مقالات

إذا كان الجسد العاري دليل الحضارة فهنيئاً للحيوانات.. فلهم كلّ الحضارة!!!(أ.د. حنا عيسى)

(قبل كل شيء نريد أن نتفق مع الرئيس الأميركي على مفهوم كلمة حضارة.. نحن نفهم من الحضارة كل جهد يهدف إلى الارتفاع بمستوى البشر، وتحقيق أفضل الشروط الإنسانية لهم.. فالحضارات اليونانية، والهندية، والصينية، والفرعونية، والبابلية، والفينيقية، والعربية، حضارات استحقت اسمها لأنها قدمت للإنسان عصارة عقلها وفلسفتها وفنونها، وأضاءت له طريق الخير والمعرفة والسعادة.. وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبار التفوق الصناعي والتكنولوجي في الولايات المتحدة، وأوروبا، تفوقاً حضاريا أو حضارة، بالمعنى الأخلاقي والفلسفي لهذه الكلمة. فحضارة الإنسان وتاريخهومستقبله.. رهن كلمة صدق وصحيفة صدق وشعار صدق.. فبالحق نعيش، وليس بالخبز وحده أبدا. لا تعجبني ناطحات السحاب في البلدان التي تظن نفسها متقدمة، ولا أرى في ارتفاعات المباني الشاهقة دليلا على الحضارة.. انها أشبه ما تكون بمكعبات الأطفال. فكل شيء في حضارة مصر القديمة كان من أجل الموت.. فالناس ولدوا ليموتوا.. أو ولدوا ليستعدوا للموت..الخائفون من الإبداع قد يبنون مدناً ولكنهم لا يستطيعون ان يبنوا حضارة

يمكن القول بأن الحضارات القديمة قد عرفت بعض المظاهر والنشاطات الدولية التي يتعامل بها القانون الدولي المعاصر. ولعل اهم هذه النشاطات ما يلي:

الحضارات الشرقية القديمة: إذا تصفحنا تاريخ الحضارات الشرقية القديمة فإننا نعثر على كثير من المظاهر التي يهتم بها القانون الدولي المعاصر:

ففي حضارة ما بين النهرين: نجد في قانون حمورابي البابلي (1732 1686 ق.م.) وفي رسائله بعض الاحكام المتعلقة بالقانون الدولي، وخاصة في مجال ما يسمى الان “القانون الانساني”. ففي رسالة منه الى عامل بخصوص اسير يقول: اما بخصوص اما نينوم الذي اسره العدو، فتُصرف عشر مئات من الفضة من معبد سين الى مموله الذي افتداه ويدل هذا النص بوضوح على ان شعوب ما بين النهرين عرفت نظام افتداء الاسرى من قبل الدول التي يتبعون لها، وهو الامر الذي يشكل جانباً من جوانب “القانون الانساني” الذي هو فرع من فروع القانون الدولي العام.

وفي الحضارة المصرية القديمة هناك جملة اشارات لنصوص معاهدات وقعها الفراعنة مع ملوك وقادة الشعوب المجاورة، وهذه المعاهدات يمكن تصنيفها ضمن ثلاث زمر:

معاهدات تبعية.

معاهدات تحالف.

معاهدات حماية.

وهي لا تقل عن المعاهدات المعاصرة من حيث الدقة والتنظيم، حسبما يقول المؤرخ الفرنسي المعاصر جورج كونتنو. واول نص في هذه المعاهدات هو نص المعاهدة التي وقعها فرعون مصر رمسيس الثاني مع الملك الحثيين (حاتوشيل) عام 1278 ق. م.، وتنظم هذه المعاهدة علاقات السلام والتعاون بين الدولتين.

وفي الصين القديمة: بحث الفيلسوف (لاوتو) في الحد من الحروب والعقوبات                                                                      الدولية التي يمكن ايقاعها بالمخالفين، كما بحث الفيلسوف كونفوشيوس (القرن السادس ق. م.)  بفكرة الاتحاد بين الشعوب، ونادى بإنشاء منظمة دولية تشبه في مهامها هيئة الامم المتحدة المعاصرة حيث (توفد اليها الدول التي تصبح اعضاء فيها مندوبين عنها تختارهم من بين أكثر المواطنين فضيلة واوفرهم كفاءة).

وفي الهند: نجد “قوانين مانو” التي تم وضعها حوالي عام 1000 ق. م. والتي بحثت في عدة جوانب يبحث فيها القانون الدولي العام المعاصر. ففي قانون الحرب والقانون الانساني، امر مانو بتحريم تعطيل الحقول الزراعية وقطع الاشجار، وواجب على المحارب الا يقتل عدواً استسلم ولا اسير حرب ولا عدواً نائماً او اعزل ولا شخصاً مسالما غير محارب ولا عدواً مشتبكاً مع خصم اخر.

وفي مجال القانون الدبلوماسي، يقول مانو: “الفن الدبلوماسي يتجلى في المهارة في تجنب الحرب وتدعيم السلم” وبان من يرفع يده في وجه السفير يتعرض للهلاك والابادة، وذلك لان السفير مصان من قبل الآلهة”.

وإذا اتينا الى الحضارة اليونانية، فإننا نجد مظاهر القانون الدولي ايضاً،حيث من المعروف انه لم تقم في اليونان دولة موحدة قبل ظهور الاسكندر، بل قامت هناك مجموعة من المدن، مثل اثينا، سبارطة، برغام، دلف … وكل منها كانت من نوع “المدينة الدولة، وهذه المدن دخلت في علاقات تجارية وسياسية وثقافية بين بعضها، واحياناً كانت تعلن الحرب او تعقد الصلح والتحالفات، وكل ذلك خلق نوعاً من “اساليب التعامل” الدولية. واهم اساليب التعامل الدولية التي نشأت وطبقت بين المدن اليونانية هي تبادل المبعوثينالدبلوماسيين وتزويدهم بوثائق رسمية وعقد المؤتمرات واقامة التحالفات بين المدن، سواء كانت هذه التحالفات من النوع السياسي المحض، او السياسي الديني. وكذلك عرفت هذه المدن مؤسسة التحكيم واللجوء السياسي وقواعد اعلان الحرب. وتبادلت المدن اليونانية التجارة فيما بينها، وكان هناك نظام معين كحماية التجار اليونانيين من المدن الاخرى وهو اساس وظيفة القناصل في عصرنا هذا.

وفي الحضارة الرومانية: نجد تطوراً نحو الاحسن، حيث ان روما شكلت امبراطورية طبقت فيها ما يسمى بنظرية السلام الروماني. وهذه الامبراطورية كانت تضم اجناساً واخلاطاً شتى. وقد خص الرومان الاوائل ابناء روما فقط (قبائل السابيين واللاتين والاتروسك) بتطبيق قواعد القانون عليهم، وسموا جملة هذه القواعد “القانون المدني”. وبالنسبة للأجانباضطرت السلطات الرومانية لتعيين قضاة خاصين بهم يُسمون “قضاة الاجانب”, وكان هؤلاء يقضون في الخلافات التي تعرض عليهم ليس استناداً الى القانون المدني الخاص بالرومان حصراً، وانما استناداً الى الاعراف السائدة بين المتقاضين والى مبادئ الحس السليم والقانون الطبيعي، وقد كان قانون الاجانب هذا مقدمة لنشوء ما يسمى “قانون الشعوب” الذي يمكن اعتباره النواة الاولى للقانون الدولي المعاصر.

وبما ان الامبراطورية الرومانية ضمت شعوباً عديدة، وجاورت شعوباً عديدة كذلك، كان لابد من دخولها في علاقات حرب او سلم مع هذه الشعوب، وهكذا عرفت دوماً العلاقات الدبلوماسية ونظام المبعوثين الدبلوماسيين وعقد المعاهدات مع الشعوب المجاورة.

وكانت المعاهدات الرومانية من نوع “المعاهدات المتكافئة” او “المعاهدات غير المتكافئة” بحسب قوة الشعب الذي تتعاقد معه روما، واهمية التعاقد معه،وقوة روما نفسها في وقت التعاقد. وهكذا تدرجت المعاهدات التي عقدتها روما مع الشعوب الاخرى على الشكل التالي:

معاهدات التحالف.

معاهدات الصداقة.

معاهدات اللجوء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق