مقالات

أنا كنعاني يبوسي فلسطيني بالجغرافيا، عربي مسيحي بالتاريخ (أ.د. حنا عيسى)

التاريخ سيكون لطيفاً معي، فأنا أنوي كتابته

قد أنسوكم كل التاريخ وكل القيم العلوية.. أسفي أن تخرج أجيالٌ لا تفهم معنى الحرية.. لا تملك سيفاً أو قلماً لا تحمل فكراً وهوية

العرب أمة تعيش في الماضي وإن التاريخ يلهمها أكثر مما يعلمها في الواقع لذلك فهي لا تحسن التعامل مع الزمن الذي تعيشه وهذا هو السبب في تخلفها

“اسم الكنعانيين جاء من لفظة “كنع” وهي اسم يدل على المنطقة المنخفضة من الأرض، اذ كان هؤلاء يفضلون السكنى في المناطق المخفضة طلبا للماء والدفء وخصوبة التربة”

لقد كان للكنعانيين أصولهم السامية، ولغتهم الخاصة بهم، واسمهم الذي عرفوا به بين الشعوب الأخرى على مدى التاريخ وامتداد الجغرافيا، حتى إن فلسطين عرفت لدى المؤرخين القدامى بأرض كنعان.

كنعان هي منطقة تاريخية سامية اللغة في الشرق الأدنى القديم تشمل اليوم فلسطين ولبنان والأجزاء الغربية من الأردن وسورية، وكانت المنطقة مهمة سياسياً في العصر البرونزي المتأخر خلال حقبة العمارنة كون المنطقة كانت محل نزاع الإمبراطورية المصرية والآشوريين.

والمصطلح «كنعان» كاسم هو مصطلح جغرافي، فإن أول ذكر له ورد في نص اكتشف في تل مرديخ ويعود تاريخه إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، ومن المحتمل أن بلاد كنعان كانت تشمل الأجزاء الجنوبية الغربية من بلاد الشام. وهذا ينطبق على ما ورد في رسائل العمارنة، حيث وصفت السواحل الجنوبية لبلاد الشام، بدءاً من النهر الكبير الجنوبي ببلاد كنعان. لم يشكل الكنعانيون دولة موحدة، بل كانت لهم بضع دول في بلاد الشام. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الوثائق المكتوبة، التي اكتشفت في أوغاريت وتل العمارنة ومملكة بابل في عصر حمورابي ومدينة ماري، قد كتبت بلغة مشابهة هي اللغة الكنعانية، وهذا ما جعل كثيراً من العلماء يعتقدون أن القبائل، التي انتشرت في بلاد الشام خلال القرنين الأخيرين من الألف الثالث قبل الميلاد وانتقلت شرقاً إلى بابل كانت كنعانية. وحسماً للخلاف وإزالة كل غموض تبنى عدد من العلماء التسمية الجديدة: الكنعانيون/العموريون.

الكنعانيون هم شعوب استوطنت سواحل سوريةحوالي الألف الثالث قبل الميلاد ـ وربما قبل ذلك ـ واستقرت في الشريط الساحلي والجزء الشمالي والغربي من البلاد، وأسست فيه حضارات ومدن وممالك كمملكة إبلا، ومملكة يمحاض في حلب، ومملكة أوغاريت قرب اللاذقية، وأطلق تجار اليونان على الكنعانيين من سكان الساحل في جزيرة أروادوجبيل وصيدا وصور اسم الفينيقيين.

ووفق التقسيم الإثني للتوراة، فإن الكنعانيين من نسل حام بن نوح، وأتت من السامية القديمة “كنع” بمعنى منخفض وبالتالي فالكنعانيون سكان الأراضي المنخفضة، وهناك نظريات أخرى تشير إلى أن الاسم قد يكون اسما قد أطلقه الكنعانيون على أنفسهم. ويرى بعض المؤرخون أن الفينيقيين هو الاسم الذي أطلقه الإغريق على الكنعانيين حيث تعني كلمة (phoinikie) عند الإغريق: ذو اللون الأحمر الأرجواني، والهكسوس هو الاسم المصري الذي أطلقوه على الكنعانيين عندما حكموا مصر ولذلك يقال حتى الان بأن مصر هي أرض الكنانة إشارة إلى حكم سلالة البنى إسماعيل، وكنانة من النبط ولفظ نبط كان وصفاً لخروج الماء من زمزم على يد السيدة هاجر.

اللغة:

كان الكنعانيون يتحدثون الكنعانية، وهي لغة سامية مشابهة للغة الساميين الشماليين الغربيين(العموريون).

المدن الكنعانية:

أنشأ الكنعانيون معظم مدن البلاد التي نعرفها اليوم. وقى وُجد في هيكل الكرنك في أرض الصعيد بمصر جدول لمدن البلاد الكنعانية يتضمن ذكر 118 أو 119 مدينة. وهي أقدم ذكر للمدن الكنعانية….والبلاد كانت مكتظة بسكانها الكنعانيين وغيرهم.. وكانت أزقة المدن الكنعانية ضيقة ومعوجة، وكان بعضها مسقوفاً أو معقوداً. وأصحاب المهنة الواحدة يقيمون في حي خاص بهم يسمى باسم مهنتهم. وكان للمدينة ساحة واسعة يجتمع فيها السكان لمقايضة بضائعهم وللتداول في شئونهم المختلفة. ومدن الكنعانيين كانت صغيرة قد لا تزيد مساحة أكبرها عن 70 دونماً. “الدونم يعادل ألف متر مربع”. ولما كانت مدنهم محصنة ومسورة كان سكان القرى المجاورة يلتجئون إليها وقت الخطر، كما كانوا يقصدونها لبيع محصولاتهم وقت السلم.

أمثلة على المدن الكنعانية التي مازالت محافظة لأسمائها حتى اليوم؛ أو حرفت تحريفاً بسيطاً،منها:


* أريحا: مدينة أُقيمت قبل الكنعانيين، قبل التاريخ الفلسطيني المدوّن. وتلفظ اليوم “ريحا”، وهي كلمة سريانية بمعنى “الرائحة” و “الأريج”. والظاهر أن الآراميين الذين انتشرت لغتهم في الشرق العربي قبل الإسلام – وعرفوا فيما بعد بالسريان “السوريين” – تركوا طابعهم اللغوي فيكلمة أريحا السامية.

* أشدود: أسدود اليوم، تقع شمالي عسقلان وعلى مسيرة 18 كم منها. وهي التي دعاها “هيرودوس” بمدينة سوريا الكبيرة. وفيها قبر الصحابي عبد الله بن سعد بن أبيَ سرْح.

* بئر السبع: عاصمة المنطقة المعروفة باسمها في جنوبي فلسطين، وبئر السبع كانت ملكاً لعمرو بن العاص فاتح فلسطين، يقيم بها كلما اعتزل الناس، كما كان يقيم بها بعض أهله. وأتت “سليمان بن عبد الملك” الأموي الخلافة وهو فيها. وفي 22 تشرين الأول من عام 1948 احتل اليهود هذه المدينة العريقة.


* بَنِي بَرَق: بمعنى “ابن البَرْق”. وهي قرية “ابنْ براق” الواقعة للشمال الشرقي من يافا، وعلى بعد عشرة كيلومترات منها. وفي المدة الأخيرة عُرفت هذه القرية باسم “الخيرية”.


* بيتَ تفوُّح: بمعنى “بيت التفاح”. وهي “تَفوُّح”اليوم على بعد خمسة أميال للغرب من الخليل.

* بيت لحم: نسبة إلى الاله “لخمو” الكنعاني. وهي بالسريانية بمعنى “بيت الخبز”. قرية من أعمال حيفا، تقع على مسافة (7) أميال للشمال الغربي من الناصرة. وأما “بيت لحم” الواقعة علىمسيرة عشرة كيلومترات، جنوبي القدس، فكانت تسمى “أفراتة”.

* تَقُوع: ربما كان معناها “نصب الخيام”. وهي “تُقٌوع” الحالية. قرية تبعد نحو 6 أميال جنوب شرقي بيت لحم.

* جبَع: بمعنى “أكمة”. قرية تقع في الشمال الشرقي من القدس، على مسافة 6 أميال منها. وتكثر الأماكن التي تحمل اسم “جبع” و”جبعة” و”جباع” في فلسطين ولبنان. وجميعها من جذر “جبع” بمعنى “أكمة” وتفيد “العلو” و “الارتفاع”.

* جِمْزو: بمعنى “كثيرة الجميز”. تقع على مسيرة أربعة كيلو مترات للشرق من اللد.


* حَلحول: بمعنى “ارتجاف”. تقع على بعد أربعكيلومترات للشمال من الخليل. تعلو عن سطح البحر 3270 قدماً: 997 متراً. وفي حلحول قبر ينسب إلى “النبي يونس بن مَتى“.

الطقوس الدينية للكنعانيين:
1- الاغتسال والتطهر: كان الاغتسال أو التطهّر يجري بواسطة أربعة أشياء عند الكنعانيين، أولاً: الماء وقد كان عليهم وفق العقيدة الاغتسال يومياً، وكان الاغتسال بعد الحرب ضرورياً أيضاً لأنها تعتبر جريمةً يجب إزالة كلّ أثرٍ لها. ثانياً: الزيت وقد كان يستخدمه الملوك غالباً وقد كان الدهان الأرجواني يشفي من بعض الأمراض حسب عقيدتهم، وقد كان على الملك الاغتسال بالزيت قبل تولّي الحكم. ثالثاً: النار التي كانت من أعظم وسائل التطهر عندهم، وقد كانت النار تستخدم دائماً لتطهير الذبائح. رابعاً: الصلاة.
2- دق الطبول وصهر التماثيل: كان دق الطبول طقساً تطهيرياً الغرض منه إبعاد الأرواح الشريرة (كما يعتقدون)، وقد كان صهر التماثيل تطهيرياً أيضاً وذلك لأنه كان يُتم بالنار.
3- القرابين: كانت القرابين توضع مع الموتى، وقد عثر على قرابين تمثل حيواناتٍ في بعض بقايا المدن القرطاجية، وهناك إناءٌ خاصٌّ للقرابين به سبعة أوعيةٍ كلٌّ منها على شكل زهرة سوسن.
4- الألواح الجنائزية: كانت هذه الألواح تثبت بواسطة الطين أمام القبور، وأحيانا تمثل الألواح وجه الميت أو تكون اللوحة زخرفاً مثلثاً.
5- الأعياد: ومن الأعياد التي كان يُقيمها الكنعانيون(الأدونيات، عيد الهفريس، أعياد ملكارت، أعياد رشف، أعياد ياشمون).

عبادة الكنعانيين:

كانت توابيت الكنعانيين عبارة عن جرار من الفخار، يطوى فيها الميت طياً، كما يكون الطفل قبل الولادة في بطن أمه. وأما توابيت الملوك فمنها ما هو من الصخر الصلد ومنها ما هو من الخشب المزين بقطع من القيشاني الملون.  وقد وجد في الجرار وفي توابيت الملوك الكثير من السكاكين والملاعق والحلى والتعاويذ وغيرها. وهذا يدل على أنهم كانوا يعتقدون أنه من حاجات الرحلة في الظلمات الأبدية.

وكانت مزاولة السحر والعرافة والتنبؤ بالغيب أشياء مألوفة لدى الكنعانيين وقد عثروا، في البلاد، على تمائم تعود بتاريخها إلى ما بين عامي 1600 – 1200 ق. م. فتمائم مجدُّو كانت مصنوعة من القيشاني وأما تمائم “تل العجول” فبعضها كان على صورة كبش من الفضة والبعض الآخر كان على صورة ضفدع من العقيق الأحمر.

كان للأب عند الكنعانيين مقام رفيع وسلطة قوية؛ وكانوا يعتقدون بتأثير رضاه وغضبه. وكان له حق التحكم في أولاده سواء تزوجوا أم لا. وإذا مات رب العائلة تناط رياستها إلى ابنه الأكبر.

وكان الختان شائعاً بين الكنعانيين، كما كان شائعاً عند المصريين منذ عصور ما قبل التاريخ “أي منذ عام 4000 ق. م” وعند قبائل كثيرة في الجزيرة العربية منذ عصور طويلة. والأدوات المستعملة للختن هي السكاكين الحجرية كالمدية والموسى.  وكانوا يحلقون بعض أجزاء رؤوسهم وكانوا يدهنون شعورهم بزيت عطر ولا سيما في الأعياد والمواسم. وكانوا يعتبرون حلق الرأس وجزه دلالة على الحزن الشديد والتوبة على الخطية. وكانوا يخلعون نعالهم حين دخولهم للمعابد وغيرها دليلاً على الاحترام. والظاهر أن انتخاب العريس والعروس كان منوطاً بالأقارب. وكان للكنعانيين أعياد يحتفلون بها منها بداية حصاد الشعير، وآخر عيد ختام حصيد القمح وعيد الكروم وغيرها.

وكانت سنة الكنعانيين مؤلفة من اثني عشر شهراً قمرياً. ولما كانت السنة القمرية أقل من السنة الشمسية بنحو 11يوماً، فكانوا ضبطاً للفصول، يضيفون بين حين وآخر شهراً على سنتهم. ولعلهم أخذوا ذلك عن السومريين، سكان العراق في فجر تاريخه. وقد ورثت بعض الأمم الشرقية هذا التقويم القمري، وما زالت تستعمله في شؤونها الدينية. وقد عرف الكنعانيون “الأسبوع” الذي يعزى اختراعه إلى العراق القديم.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق