مقالات

هل سترى الانتخابات الفلسطينية النور اخيرا !!!

بقلم الدكتور خالد الحلو/ رام الله فلسطين

يبدو أننا أمام توفر ارادات فلسطينية وعربية إقليمية ودولية لخوض الانتخابات الفلسطينية وبالتالي يبدوا أننا نقترب اخيرا من خوض الانتخابات بعد سنين طويلة من الانقسام وفقدان الشرعية الدستورية، وهنا تطرأ أسئلة مهمة تتمحور حول ما الجديد حتى تتفق الأطراف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية على الانتخابات الفلسطينية رغم تباين مواقف وثوابت وسياسات هذه الأطراف، وماذا يسعى كل طرف إلى تحقيقه من وراء هذه الانتخابات، وما الواجب الوطني الذي على الفلسطينيين القيام به، وللإجابة على هذه التساؤلات الهامة والمشروعة نبدأ من المعطيات الفلسطينية الداخلية.
حيث أنه بالإمكان اختصار أسباب الانقسام الفلسطيني بالتباين في الرؤية السياسية بين القوتين الأكبر على الساحة الفلسطينية حركتي فتح وحماس حيث أن حركة فتح كانت تراهن على إمكانية تتطور اتفاقات أوسلو لتفضي لقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عبر طريق المفاوضات، بينما كانت حركة حماس تعتقد بعدم إمكانية قيام مثل هكذا دولة عبر المفاوضات ، إلى جانب ان تنافسا كبيرا ساد آنذاك بين الحركتين على قيادة الساحة الفلسطينية خصيصا بعد استشهاد القائد التاريخي للشعب الفلسطيني ابو عمار والذي أوحى غيابه بإمكانية حلول قيادة جديدة تملأ فراغ الإرث القيادي التاريخي الذي كان يملاه في الساحة الفلسطينية، إلى جانب الصراع على المنافع التي حققتها حركة فتح عبر سيطرتها على المواقع الرسمية التي وفرتها السلطة السياسية المنبثقة عن اتفاقيات أوسلو، والرغبة في اظهار حركة الإخوان المسلمين نيتها المشاركة في إدارة النظام السياسي العربي والقبول بالالتزامات المترتبة على تلك المشاركة إقليميا ودوليا، وهذا ما دفع بالحركة لخوض انتخابات العام 2006 بكل قوتها إلا أن حركة فتح وبقبول أو صمت عربي ودولي أعاقت ومنعت نقل الإرث التاريخي القيادي من طرفها إلى طرف حركة حماس وأسهمت الأطراف الإقليمية والدولية في حصار الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة حماس وبالتالي كانت الأمور تسير بتسارع نحو المواجهة والتي انتهت بالانقسام الكبير حيث استقلت كل حركة في إدارة جزء من الوطن المحتل وما ترتب عليه من تراجع خطير في حضور القضية الفلسطينية على الساحة المحلية والعربية والدولية، ولا ننسى هنا أن إسرائيل كانت المستفيد الأول من هذا الانقسام بل إنني ادعي أنها سرعت بوقوعه على أيدي بعض عملائها الذين أسهموا في رفع درجة التوتر بين الحركتين عبر تكرار الاستفزازات هنا وهناك، وكذلك مهدت لهذا الحدث بأضعاف السلطة الفلسطينية في قطاع غزة عبر تدمير كل مؤسساتها وبالتالي اغراء حركة حماس بإمكانية الاستيلاء على السلطة في قطاع غزة تحت معطيات ضعف السلطة في القطاع وتحت تهديدات وهمية بان هناك استعدادات للقضاء على حركة حماس تحت ما سمي آنذاك بخطة دايتون، وبعد مرور قرابة الخمسة عشر عاما على الانقسام وتحت وطأة عنف وصلف وتغول الاحتلال الصهيوني فقد تبين لكلا الحركتين أن استراتيجيات التعامل مع الكيان الصهيوني بحاجة الى مراجعة شاملة حيث أن حركة فتح باتت تدرك عدم جدوى التفاوض خارج مرجعيات قادرة على إرغام إسرائيل على إعادة الحقوق للفلسطينيين وان التغول الاحتلالي الصهيوني في المناطق المحتلة بحاجة لأنواع جديدة من المقاومة حتى لو اقتصرت إلى الآن على المقاومة الشعبية السلمية، أما حركة حماس فقد بات واضحا لديها مدى كبر ثمن الصدام العسكري مع الكيان الصهيوني وتكلفته على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بعد الحروب المتكررة التى أفضت إلى دمار واسع في البنية التحتية في قطاع غزة والحصار الطويل وما ترتب عليه من آثار اقتصادية بالغة التأثير على المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة مما رفع من درجة الحرج لدى حركة حماس في التعامل مع الجمهور الفلسطيني الغزي المنهك، إلى جانب الثمن الذي تدفعه الحركة باغتيال قادتها البارزين خلال وبعد كل تصعيد مع هذا الكيان، وكذلك خفوت فكرة الدولة النموذج لحركة الإخوان المسلمين التى سعت لترسيخها الحركة بالنيابة عن حركة الإخوان المسلمين العالمية في قطاع غزة بعد الانقلاب على الحركة في مصر وبعد المنع والمطاردة للحركة في دول عربية عديدة، وعلى أثر هذه المعطيات الجديدة فقد بدى ان الخلافات العميقة بين الحركتين آخذه بالذوبان تدريجيا خصيصا في عهد إدارة ترمب الذي ناصب الحقوق الفلسطينية العداء المطلق وقدم “لاسرائيل” كل ما يشتهيه اليمين الصهيوني مما دفع بحركتي فتح وحماس للتفكير جديا بضرورة توحيد الجهود لمواجهة تغول المشروع الصهيوني الذي بات مقبولا من دول عربية عديدة باتت تطبع وتعترف بهذا الكيان، ومن طرف آخر بات واضحا أمام حركتي فتح وحماس ضرورة تجديد شرعيات شعبية ودستورية تحمي كلا الحركتين أمام المتغيرات الكبيرة التي طرأت في الساحة العربية والدولية وبالتالي سحب البساط من تحت كل من يطعن بالشرعية الفلسطينية املا في النيل من الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.
أما بخصوص الإرادات العربية والإقليمية فبعضها بحاجة لتجديد الشرعيات الفلسطينية على أمل ترويض ودمج هذه الشرعية الجديدة في التحالفات الشرق أوسطية الجديدة التي على رأسها الان إسرائيل ودول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الحلف الايراني السوري الحوثي الحزب الله المدعوم من روسيا عبر الرهان على تطويع المنظومات الحركية القديمة والدفع بمجموعات فلسطينية جديدة مدعومة من قبل بعض دول الخليج وتتفق معها على تلك المشاريع الجديدة للمنطقة، وبعضها الآخر يرى ان الانتخابات ستوحد الكيان السياسي الفلسطيني وما يعنيه ذلك من تبديد للمخاوف المصرية الأردنية من المخططات الإسرائيلة الهادفة لالحاق قطاع غزة بمصر وإلحاق ما يتبقى من الضفة الغربية بالأردن وهذا ما تعتبره كلا الدولتين خطرا على الأمن القومي لبلديهما، فتوحيد المشهد السياسي الفلسطيني سيعرقل مساع “إسرائيل” في تنفيذ مخططات إلحاق هذه الأجزاء بكل من مصر والاردن، والبعض الآخر يرى بإمكانية تذويب حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني وتحويلها من منظمة ذو تحالفات مع ما يطلق عليه محور المقاومة إلى شريك في سلطة لها التزاماتها الإقليمية والدولية.
أما الإرادات الدولية فعلى تنوعها بين الشرق والغرب بين أوروبا وامريكا خصيصا بعد بدأ ولاية الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن وروسيا فإن الانتخابات الفلسطينية ضرورة لإيجاد صوت فلسطيني واحد تأمل غالبية تلك الدول أن يكون صوتا معتدلا أو مروضا مقابل السماح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات وتجديد الشرعيات وبالتالي إعادة قبول هذه الكيانات السياسية الفلسطينية وشرعنتها والانفاق عليها لإعادة زجها في مسلسل جديد من التفاوض مع الكيان الصهيوني حتى لو كان بلا طائلة حيث أن التفاوض من أجل التفاوض بات هدفا لإبقاء الاستقرار في المنطقة تحت دعاوي أن هناك عملية سلام يتم التفاوض بشأنها.
أما بخصوص “إسرائيل” فإنها تراقب بقلق القرار الفلسطيني بإجراء الانتخابات لمؤسساتة التشريعية، المجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني وكذلك رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، ذلك أن تحقق هذه الانتخابات يعني انتهاء الانقسام الفلسطيني الذي يصب في مصلحة “اسرائيل” بل وقد يدفع باتجاه تحقق اتفاق وطني فلسطيني يتجاوز اتفاقيات أوسلو بل ويلغي الكثير مما حققته “اسرائيل” عبر تلك الاتفاقيات، وعليه وأمام احتمال دعم الإدارة الأمريكية الجديدة لهذه الانتخابات فقد تطالب إسرائيل من أجل الموافقة على هذه الانتخابات بشرط إجرائها تحت سقف أوسلو والتزام الأطراف المشاركة بتنفيذ الالتزامات السياسية والأمنية التي تم الاتفاق عليها في اوسلو، وعلى كل الاحوال ستنتظر “إسرائيل” إما الموافقة على شروطها أو ظهور معطيات بإمكانية فوز أطراف وجودها يسهل تحقق المخططات الصهيونية، أو العمل على افشالها بمنع الانتخابات في مدينة القدس أو بأي وسائل اخرى.
ونخلص هنا إلى نتيجه هامة مؤداها أن على الحركة الوطنية الفلسطينية الاتفاق على ضرورة تجديد شرعياتها التنظيمية والدستورية وإيجاد السبل لتحقيق ذلك حتى لو رفضت “اسرائيل” ذلك، وعلى ضرورة الاتفاق على برنامج نضالى وطني تلتقي فيه حركتي فتح وحماس ومن ورائهم كل الحركات السياسية الفلسطينية بل وكل الشعب الفلسطيني حتى لو كان برنامجا للحد الأدنى “برنامج نضال سلمي مدعوم بتوازن الرعب الذي تشكله أسلحة وصواريخ المقاومة في قطاع غزة” وكذلك ضرورة الاتفاق على برنامج صارم لمكافحة الفساد الداخلي الذي عسف بالحقوق المدنية للمواطن الفلسطيني وأدى إلى عزوف هذا المواطن عن أداء دوره الوطني والمدني وأضعف من صموده فوق تراب وطنه، كما أن على القيادة الفلسطينية القادمة الاستعداد لمقاومة الضغوط العربية والإقليمية والدولية الهادفة إلى إعادة التفاوض العبثي مع الكيان الصهيوني والإصرار على مرجعيات عربية ودولية قادرة على التأثير إيجابا على مسار المفاوضات أو إدانة إسرائيل على أنكارها للحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة على أقل تقدير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق