مقالات

سيف القدس» أبعدت تدحرج الحرب نحو لبنان ومعركة «الرأس المتفجر» إلى حي

لا قراءة واحدة موحّدة للحرب الرابعة بين حركة حماس وإسرائيل. تتعدّد الزوايا، كما الأبعاد، لقراءة المشهد باختلاف اللاعبين على ضفتيّ الصراع، وضمن كل ضفة. في كواليس «محور إيران»، نشوة كبيرة بما حققته حرب الأحد عشر يوماً بمسمّى «سيف القدس». هي معادلة الصاروخ التي تُحدثُ توازناً مع الطائرة.
في المحصلة، شكّلت معركة «سيف القدس» تطوراً كبيراً في الميدان منذ حرب غزة 2014 لجهة الانتظام والتنسيق ومشاغلة «القبة الحديدية» ودخول أجيال جديدة من الصواريخ واختبارها بدقة أهدافها، التي استهدفت مرافق حيوية من مطارات ومنشآت ومواقع عسكرية، ووصلت إلى قلب تل أبيب.
لم تكن هناك أي مواربة في شكر إيران. فبكثير من الشفافية، وقف رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» إسماعيل هنية معلناً أن «إيران لم تبخل بالمال والسلاح والتقنيات». هي اللاعب الذي يضغطُ على الزناد، وتُمسك بيدها صاعق التفجير في وجه إسرائيل ومن خلفها أمريكا، التي تتفاوض معها في فيينا من جديد على الاتفاق النووي.
كان «المحور» قلقاً من المناورة الإسرائيلية التي تُحاكي حرباً شاملة لمدة شهر على جميع الجبهات، ضد «حزب الله» في جنوب لبنان وجنوب سوريا، وضد «حماس» في غزة، مع إطلاق متزامن للصواريخ من جميع تلك الساحات على الداخل الإسرائيلي. وبدا أن احتمالات حرب على الحدود مع لبنان قريبة جداً، عززتها حالة استنفار وجهوزية عالية لدى «حزب الله» على طول الحدود هي الأكبر منذ حربه الأخيرة مع إسرائيل عام 2006.
وجدت قوى «المحور» في انتفاضة أبناء حيّ الشيخ جرّاح في القدس الشرقية، والصدامات المتكررة في باحة المسجد الأقصى في شهر رمضان لحظة مؤاتية في سياق خطتها الاستراتيجية، فاستغلتها بمعزل عن الكلفة البشرية والمادية والتدميرية التي يمكن أن تُحدثها هكذا حرب على القطاع المحاصر أصلاً. في كواليس «حزب الله» تراجعت احتمالات تدحرج الحرب إلى الحدود الجنوبية للبنان. فحرب غزة أبعدتها، بعدما ظهر تطوّر الصواريخ كماً ونوعاً ومسافة ودقة، في تلك البقعة المحاصرة التي تعتمد على صناعة محلية، وحيث لا يُعتدّ بها كساحة لإدارة ما يُسمّيه لصيقون بالمحور بـ»معركة الرأس المتفجّر الصاروخي».
ففي غزة كان وقع الصواريخ معنوياً ونفسياً وإعلامياً أكثر مما هو مادي. لكن الحال ستكون مختلفة تماماً على الجبهة الشمالية الإسرائيلية في معركة «الرأس المتفجّر» مع دقة الأهداف. كان الهدف هو منع تطوير الصواريخ الدقيقة ووصولها إلى يد أذرع إيران في العراق وسوريا ولبنان، لكنها أضحت في يد هؤلاء مع المسيّرات المفخخة. شكّلت اليمن في هذا الإطار ميدان الاختبار لكل تطوّر نوعي في الصواريخ من أجل تكريس معادلة توازن مع التفوّق الجوي للطائرات الحربية الذي تفتقده الميليشيات الإيرانية المنتشرة في مناطق النفوذ الإيراني.
لا وهم لدى إيران وحلفائها بأن حرب «سيف القدس» هي جولة من الجولات، وحرب صغيرة بين حربين، أو حرب من حروب ما قبل الحرب الأخيرة. المهم أن الحرب هي الوسيلة والفحوى والملاذ. والعنوان هو تدمير الكيان الغاصب.
لا مكان للتسويات في عقل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. المواجهة طويلة. فمرشد الجمهورية السيد علي خامنئي يتحدث عن الخطوة الثانية للثورة، وهو رَسَـمَ استراتيجية على مدى الـ40 عاماً المقبلة. وواهم من يعتقد أن طهران عازمة على فتح أبوابها أمام الغرب وأمريكا في قابل السنوات. فالانفتاح يحمل مخاطر جمّة في طيّاته، والمطلوب تعزيز موقع الفكر المحافظ المتشدّد لتحقيق المشروع العقائدي – السياسي التوسّعي.
في غزة، استنفدت حركتا «حماس» و»الجهاد» الجزء الأكبر من صواريخهما. واستغلت إسرائيل الحرب لتدمير الأنفاق وضرب بنك الأهداف التي بحوزتها. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، المأزوم داخلياً بعد فشله في تأليف الحكومة، واحتمالات الذهاب إلى انتخابات خامسة، ربما أضحى في وضع أفضل والرابح الإسرائيلي الوحيد، وإن كان يواجه للمرة الأولى تحركاً فلسطينياً شاملاً متناغماً بين غرة والقدس والضفة وداخل أراضي الـ48، في ظل تأزم المشهد الفلسطيني، وتنامي اليمين المتشدد وحركات الاستيطان التي تعزّزت مع إدارة دونالد ترامب واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتسويقها لخطته للسلام التي عُرفت بـ»صفقة القرن»، والتي نتجَ عنها دخول دول عربية على خط التطبيع مع إسرائيل، ما أضاف ضعفاً على ضعف القضية الفلسطينية وحل الدولتين، الذي شكّل مرجعية معاهدة أوسلو عام 1993 التي لم تصل إلى نهايتها المنشودة.
اليوم، ثمة فرصة تاريخية تلوح في الأفق، وفق منظور «دول الاعتدال العربي» من أجل استعادة القضية الفلسطينية إلى الحضن العربي بعدما جرى توظيفها واستثمارها والهيمنة على قرارها من قبل قوى غير عربية، سواء أكانت إيرانية أم تركية. يتمُّ الرهان في هذه الفرصة على مصر، الراعي الطبيعي وصاحبة التأثير الأقوى كونها بوابة غزة وملاذها. وهي باتت اليوم في قلب التحدّي. نجحت في حياكة وقف لإطلاق النار مع واشنطن وجرى في النهاية فرضه على الطرفين. في المعلومات، أنها سحبت قيادات «حماس» من غزة إلى مصر، وعملت على التماهي مع مزاج الشارع العربي وعواطفه. خصصت مصر 500 مليون دولار للمساعدة في إعادة إعمار غزة عبر شركات مصرية. وفتحت مستشفياتها أمام الجرحى الفلسطينيين. تتكئ واشنطن على مصر وعلى الأردن من أجل إعادة إحياء مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. عاد الحديث بقوّة عن حل الدولتين، ومعه عاد العمل على إعادة تعويم السلطة الوطنية الفلسطينية بوصفها معبراً وممراً لأي اتفاق سياسي، تعززه رغبة أوروبية في التعامل مع السلطة في الضفة، واستمرار التصنيف الأمريكي والأوروبي لـ»حماس» على أنها منظمة إرهابية.
من الصعب التكهن بما إذا كان بمقدور وقف إطلاق النار الصمود طويلاً، أم أن اليد الإيرانية ما زالت قوية في الضغط على الزناد. سيكون على اللاعبين الانتظار لمعرفة أين ستقف حماس والجهاد، وأي مسار سياسي ستسلكان، وما هي القواعد الأساسية التي ستتحكم بالتهدئة المقبلة على المديين القريب والبعيد، وما إذا كانت طريق العودة إلى المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية للوصول إلى سلام ستفتح وفق أسس قرارات الشرعية الدولية، أم أن خريطة طريق جديدة سيتم طرحها؟
الأسئلة كثيرة وكذلك التحديات. الثابت الوحيد أن المخاض طويل وصعب ومكلف جداً قبل أن يطل السلام على المنطقة برمتها، ما دام الخلاف يدور حول مفهوم السلام وأسسه وكيفيته.

المصدر : القدس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق