مقالات

رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية *

الشباب بين الهوية والحداثة (3)

يواجه شبابنا اليوم تحديات متزايدة تتعلق بتعريف هويتهم في ظل عالم يتسم بالتقلبات السريعة والانفتاح على مختلف الثقافات، حيث تتداخل القيم مع الحداثة، مما يجعل الشباب في مفترق طرق، وترى الكثير منهم يسعى إلى الحفاظ على هويتهم الأصيلة، وفي نفس الوقت، يريدون مواكبة متطلبات (الحداثة)، ومنهم أيضًا الكثير يعيش اللامبالاة، ويشكل هذا التحدي محورًا رئيسيًا للكثير من النصوص التي تتناول قضايا الهوية والحداثة في عصرنا الراهن، بداية تعالوا بنا نطرح هذا التساؤل:
* ما هي الحداثة؟
الحداثة هي حركة فكرية وثقافية ظهرت في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وتهدف إلى الابتعاد عن التقاليد القديمة؛ -قيَم ومعتقدات- وتبنّي أفكار جديدة تتماشى مع التقدم العلمي والتكنولوجي.
– تتعلق الحداثة بإعادة التفكير في القيم والنّظم الاجتماعية، وتبنّي أساليب تفكير وعمل تعتمد على العقلانية، والتجديد، والانفتاح على الأفكار والممارسات الجديدة، بعيدا عن المعتقدات والقيَم الخاصة بالشعوب الأخرى…
* ماذا قال علماء المسلمون عنها؟
الحداثة نبتة غربيّة خبيثة، وهي مذهب فكري لم يكن وليد لحظة أو المصادفة، وإنما هي مذهب أنتجته تحولات فكرية متعاقبة في أوروبا، فبعد سقوط الكنيسة من واقع الناس وقلوبهم هناك، بدأ الحداثيون تفسير الكون والإنسان والحياة تفسيرا ماديًا بعيدًا عن تفسير الدين، وما كانت تطرحه الكنيسة عندهم، وكلما فشل مذهب انتقل الناس إلى غيره، فمن تلك المذاهب التي ظهرت: مبكرا (الكلاسيكية) التي ألهَت العقل والطبيعة، ولم يمر على هذا المذهب سوى وقت قصير حتى أدرك الناس أن العقل بمفرده عاجز كلّ العجز عن تفسير ماهيّة الكون وما هو الإنسان، فجاء من يدعو إلى الاعتماد على: (الشعور والخيال) في تفسير الحياة والإنسان، والإجابة على الأسئلة المصيرية حولهما، وهذا المذهب يسمى: (الرومانسية) وهو مذهب يؤلّه
(الطبيعة والشعور)، ثم انتقل الناس من بعد مذهب الرومانسية الذي ظهر فشله الكبير إلى ما يسمى: (الواقعية) كردة فعل عكسية على المغالاة في اعتماد الشعور، ولم يجدِ تفسيرها شيئًا ولم تشفِ الغليل، فانتقلوا إلى: (اللامعقول) وهو مذهب حوّل الإنسان إلى حيوان لا همّ له إلا إرواء غرائزه وشهواته.. وهكذا من تخبط إلى تخبطٍ أكبر…
* ما هي الهوية:
الهوية هي مجموعة من الصفات والمعتقدات والانتماءات التي تميّز الفرد أو المجموعة، وتشكّل إحساسهم بالذات وتعني كذلك الانتماء الثقافي والديني والاجتماعي، وأما تعريفها من منظورٍ إسلامي فهي: الإحساس بالانتماء إلى الأمة الإسلامية والالتزام بمبادئ وقيم الإسلام في العقيدة والفكر والسلوك، حيث أنها ترتكز على العقيدة والشريعة والأخلاق الإسلامية، وتشمل اللغة والثقافة والسلوك والتاريخ الإسلامي، وتهدف إلى بناء شخصية متوازنة تتفاعل مع المجتمع وتحترم الآخرين، مع الحفاظ على ثوابتها الدينية وقيمها.
* ماذا يراد بنشر مذهب الحداثة؟
في ظل الثورة التكنولوجية المعاصرة التي فرضت نفسها على قطاعات الشباب حيث أضحوا مرتبطين بشكل عميق مع الحداثة من غير وعيٍ ودرايةٍ بوجهها الآخر، وتأثيرها على تشويش الهوية، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتحولت فيها الأفكار العالمية إلى شيء ملموس في واقع الناس، وصحيح أنها تتيح للشباب أدوات للتعلم والتواصل تُخرجهم من حدود مجتمعاتهم الصغيرة إلى آفاق واسعة، ولكن ذلك على حساب الكثير من القيم والمعتقدات والخصوصية، فهل يعني ذلك أن يتخلى الشباب عن هويّاتهم الخاصّة؟ وهل مع الحداثة يمكن الحفاظ على الذات من الذوبان فيها والتخلي عن الهوية؟.. هذا ما سوف نتابعه في مقالة الغد بمشيئة الله تعالى، فكونوا على موعدنا المتجدد فضلًا وليس أمرًا.
-صباحكم طيب ونهاركم سعيد وآمن، ولنُكثر من الدعاء لتفريج الكروب وإخماد نار الحروب، ولا ننسَ الصلاة على خير مبعوث للعالمين، محمد ﷺ.
مقالة رقم: (1770)
03 جمادى الأولى 1446هـ
الثلاثاء 05.11.2024 م
باحترام،
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق