مكتبة الأدب العربي و العالمي

سوء الفهم قصة ملبارية ترجمها أ . د . عبد الحفيظ الندوي

في زاوية نائية من بلاد الله الواسعة، حيث الغربة تلف الأرواح واليأس يتسلل إلى القلوب، وجدت امرأة نفسها وحيدة مع طفلها الصغير الذي يئن من الجوع. لم تكن هذه المرأة ممن امتدت أيديهم يومًا للسؤال، لكن الضرورة قست عليها. قادتها قدماها المترددتان إلى مدرسة قريبة من قريتها ، يحدوها أمل بأن يجد بعض قلوب المعلمین الرحيمة مكانًا لحاجتها.
“هؤلاء مربون، لن يهينوني، سيساعدونني حتمًا”
هكذا همست لنفسها، وهي تتقدم نحو غرفة المعلمين.
تعلثمت كلماتها وهي تشرح ضائقتها، فالعوز يثقل اللسان. وبينما كانت تتحدث، كان المشهد داخل غرفة هيئة التدريس مؤلمًا. بعضهم انغمس في عالمه الخاص، وكأن صوتها ليس سوى ضجيج لا يستحق الاهتمام. آخرون رمقوها بنظرات استعلاء وازدراء، وكأنها عِبء ثقيل على وجودهم. أما المتفلسفون منهم، فقد أخذوا يتبارون في طرح الأسئلة الجارحة:
السائل الأول : “هل تخلى عن الطفل أبوه؟”
الثاني : “أليس لها أب؟”
الثالث : “لماذا لا تعملين لتكسبي رزقك؟”
والرابع :”ربما طُردتِ من منزلك؟”.
كل سؤال كان كالسهم المسموم يطعن كرامتها. لم تستطع تحمل المزيد، فانسحبت بصمت، تاركة خلفها نظرات التجاهل والسخرية.
مرت الساعات ثقيلة، والجوع يعذب طفلها. اليأس خنقها، فقررت أن تلجأ إلى مكان لم يكن يخطر ببالها في أقصى القرية قادتها قدماها المنهكتان إلى حانة قريبة. المشهد داخل الحانة كان صاخبًا وفوضويًا. رجال ثملون، أحدهم يرتدي سروالًا قصيرًا وقد ربط إزاره على رأسه، وشخصيات أخرى بملابس بالية وممزقة، يرتشفون الخمر ويتفوهون بكلام غير مفهوم.
“ماذا تفعلين هنا يا أختي؟ ما شأنك في هذه الحانة؟” جاء الصوت قويًا من رجل ذي شنب كثيف، وكان يرمقها بنظرة حادة. ارتجفت المرأة خوفًا، لكنها جمعت شجاعتها وروت قصتها المقتضبة. تغيرت ملامح ذاك الرجل . تحول الغضب في عينيه إلى شفقة عميقة. فجأة، أصبح الرجل صاحب الشنب الكثيف كدرع يحميها. رفع صوته وأعلن للشاربين في الحانة عن محنتها، فالحانة عادة مكان لمشاركة الهموم.
وبدأ المال يتجمع على الطاولة. عملات معدنية وأوراق نقدية، خرجت من جيوب بالية ومتسخة. اشتروا للأم وطفلها طعامًا شهيًا وملأوا بطونهما. وعندما حان وقت المغادرة، رافقها الرجل ذو الشنب الطويل وبعض رفاقه إلى محطة الحافلات. وعند وصول حافلتها، تحدث إلى السائق وأوصاه عليها خيرًا.
وقبل أن تغادر، انحنى الرجل ذو الشنب الطويل قليلاً، وقال بنبرة ملؤها النصيحة: “يا أختي، إذا احتجتِ شيئًا كهذا مرة أخرى، فاذهبي إلى أي مدرسة أو مكتب حكومي، لا تدخلي الحانات، فهذه أماكن سيئة…”
تركت كلماته المرأة في حيرة.

اترك تعليقاً

إغلاق