الرئيسيةمقالات

احكتار الخدمات في فلسطين واستغلال المواطن

بقلم د.حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي

أكثر عقود الإمتياز اشكالية كانت في بداية تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية ، حيث ابرمت بطريقة عشوائية ودون ان تستند إلى التشريعات، كما ان معظمها تم بشكل ارتجالي ومحسوبيات، وقدمارست السلطة الوطنية الفلسطينية منذ قيامها عام 1994 عمليات خصخصة، ومنحت عددًا من عقود الامتياز (التي تمثل نوعًا من أنواع الاحتكار) للقطاع الخاص، بهدف استغلال الموارد الطبيعية وإدارة المرافق الخدماتية العامة، وعقود الامتياز هذه تمّت بطريقة الصدمة الاقتصادية، لتوفير موارد ماليّة على المدى القصير، وهو ما ادى إلى خسائر على المدى الطويل.

ووفقاً لدراسة أعدتها المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن) تناولت الإرث التاريخي للخصخصة في فلسطين، ركزت فيها على عقود الإمتياز التي تمت منذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية، كما في قطاعات (الطاقة، والإتصالات، والسوق المالي، والمياه، والنقل والمواصلات، وتخصيص أراضي الدولة، والتنقيب عن الغاز، والموارد الطبيعية ..وغيرها) جاء فيها انه جرت عمليات خصخصة لبعض القطاعات ومنحت امتيازات لاستغلال املاك عامة وموارد طبيعية عامة من خلال قرارات ارتجالية وبطريقة متسرعة وغير مهنية دون دراسة علمية غالبا او رقابة ، ودون مراعاة اسس الحوكمة الرشيدة في ادارة الموارد العامة تحت مبرر تأمين مورد سريع، مما كان له انعكاسات سلبية ما زالت آثارها قائمة، تمثلت بهدر المال العام او سوء استخدامه، ونشوء بعض الإحتكارات في بعض القطاعات.

وأشارت الدراسة المذكوره أعلاه إلى عدد من عقود الإمتياز التي أبرمت في المراحل الأولى من عمر السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي قالت انها تمت دون تنافس،  كمنح عقد امتياز لشركة كهرباء فلسطين من اجل بناء محطة توليد كهرباء في غزة عام1998(لمدة 20 عاما)، ومنح عقد امتياز لشركة الاتصالات الفلسطينية لانشاء وادارة وتشغيل اتصالات الهاتف الثابت والمحمول عام1996 (لمدة20 عاما بما يتعلق بالهاتف الثابت، و5 سنوات او عند الوصول الى 120 الف مشترك بالنسبة للهاتف المحمول)، والعقود المتعلقة ببيع الرمل واستيراد مادة الحصمة والاسمنت، وعقد الامتياز الممنوح لشركة بريتش غاز البريطانية للتنقيب عن الغاز  عام1999، وعدد من الامثلة الاخرى.

ومن الأزمات الحالية الناشئة عن عقود الاذعان والاحتكار هي أزمة “فقدان الثقةالناشبة حالياً بين المواطنين وشركتي الاتصالات الفلسطينية، والتي تنذر بمخاطر مستقبلية خاصة على قطاع الاتصالات حال لم يتم معالجتها بسرعة قبل فوات الأوان.

فمنذ بدء عمل “جوال” 1999 و”الوطنية موبايل” 2006 في فلسطين لم تفلح الشركتان في إزاحة هذه الفجوة من خلال الخدمات والأسعار التي يقدمانها للمشتركين، بل يبدو أن سياساتهما عمقت الأزمة؛ ما يستدعي ضرورة النظر في سياسات جديدة تراعي متطلبات المواطنين وتجد حلولا للمشاكل التي يعانوا منها.

ويظهر احتجاج مشتركي الشركتين بشكل واضح على مواقع التواصل الاجتماعي وارتفعت حدة الاحتجاجات على أداء الشركتين بعد إطلاقهما لخدمات الجيل الثالث التي لم ترقَ لتطلعات المشتركين خاصة بعد مقارنتهم للخدمات المقدمة في إسرائيل ودول الجوار ومن أهمها الأردن..وتعود خلفيات نقمة المواطنين على الشركتين منذ نشأت “جوال” وملاحظة انخفاض أسعار خدماتها بعد دخول المنافس “الوطنية موبايل” إضافة إلى عدم رضاهم عن أسعار خدمات الجيل الثالث.كما أن المواطنين لديهم سخط كبير على أسعار الانترنت لا سيما بسبب إجبارهم على دفع تكاليف خط النفاذ في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية التي تزداد يوما بعد يوم.ويزداد غضب المواطنين عندما يرون ارتفاع الأرباح للشركات لا سيما الاتصالات الفلسطينية ويعملوا على مقارنتها بالخدمات والأسعار المقدمة لهم.وأمام تلك الأسباب بات المواطن يشعر بـ “الاستغلال” من قبل الشركتين.

كما ويعاني المواطن في فلسطين من احتكار الدولة للعديد من الخدمات كاصدار رخصة السيارة ورخصة القيادة وجواز السفر،وكون هذا الاحتكار يلزم المواطن شراء هذه الخدمة فقط من الدولةلايعني التعسف بتقديمها،بل يجب العمل على تحسين الخدمات الحكومية من حيث التكلفة التي يتحملها المواطن لا سيما في الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المجتمع الفلسطيني، وتقليل تكلفة هذه الخدمات يساهم في تعزيز صمود المواطن، ومن حيث الزمن المستغرق لتقديم الخدمة حيث يتم بأسرع وأسهل طريقة، اضافة لنوعية الخدمات المقدمة وخلوها من العيوب، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف بات لا بد من النزول إلى الميدان والتواصل المباشر مع المواطنين وتلمس احتياجاتهم والخدمات المقدمة لهم، فلا بد منالاستمرار في تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطن، ووضع خطة شاملة لإحداث نقلة نوعية في مستوى هذه الخدمات وضمان تقديمها بسهولة وفعالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق