية في اللغة فنجد لغة هجينة ودخيلة على مجتمعنا.
وأشار د. عيسى الحمادي إلى دور المنصات العربية في ظل جائحة كورونا، وأهمية عقد دورات تدريبية لتعليم اللغة العربية، وأن مجمع اللغة العربية في الشارقة توج المكتبة العربية بقلادة ثمينة وإنجاز ثري وهو «المعجم التاريخي للغة العربية» والذي يسهم في توضيح المفاهيم اللغوية ويؤصلها.
كما أصدرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) عدة معاجم مختصة لمختلف المصطلحات العلمية والتربوية وهذه إنجازات مهمة وضرورية لدعم اللغة العربية.
المشاركون:
د. محمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة
د. عواد الخلف، القائم بأعمال مدير الجامعة القاسمية
د. محمد القضاة، أستاذ اللغة العربية بجامعة الشارقة
د. إدريس ولد عتية، أستاذ اللغة العربية بالجامعة القاسمية، عضو اللجنة العليا لاعتماد المعجم التاريخي للغة العربية
د. الرشيد بوشعير، أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الوصل
د. مريم الهاشمي، أستاذة الأدب والنقد بكليات التقنية العليا
د. بديعة الهاشمي، أستاذة اللغة العربية وآدابها بجامعة الشارقة
د. لطيفة الحمادي، أستاذة اللغة العربية وآدابها بجامعة الوصل
الأستاذة أمل فرح، كاتبة أطفال وخبيرة تربوية
التوصيات:
أوصت الندوة بضرورة وضع ضوابط لما بات يعرف باللغة الثالثة (ما بين الفصحى والعاميات).
دعم انتشار مواقع التواصل المعنية باللغة.
نهوض مجامع اللغة العربية بدورها الحقيقي وترجمة وتعريب المفردات الأجنبية والمصطلحات المستخدمة.
إطلاق حملات إعلامية عبر وسائل التواصل تحث على الاستخدام اللغوي السليم.
ضرورة توعية الأسر، فالذوات الواعية هي الأساس، وتنويع الأنشطة ضرورة والبحث عن هواية حقيقة مطلوب.
تأليف معجم خاص باستعمالات وسائل التواصل باللغة العربية: يكون ميسر اللغة شاملاً وعملياً ومتضمناً للاصطلاحات الأساسية التي توفر لرواد الفضاء الأزرق بديلاً عملياً لغوياً حقيقياً.
إنشاء كليات رقمية لتعليم العربية يقوم على التدريس فيها أكاديميون متخصصون في حملة كونية تسمو بالعربية إلى قمة الفضاء الافتراضي.
تأليف الكتب الإلكترونية: الصوتية والمقروءة المتضمنة لأهم قواعد اللغة العربية في النحو والصرف والعروض والبلاغة والأصوات
عقد مؤتمرات لرواد الفضاء الأزرق (الإنترنت) للتباحث في كل المشكلات التي تعترض العربية وإيجاد الحلول المناسبة لها.
سنّ قوانين ملزمة باستخدام العربية في مختلف المؤسسات والهيئات.
ضرورة التواصل مع الشباب ودفعهم إلى أهمية العربية، عبر خلق دوائر لغوية يتواصل معهم عبرها لتشجيعهم على التواصل بلغة سليمة.
تطوير البرمجيات التي تخدم اللغة العربية في وسائل التواصل.
من المصدر