مقالات

كيمياء السلطة في تونس : هيبة الدولة تآكل العقد الإجتماعي

كتب الاعلامي التونسي المعز بن رجب

يسعدني أن تناقش الناشط و الإعلامي الأخ الخلوق وليد الوقيني حين انفرد في جدلية العلاقة بين الكيمياء و السلطة في تونس.
الكيمياء هي دراسة المادة و خصائصها كيفية و سبب اتحاد المواد أو انفصالها لتشكل مواد أخرى و كيف تتفاعل المواد مع الطاقة ؟ و الكيمياء تساعدنا على وصف و تفسير عالمنا ، و قد يتساءل البعض عن علاقة الكيمياء بالسلطة و هيبة الدولة فالسلطة هي تكتسي صبغة لا مادية إذ تعرف السلطة على انها هي الاستخدام الشرعي للقوة بطريقة مقبولة النهي عن ارتكاب فعل ما أو الارغام على القيام بفعل ما ، و نظرا لضرورة تفاعل السلطة مع محيطها و لكون فعلها مرتبط بضرورة توفر مجموعة من العوامل الواقعية حتى يتسنى فعل القوة من عدمه ، فإن نفس حركة المواد في الطبيعة نجد أن السلطة نفسها يتغير مداها و نفوذها و قدرتها انطلاقا من تأثرها بواقعها و متغيرات واقعها و هذا ربما ما يفسر أن كيمياء السلطة تتغير قواعدها من زمن لآخر و من مكان لآخر و ربما تكون هذه المتغيرات هي أحد سنن ممارسة السلطة منذ بداية الخليقة إلى الآن .

إن ممارسة السلطة بما هي استخدام شرعي للقوة لفرض أمر أو النهي عنه مصدرها فلسفةً هي العقد الاجتماعي الذي يضعه البشر فيما بينهم و ذلك أن الحالة الاصلية للبشر هي أن تكون القوة حق للجميع و هذا ما يميز مجتمعات الغاب كما كان عليه الامر في العصور البدائية فالحق تخلقه القوة و تحميه لكن فيما بعد ابتكر البشر أشكالا لتنظيم مجتمعاتهم و تعددت أشكال التنظم البشري إلى أن وصلنا إلى الدولة كآخر أشكال التنظم البشري لكن ما تشترك فيه مختلف هذه الأشكال التنظيمية هو تنازل المجموعة عن القوة لفائدة السلطة السياسية لكن هذا العقد الاجتماعي شهد تطورا في بنوده انطلاقا من تفاعل السلطة ذاتها مع محيطها فليست طريقة فرض القوة للارغام أو النهي عن فعل ما تتشابه ، ففي المجتمعات التيوقراطية التي فيها القوة تمارس بإسم الدين نجد هذه القوة تمارس بشكل أكثر شراسة و سطوة منها في المجتمعات الديمقراطية إذ نجد ممارسة هذه القوة تتقيد اكثر بقاعدة الشرعية التي تستمدها من القانون و اكراهات الواقع فدور الفرد نفسه و حدود سلطته هي بدورها تتغير حسب المجتمعات و هذه الحركية التي يمكن ملاحظتها عبر كل المسار التاريخي هي روح ديناميكية و تفاعلات تطور العقد الاجتماعي عبر العصور ، بالتالي فإن هذه القوة التي تستمد منها فكرة هيبة الدولة و الهيبة كما فسرها عديد الفقهاء هي الاجلال و المخافة و العظمة في جزئها الاعظم هي تقوم انطلاقا من قدرة الدولة على ممارسة القوة الشرعية لفرض فعل ما أو النّهي عنه و لا يمكن أن يستقيم اي تجمع بشري دون وجود هذه الهيبة لكن هذه الهيبة تتآكل و تتغير و تطور و تخفت بحسب العصور و الامكنة و الاحوال فهذه الهيبة لها حيّز في المفهوم القانوني و حيّز في مفهوم علم الاجتماع السّياسي .

تونس في علاقة بكيمياء السلطة هي جزء لا يتجزّأ من كل التجربة البشرية و لا شك أن فترة الحكم الفردي تكون قدرة الدولة على فرض قوتها أشد و أقوى ذلك أن العقد الاجتماعي تميل كفّة بنوده لفائدة الحاكم بإعتبار تسليم المجموعة لقوتها لفائدة الحاكم بفعل عديد العوامل التي يعتبر البعض منها أن قدرة الحاكم و يده المفتوحة تجعل العقد الاجتماعي هو عبارة عن عقد اذعان لا يمتلك أيا كان مناقشة بنوده و كل محاولة لذلك هي عمل خطير سواء كان ذلك النقاش فكريا أو باستعمال القوة لاضعاف قوة الدولة فالحاكم هو الذي يختص بفرض القوة و حدود قواعد النقاش داخل التجمع البشري ، و هذا التفاعل بين مختلف المواد المكونة للمجتمع يصنع سلطة يصفها البعض بأنها السلطة القوية و البعض الآخر يصفها بكونها السلطة الظالمة لكن في كل الاحوال هذا العقد الاجتماعي القائم على اذعان المحكوم لرغبة له ايجابياته مثلما له سلبياته و لعل اهم ايجابيته هو قدرة السلطة السياسية على تنفيذ و انفاذ مشاريعها لكن أهم سلبياتها أن كيمياء الحكم في هذه الحالة تأكل ارادة مكوناتها و تلتهمها ، و شهدت تونس منذ نشأة الدولة الوطنية إلى الآن عديد الأحداث التي من خلالها حاولت جهات نقابية و حزبية كسر بنود العقد الاجتماعي للحد من القوة و مدى تدخلها في تنظيم حياة الأفراد لعل ابرز أحداث وطنية في المطالبة بمراجعة بنود هذا العقد الاجتماعي هي احداث جانفي 1978 و احداث الخبزة سنة 1984 بما هي تعبيرات سلمية للضغط على الحاكم لتغيير بنود العقد الاجتماعي خلال العشريات الاخيرة من القرن الماضي ، و عرفت بداية هذا القرن حدثين اهم أحداث الحوض المنجمي في 2008 و احداث 10 ديسمبر 14 جانفي 2011 و قد نتج عن هذا الحدث الأخير تغيير عميق في بنود العقد الاجتماعي و ذلك بانقلاب بنود العقد لفائدة المحكوم نظرا لما عرفته ادوات فرض الهيبة من تحركات عنيفة و قوية ضدها كانت نظرية الثورة تتبنى حتى فكرة تفكيك أدوات هذه الهيبة و قد عرفت تونس في جانفي 2011 تغييرا عميقا أدى إلى إغلاق المراكز الامنية و قد عرفت البلاد حالة ضعف أو انعدام للقوة الشرعية للدولة إلى حد أن المواطنين عن طريق لجان الأحياء تولوا حماية احياءهم بواسطة ادوات بدائية لكن السلطة انتقلت الى فائدتهم و صارت شوكة الدولة منكسرة و ضعيفة ، ربما هذا ما جعل المرحوم محمد الباجي قائد السبسي في أول اطلالة له عند توليه للحكومة في سنة 2011 ركز على مصطلح هيبة الدولة فافتقاد المواطن حينها لكل مظاهر القوة الشرعية للدولة خلق حالة خوف فطري لدى المجتمع ، لكن بقي الجانب المطلبي يمارس بتحدي للدولة و عدم خشية من هيبتها طيلة سنوات و سنوات غلق طرقات غلق مواقع انتاج ، و دائما تأبى النخب السياسية إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد على اساس الواقع الجديد و تحديد الخطوط الخضراء و الصفراء و الحمراء في التنازل الجديد عن القوة المسموح بها للافراد لفائدة الدولة ، و لعل البعض يتصور الدستور لوحده قادر على إعادة صياغة العقد الإجتماعي ، لكن إلى الان سواء معسكر هيبة الدولة أو معسكر هيبة المواطن لم يتوصل الى خطاب عقلاني لصياغة عقد اجتم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق