مقالات

اين نحن ؟ اين تارخنا و حضاراتنا؟

كتب الاعلامي التونسي المعز بن رجب

نعيش في هذا المشرق الكئيب منذ عقود كثيرة ما يمكن تسميته بـ”لعنة الحضارة”، هنا بدأ التاريخ، وتأسست العراقة، وعلى هذه الأرض ولد الإنسان الأول، الذي أخترع الكتابة وزرع ودجَّن وعزف وتفاوض وعقد معاهدات وصنع الأدوات وبنى وشيّد الأوابد… إنها الأرض ذاتها هي التي اختارها الله ﷻ لتكون وطن رسله وأنبياءه، منذ آدم وحتى محمد ﷺ. لكننا حولنا هذا الغنى الثقافي إلى عبء أثقل كاهلنا، أصبحنا في فصام دائم بين ما نريد أو نتوقع أن نكون عليه، وما نحن عليه في الواقع؛ بين ما نراه من أمم أوروبا مثلاً التي تعلمت في الماضي من العرب، وبيننا نحن العرب، نحاول دون أن ننجح، ونلهث دون أن نصل إلى المستوى المطلوب من التطور الفكري والتقني الذي يجعلنا في مصاف الأمم المتقدمة، ويؤهلنا لأن نكون ورثة حقيقين وحملة أكفاء لتاريخ أجدادنا ومنطقتنا.
والسؤال المشروع في هذا المقام لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وأي مسارات سلكتها أحوالنا، وكيف تحولت العطايا الإلهية في أيدينا إلى أغلال، ولماذا يفرقنا الدين وهو جامع، في حين تجمع التكنولوجيا المجتمعات البشرية وهي مفرقة؟
لقد حوَّلَنا ارتكازنا على موروثنا الحضاري إلى أناس اتكاليين، منشغلين بانقسامات دينية صنعناها بأنفسنا، وبخلافات بينية من أجل تسيّد هنا أو زعامة هناك، حتى سبقَنا ركب التاريخ، وصرنا في آخره وربما وراءه حضارياً، وإنسانياً أيضاً.
لم نكن على هذه الحال قديماً، فإنسان الحضارات التي سكنت هذه المنطقة في الزمن الغابر كان يفكر ويبحث ويعمل ويخترع، صحيحٌ أن وعيه لفكرة الألوهية كان بسيطاً أولياً عفوياً، حيث قدَّس بالعموم كل ما كان يخشاه، إلا أنه كان في بحث دائم ومستميت للإجابة عن الأسئلة الفلسفية الكبرى من قبيل: “ما المبدأ الأول الوجود؟” “وكيف خُلق الكون؟”. وما يزخر به الشرق الأدنى القديم من الملاحم الأسطورية المبدعة والشيقة، والتي إن اختلفت باختلاف وعي الإنسان بالمكان والبيئة والعلاقات، إلا أنها قدمت وعياً مهماً كمحاولات لتفسير الغيبي والمجهول، ضمن سرديات رمزية ممتعة، وعميقة على الصعيد الإنساني.
نجد مثلاً عند السومريين، الذين ازدهرت حضارتهم في الألف الرابع قبل الميلاد في بلاد الرافدين، أن الماء هو أصل كل شيء وهو المبدأ الأول للوجود، ومنه ولد “آن” إله السماء و “كي” آلهة الأرض، الذين أنجبا بدورهما “إنليل” إله الهواء الذي فصل الأرض عن السماء، وابنته “إنانا” إلهة القمر التي بدد الظلام. ولم يكن البشر إلا عبيداً لخدمة الآلهة.
أما عند البابليين فقد تطورت الأسطورة، وقدمت تفسيراً لخلق الكون في اسطورة “إينوما إيليش” وكيف تصارعت الآلهة، وخاضت حروب دموية، انتصر في نهايتها الإله “مردوخ” وتسلم مفاتيح القدر، وفكر في خلق السماء والأرض وما فيهما، وخلق الإنسان من دماء الإله المذنب كينغو، وبعده خُلقت الشمس والقمر والأرض.

‏التراثيين لا يكفون زعم أن حضارة الغرب مبنية على ما قدمته الحضارة الإسلامية

و الواقع أن جُل المحسوبين كعلماء للحضارة الإسلامية تم تكفيرهم و زندقتهم و محاربتهم من قبل التراثيين في عصورهم، من هؤلاء العلماء الأجلاء الذين غيروا التاريخ من قُتِل و منهم من عُذِّب و منهم من نجى بالهرب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق