مقالات

أبعاد “المكان” في مؤتمرات المصالحة الفلسطينية / عمر الرداد.

مؤتمرات متوالية  ومكثفة بين قادة فتح وحماس ,والفصائل الفلسطينية الاخرى،شاركت فتح في واحد منها من رام الله”الضفة المحتلة”، فيما جاءت مشاركة حماس التي تحكم قطاع غزة” المحرر”من الخارج، من بيروت ولاحقا في تركيا ،وكان لافتا ان يطير زعيم حماس “إسماعيل هنية” الى بيروت ،ليشارك في مؤتمر عنوانه المصالحة مع حركة فتح لمواجهة صفقة القرن والتطبيع العربي المستجد مع إسرائيل؟
البعد المكاني لانعقاد المؤتمرات ،اية مؤتمرات، يستبطن رسائل سياسية ذات دلالة دوما وباتجاهات متعددة لطرف او أطراف ،المرسل فيها صاحب المكان او المؤثر فيه، وانعقاد المؤتمرات الفلسطينية في أنقرة وبيروت يتضمن رسالة فلسطينية مشتركة من حماس وفتح، تتضمن احتجاجا على الدور العربي المستجد تجاه القضية الفلسطينية،وان هذا الفضاء العربي لم يعد العمق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية،خاصة وان القاهرة كانت على الدوام مقر المصالحات الفلسطينية، وان هناك بديلا “إسلاميا” يشكل خيارا بالنسبة الفلسطينيين، ممثلا بتركيا وإيران الإسلاميتين، اذ ان انعقاد مؤتمر بيروت- رام الله كان عمليا مؤتمر رام الله – طهران، ارتباطا بسيطرة طهران على بيروت، إضافة للرسائل التي أرسلتها حركة حماس من بيروت” إسماعيل هنية” بلقاءاته مع زعيم حزب الله “حسن نصر الله” او جولته في الضاحية الجنوبية .
هذا البعد المكاني في التفاصيل يؤشر الى خطوة فتحاوية تبدو فيها فتح قدمت تنازلا تكتيكيا لحركة حماس، اذ أن أنقرة وطهران حلفاء لحماس وليس لحركة فتح، وهو ما يعني  انتصارا لحماس، في الوقت الذي يمكن معه تفسير موافقة فتح على انعقاد مؤتمر في تركيا ،ردا منها على اتفاقات التطبيع الإماراتية ،البحرينية مع إسرائيل، حيث تساوى موقف فتح مع موقف حماس والموقفين التركي والإيراني في “الرفض والتخوين”.
ربما ليس جديدا القول ان الخطوة الفلسطينية ” من فتح وحماس” تأتي تجسيدا لمقاربة فلسطينية تتضمن خيارا قديما جديدا، يتمثل بانضمام  القيادة الفلسطينية”فتح وحماس وكافة الفصائل” لتحالف الممانعة العربية والإسلامية، وهي مقاربة وان لم يتم اختبار مدى جديتها بالنسبة لحركة فتح، الا انها تطرح تساؤلات حول ما يمكن أن يحققه الشعب الفلسطيني من استمرار ربط القضية بصراعات المحاور العربية والإسلامية ومدى إسهامه في الاقتراب من تحقيق الأهداف الفلسطينية الكبرى بالتحرر والاستقلال وتحقيق المصير؟ هذه الممانعة التي تمثلها طهران، دفعت حلفائها في لبنان “بعد مؤتمر بيروت” للتفاوض مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية، بكل ما يعنيه ذلك من اعتراف “شيعي” لبناني بإسرائيل، فيما جاءت الخطوة التركية في أعقاب انتقادات حادة وجهتها أمريكا لأنقرة على خلفية عقد اجتماع لحماس على أراضيها ،فكان الرد بان أنقرة قادرة على فعل شي بالملف الفلسطيني ضمن المقاربة الأمريكية للحل”صفقة القرن”.
خارج فضاءات الدبلوماسية وحروب البيانات واللغة التصالحية التي تعكسها بيانات المصالحة ،فان الحقائق تشير الى ان هناك أزمة عميقة ومتشعبة تستفحل داخل حركة فتح ومستقبلها ومدى قدرتها على التعاطي مع هموم الشعب الفلسطيني وطموحاته وآماله، بالتزامن مع أزمة أكثر عمقا داخل حركة حماس بين تياراتها التي تعكس نفوذ إيران وتركيا وعواصم عربية ، ومستقبلها واتجاهاتها ومقارباتها تجاه الحل،فيما تزداد معاناة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل “مسكوتات” عنها عميقة ولدت قناعات بان حل الدولتين أصبح حلما، كما حول ملفات أخرى في مقدمتها ملفات القدس وعودة اللاجئين الى ملفات مغلقة غير مطروحة في اية مفاوضات قادمة.
في خضم كل ذلك تبدو ردود الفعل الحذرة تجاه مخرجات مؤتمرات المصالحة لها ما يبررها فلسطينيا وعربيا،خاصة وأنها تأتي ضمن سلسلة طويلة من مؤتمرات المصالحة التي تضمنت مقرراتها كلاما معسولا يؤكد على الوحدة الوطنية والصمود والتحرير، سرعان ما يتم الانقضاض عليها من هذا الطرف او ذاك قبل ان يجف حبرها،وربما ما يزيد أجواء الحذر وغياب التفاؤل ان المؤتمرات الحالية ركزت على إجراء الانتخابات للمواقع القيادية الفلسطينية، والتي يبدو انها مسالة تؤرق قيادتي فتح وحماس، وتعكس حجم مخاوفهما بشكوك لدى حماس من مدى التزام فتح بإجراء هذه الانتخابات ، والقبول بنتائجها،بالتزامن من مخاوف “فتحاوية” من نتائج الانتخابات وما يمكن ان تسفر عنه بتحقيق أهداف حماس، وجوهرها ان تكون ممثلا للشعب الفلسطيني بديلا لفتح .
مؤتمرات المصالحة ومقرراتها ونتائجها لن تكون خيارا فلسطينيا يؤسس لمشروع وطني فلسطيني، بل ستبقى رهينة لنتائج الانتخابات الأمريكية القادمة، وما سيعقبها من تحولات في المنطقة، وهذا لا يعيب السلطة الفلسطينية ولا حماس، فالمنطقة كلها بانتظار نتائج هذه الانتخابات” الدول العربية وإيران وتركيا…الخ” والتي ستبدأ معها ترجمات التحولات الأمريكية التي بدأت مؤشراتها بإعادة ترتيب الشرق الأوسط والتفرغ الأمريكي لمواجهة التنين الصيني، والواضح حتى اللحظة انها ستكون مواجهة اقتصادية وليست عسكرية الا في إطار التلويح باستخدام القوة، خدمة للاقتصاد، فيما غير الواضح إذا ما كانت ستذهب في الشرق الأوسط  باستئناف مخرجات “تسريبات مراسلات هيلاري كلنتون” او بالاتجاه المضاد في حال فوز الجمهوريين.
كاتب أردني.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق