مقالات
قراءة في كتاب: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (53)
بقلم: د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد:
العشاء الأخير، وموتُ المسيح، وقيامةُ المسيح، وصعود المسيح، هي من أهم وأبرز الأحداث التي تقوم عليها المسيحية، وقد تناولنا فيما سبق من مقالاتٍ في قراءتنا للكتاب الذي بين أيدينا، جانبا من هذه الأحداث كما صوّرها كُتّاب الأناجيل، متى ولوقا ومرقس ويوحنا، والتي تُبيّن بكل وضوحٍ وجلاء ما فيها من تناقضات وزيادات وتعديلات وغير ذلك، مما يؤكّد على الحُريّة التي تمتع بها المُبشّرون وهم يصفون حياة المسيح -عليه السلام- في كتبهم كما يحلو لهم، وأما الموضوع الذي سوف نتناوله من هذه المواضيع المركزية هو: (صعود المسيح) ويبدأ الباحث المُحقق عرض أحداث الصعود بقوله: “تمتد المتناقضات حتى نهاية الروايات لأن يوحنا ومتّى لا يشيران إلى صعود المسيح، ومرقس ولوقا من يتحدث عن هذا.
– بالنسبة لمرقس (16.19) فإن المسيح، “قد رٌفِع إلى السماء وجلس على يمين الله” ولا يوجد تاريخ محدد بالنسبة لقيامته، ولكن لا بد من ملاحظة أن إنجيل مرقس، الذي يحتوي على هذه الجملة ليست نصً صحيحًا في الأصل، وهي نص كُتِب وأضيف بعد ذلك، في رأي الأب روجي، حتى وإن كانت الكنيسة تعتبره نصًا قانونيًا.
– أما إنجيل لوقا فهو الوحيد الذي ذكر حدث الصعود، وذلك في نصٍ لا يناقشه أحد (24.51) إذ يقول: “إنفصل المسيح عنهم وحُمل إلى السماء” ويضع لوقا الحدث في نهاية رواية قيامة المسيح، وظهوره للأحَدَ عشَرَ حواريًا؛ -ولماذا أحَدَ عشر وهم إثنا عشر؟ ذلك لأن يهوذا الإسخريوطي قد مات- وتتضمن تفاصيل الرواية الإنجيلية أن الصعود قد حدث يوم قيامة المسيح، ولكن لوقا يصف في: (أعمال الرسل)؛ -والكل يعتقد أنه هو كاتبها-، أنّ مرّاتَ ظهور المسيح للحواريين، بين الآلام والصعود بالألفاظ التالية: ” وقد حصلوا منه على أكثر من آية، على حين اظهر نفسه لهم وحدّثهم، طيلة أربعين يومًا، عن ملكوت الله” (1.2.3) إن هذه الفقرة من أعمال الرسل وهي الأصل في تحديد العيد المسيحي للصعود بأربعين يومًا بعد الفصح، حيث يُحتفلُ بالقيامة، فالتاريخ هنا محدد على عكس إنجيل لوقا! ويُضاف إلى ذلك أنْ ليس هناك أي نصٍ إنجيلي آخر يبرز هذا التحديد التاريخي.
– إن المسيحي وقد عرف بهذا الموقف يشعر بالحيرة، فالتناقض واضح، ومع ذلك فإن الترجمة المسكونية للعهد الجديد تعترف بهذا الواقع وبهذا التناقض، ولكنها لا تُفيض بالحديث عن التناقض، بل تكتفي بالإشارة إلى أهمية هذه الأيام الأربعين، بالنسبة لرسالة المسيح.
– إن المُلاحظ أن المعلقين أعطوا تفسيرات شاذة لقضية الصعود، وحتى كلمة صعود موضوع للنقد التالي:” الواقع أنه لم يحدث صعود بالمعنى الفيزيقي نفسه، فليس الله بأعلى أكثر مما هو بأسفل” ولا يفهم القارئ جيدًا معنى تلك الملاحظة، ويتساءل: ” كيف كان يمكن للوقا أن يصرّح بهذا بشكل آخر؟ ويُضاف إلى ذلك أن كاتب التعليق يرى “حيلة أدبية” في واقع أن أعمال الرسل تقول: ” أن الصعود قد حدث بعد أربعين يومًا من قيامة المسيح” والحيلة نفسها تهدف إلى التأكيد على أن فترة ظهور المسيح قد انتهت” ولكنه يضيف أن إنجيل لوقا يحدد الحدث بمساء يوم الفصح، حيث أن لوقا لا يضع أي فاصلٍ بين مختلف الأحداث التي يسردها، وبعد اكتشاف القبر فارغًا صباح القيامة” أليس هذا ايضًا حيلة أدبية إلى ترك فترة من الزمن بما يسمح للمسيح بالظهور بعد قيامته؟ ويعلق هنا الباحث الناقد بوكاي بعدة تساؤلات وكأنه يتحدث بإسم الملايين من الذي خُدِعوا بهذه النصوص المتناقضة والغير منطقية والتي تخالف أبسط الأسس البحثية العلمية.. وفي مقالة الغد بمشيئة الله سوف نستعرض آخر العناوين في هذا الفصل وقبل الخاتمة (أحاديث المسيح الأخيرة في إنجيل يوحنا) فكونوا على موعدنا بارك الله فيكم.
– مقالة رقم: (1645)
21. ذو الحجة. 1445 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).