اقلام حرة

صناعة الحريات

همسة سماء الثقافة_”بقلم داليا حسن”…

في كتابه سيكولوجية الجماهير يقول جوستاف لوبون” مقادير الأمم تصنعها روح الجماهير لا مجالس الحكام” تعبيرا عن ذلك الواقع الذي تصنعه الشعوب المؤمنة بذاتها واحقيتها في الحياة ورفضها للظلم المطلق وسلب الحقوق وامتهان الكرامة الإنسانية. واذا ما عمدنا إلى قراءة سريعة في تاريخ الشعوب والحريات نجد الكثير من الثورات التي اندلعت لاستعادة الحقوق المسلوبة وتحرير الإنسان من براثن العبودية. ففي انجلترا كانت الثورة المجيدة في العام 1688 تحديا حقيقيا ضد مظالم الملك جيمس الثاني في حق الشعب. وفي سبيل التحرر من التمييز العنصري ضد السود جاءت الثورة الهاييتية للعبيد ضد الفرنسسين في العام 1791 والتي أدت لمنح الحقوق المدنية والسياسية للعبيد في فرنسا. الثورات الفكرية أيضا برزت سيما في روسيا ولعل اشهرها الثورة البلشيفية عام 1917 والتي قادت لإنشاء الاتحاد السوفييتي في عام 1922. وليس بالإمكان ان لا نتحدث في هذا المقام عن اهم الثورات في تاريخ البشرية، الثورة الفرنسية (1789_1799) والتي أدت لإنهاء النظام الملكي الفرنسي الذي استمر لثلاثة عقود من الزمن. ولا زالت قصص الشعوب مع الثورات قائمة إلى يومنا هذا طالما كان هناك استمرارا للظلم من الإنسان بحق أخيه الإنسان ولعل آخر ما شهدناه احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا ضد غلاء المعيشة وسياسية الحكومة المجحفة بحق المواطن. اللافت هنا ان صانعي الظلم ومن ينسجون غيوم الجشع والاستبداد وعلى ما يبدو لم يقرأوا التاريخ حق قراءته وربما ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فحجب عنهم نور البصيرة. هذا من زاوية، ومن زاوية أخرى لا يمكن أن تخلو الشعوب من المسؤولية ويحضرنا هنا قول ابن خلدون : الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها” فالناظر لواقع شعوبنا العربية اليوم يشهد تفشيا غير مسبوق للأزمات والفساد وانعدام الأخلاق ولا محالة يرى أن لغة الشكوى والتذمر ولعن الواقع والظروف هي سيدة الموقف. ولا يختلف اثنان على أن تغيير الواقع لم ولن يكون الا بالوعي الحقيقي لدى الشعوب وإيمانها باحقيتها في الحياة الكريمة وتقرير المصير وحتما لا يقف الأمر عن حد الإيمان فما وقر في القلب لا بد أن يصدقه العمل والسعي الدؤوب لمواجهة كافة أشكال الظلم بكل ما أوتيت من قوة، والا فالمصير الوحيد والمحتوم الذي ستواجه بلا شك هو المزيد من المعاناة والألم وانعدام الحياة الحقيقية وعليها هنا فقط الرضا بما اختارته لنفسها من مصير والمغزى الإجمالي لكل ما سبق “الإرادة مصنع الحريات”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق