تتسم التنمية الإقتصادية في العصر الحديث بالإعتماد الكبير على المعرفة، ولذلك العديد من الإنعكاسات المباشرة على الموارد البشرية، ويتمثل ذلك في تنمية الأفراد وتحسين مستوى جودة حياتهم؛ وقد برز في العصر الحديث مفهوم “إقتصاد المعرفة”، والذي أصبحت فيه المعرفة هي المصدر الرئيسي للتنمية الإقتصادية؛ وقد أدى ذلك إلى جعل رأس المال البشري هو أهم أنواع رأس المال (وهو جزء من رأس المال الفكري)؛ وبالتالي، فقد أصبحت الموارد البشرية هي أهم الموارد التي تمتلكها الإقتصادات والمنظمات بمختلف أنواعها.
حيث أن التقدم الاقتصادي بين الأمم يعد رهناً بما يستثمر في مجالات التعليم والتدريب والرعاية الصحية التي تؤدي إلى بناء قدرات الموارد البشرية وتنميتها، ما يبرز إيجاباً في معدلات نمو الدخل القومي والناتج المحلي. فكلما زاد معدل النمو الإقتصادي، أدى إلى مزيد من الإنفاق من قبل المستهلكين وزيادة الطلب على السلع والخدمات. ذلك يدفع المنظمة إلى تبني إستراتيجية توسيع نشاطها وعملياتها لجني أرباح أكثر، مما يستدعي من إدارة الموارد البشرية أن تضع إستراتيجياتها على أساس التوسع في برامجها المتعلقة بالإستقطاب، التعيين، التدريب، المكافآت، والحوافز.
كما تلعب التنمية الثقافية أيضاً دوراً بالغ الأهمية في تنمية الموارد البشرية، ويتمثل ذلك في أن الأساليب المتبعة للتنمية الثقافية تحدد طبيعة الأساليب المثلى لتنمية الموارد البشرية؛ حيث أن التنمية الثقافية في المجتمعات تفرض على المنظمات تبنى أساليب في إدارة وتنمية الموارد البشرية تأخذ بعين الاعتبار الخلفية الثقافية لكل فرد يعمل بها؛ لذلك، فإنه من الملاحظ بأن هناك تفاوتاً بين دول العالم من حيث طبيعة الممارسات المتبعة لتنمية الموارد البشرية.
فقد تمتلك المؤسسات ثقافة إيجابية تعكس وجود إتفاق بين قيم مواردها البشرية وقيم المؤسسة، وهذا الإتفاق يجعل المؤسسة تسلك بمواردها البشرية سلوكاً إيجابياً، ويمكن أن يشكل هذا الإتفاق ثقافة إيجابية قادرة على التطوير والتغيير الإيجابي وتشكل في نفس الوقت نقطة قوة وميزة تنافسية للمؤسسة.
ومن زاوية مماثلة، فإن التنمية الثقافية تؤدي إلى تنمية مستوى كفاءة الموارد البشرية، ولكن ذلك يكون فقط بما يتوافق مع متطلبات المجتمع الذي تتم فيه التنمية الثقافية؛ على سبيل المثال، فإن التنمية الثقافية في مجتمع ما تؤدي بصورة مباشرة إلى الرفع من مستوى كفاءة الأفراد في المنظمات في هذا المجتمع، أما إذا إنتقل هؤلاء الأفراد إلى مجتمعات أخرى، فإنهم قد يجدون صعوبة في التكيف مع الظروف الثقافية في مجتمعاتهمالجديدة.
وعلى الرغم من مرور عقود طويلة من النمو الإقتصادي على المستوى العالمي، إلا أنه لا تزال هناك فجوات بارزة بين دول العالم من حيث مستويات التنمية، وذلك فيما يتعلق بتنمية الموارد البشرية؛ حيث يقاس مدى نجاح الدولة في تنمية ما لديها من موارد بشرية وفقاً للعديد من المعايير، مثل التنمية الإقتصادية، وجودة الخدمات الصحية، والتنمية التعليمية، وغير ذلك؛ فقد تمكنت العديد من الدول من تحقيق النجاح في التنمية البشرية، مما كان له بالغ الأثر على مستوى الرفاهية في هذه الدول، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات ككل.