اخبار اقليميهاخبار العالم العربيالرئيسية

الأصدقاء ـ الأعداء في وداع السلطان قابوس<

يمكن استخدام الانتقال السلس للسلطة بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد البوسعيدي إلى ابن عمّه هيثم بن طارق، السلطان الجديد، كواحد من الأمثلة الكثيرة ليس على طبيعة النظام السياسي لعُمان فحسب، بل كذلك على تاريخها الحديث بمجمله، والذي أعطاها طابع البلد الوسطيّ المعتدل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، رغم وراثتها تاريخا امبراطوريا جليلا، ومعاركها الطويلة مع قوى عالميّة، كالبرتغاليين والبريطانيين، منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وبعض الاضطراب السياسيّ الذي عانت منه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في منطقة ظفار الجنوبية.

يُحسب في صحيفة السلطان الراحل، الذي استلم الحكم عام 1970، أنه نقل بلاده عبر نصف القرن الذي قضاه حاكما، من وهدة تخلّف اقتصاديّ، وانتفاضة شعبية ضده سمحت بجعل عُمان مركز تجاذب عالمي وإقليمي (بين الاتحاد السوفييتي وسلطات الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، اللذين دعما الثورة عليه باستخدام أراضي اليمن الجنوبي، وإيران الشاهنشاهية، التي قامت بدعمه وإخماد العمل المسلح ضده)، وصولا إلى وضع سياسي مستقر، واقتصاد يجعل البلد في الرقم 23 في احتياطي النفط في العالم (رغم أنه لا يشكل غير 1.2٪ من اجمالي احتياطيات دول الخليج)، و27 في احتياطي الغاز، وفي المرتبة 64 من اقتصادات العالم، رغم أن عدد السكان أقل من ستة ملايين نسمة.
إحدى السمات البارزة التي تركها السلطان الراحل كانت مواقف بلاده الحيادية من القضايا الإقليمية الحادة، فعُمان تبنّت مبدأ الحياد خلال حرب العراق وإيران عام 1980، كما أنها لم تشارك في عملية «عاصفة الحزم» التي قادتها السعودية في اليمن، وهي تلعب دورا كبيرا في تخفيف التوتر الهائل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، كما تلعب دورا محايدا من حملة الحصار التي قادتها السعودية والإمارات والبحرين ضد قطر، وقد انعكست هذه السياسات الداخلية والخارجية على حلولها في المركز الأول في مؤشر «الخلو من وقوع الإرهاب»، ورغم الانتقادات التي وجّهت لعُمان التي كانت الدولة الخليجية الأولى التي تستقبل رئيس وزراء إسرائيليا، فإن ذلك اعتبر من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية محاولة من مسقط للتوسّط في النزاع العربي ـ الإسرائيلي أكثر منها تطبيعا أو تآمرا ضد الفلسطينيين، كما هو حال بعض العواصم الخليجية الأخرى.
ومن الملفت للنظر أنه رغم هذه السياسة التي تقبلتها الدول العربية والعالمية، فإن السلطنة لم تنج من محاولات الضغط من قبل السعودية والإمارات عبر تواجدهما العسكري المكثف في اليمن، بل وحتى محاولات أبو ظبي التجسس على أراضيها، فإن مسقط حافظت على هدوئها ولم تظهر ردود فعل قويّة ضد شريكيها في «مجلس التعاون الخليجي».
تفسّر هذه السياسات الخارجية والداخلية كيف جمعت مراسم العزاء بوفاة السلطان قابوس أمس الأحد بين كل هؤلاء الأطراف المتخاصمين، فحضر ممثلو واشنطن مع ممثلي طهران، وشاركت قطر وتركيا في العزاء إلى جانب السعودية والإمارات، وحضر «ثلاثة رؤساء» من اليمن، وهم الرئيس عبد ربه منصور هادي، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، ورئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط، كما حضر ممثلو الحكومة المصرية، فيما بعثت أسرة الرئيس الراحل محمد مرسي برقية تعزية، فالسلطان الراحل لم يتردد، حسب ما تقول العائلة، في تعزيتهم بوفاة فقيدهم، وهي خطوة تدلّ على أن التوازن والاعتدال والمنطق الاستراتيجي التاريخي كان أكبر بكثير من الحسابات السياسية الصغيرة التي تحرك كثيرا من الدول.
غريب في هذا السياق، أن أطراف الصراعات كلّها، الذين لم يوفروا أي سلاح ممكن في خلافاتهم، قد تقبّلوا هذا الدور الذي اضطلعت به عُمان، لكنّه لم يلهم أغلبهم نعمة التفكير في مساوئ أعمالهم ومخاطرها الهائلة على شعوبهم وبلادهم ومنطقتهم.

القدس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق