مقالات
احتضان الإبداع.. حينما تتحدث العقول وتنبض الأوطان بقلم: الدكتور زهير شاكر
من سلسلة: المدينة العربية للعلم والمعرفة والإبداع والإنجاز

مقدمة: الإبداع ليس خياراً.. بل ضرورة نهضوية
في زمن تتسارع فيه التحوّلات وتتغيّر فيه قواعد الإنتاج، بات الإبداع ليس رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية لأي مجتمع يطمح للحياة الكريمة والكرامة الإنسانية. لقد أثبتت التجارب الإنسانية أن النهضة لا تتحقق إلا حين نُدرك أنّ الاستثمار في العقل البشري هو أعظم استثمار.
في هذا السياق، كانت حلقة برنامج “المبدعون العرب” لقاءً معرفياً متألقاً جمع بين الخبرة الرصينة للدكتور زهير شاكر، والإبداع الشبابي الواعد الذي مثّله الأستاذ مراد صلاح، والذي شكّل نموذجاً مُلهِماً للشباب العربي في التميز والتفوق رغم التحديات.
—
الأسرة: البذرة الأولى للإبداع
تحليل نفسي واجتماعي:
الأسرة ليست مجرد إطار اجتماعي، بل هي الحاضنة النفسية الأولى التي تُكوّن جهاز المناعة العقلي للطفل. فالتحفيز، والقدوة، والانتماء، والحب غير المشروط، هي العناصر الجوهرية لبناء الشخصية المبدعة ذات التفكير المستقل.
في حالة الأستاذ مراد، لعب الأب – بشخصيته القيادية – دوراً في ترسيخ قيم العزيمة، بينما غرست الأم – المثقفة الواعية – جذور القيم والأخلاق والتوازن الانفعالي. هذه البيئة المتكاملة زرعت في الطفل الذكاء العاطفي والقيادي، وهما من أعلى مراتب الذكاء البشري وفق علم النفس الإيجابي.
—
التعليم.. مناهج أم ميول؟
تحليل معرفي وثقافي:
اللقاء أبرز أزمة عميقة يعاني منها النظام التربوي العربي: تقديس المعدل وإهمال الميول. فالثانوية العامة – رغم كونها محطة انتقالية – لا تملك شرعية قياس العبقرية، ولا القدرة على اكتشاف الطاقات الكامنة.
التجربة أظهرت أن التعليم التقليدي لا يستطيع وحده أن يصنع المبدعين، بل إن المنهج التفاعلي، والتعليم باللعب، وتبني الفروق الفردية، هو السبيل لصقل المواهب.
توصية معرفية:
> “نحن بحاجة إلى نظام تعليمي يدرّب العقل لا يُرهقه، يشعل الخيال لا يُطفئه، يبحث عن الموهبة لا يقيس القوالب”.
—
الإبداع من رحم التحديات
تحليل نفسي وإنساني:
الإبداع يولد من رحم المعاناة. وكل مبدع هو ابن لحظة وعي مؤلمة جعلته يثور على الواقع. مراد صلاح لم يدخل كلية الطب، ولكن دخل مدرسة الحياة، فابتكر، وكتب، وخطط، وفاز بجائزة صندوق النقد الدولي، متقدماً على ممثلين من عشر دول.
هذا التحدي هو ما يسميه علم النفس بـ “الدافع التحويلي”: حيث تتحول الأزمة إلى طاقة، والإحباط إلى إنجاز، والمأساة إلى رسالة.
—
الإعلام الإبداعي.. صوت العقل الغائب
تحليل ثقافي واجتماعي:
في زمن تصدّرت فيه التافهين المشهد، واحتكر “المؤثرون” مساحات الضوء، يأتي لقاء الدكتور زهير شاكر ليرفع شعار:
> “المبدعون هم صانعو الأوطان.. فمن يسلّط الضوء عليهم؟”
الإعلام الحقيقي ليس تسلية سطحية، بل رسالة معرفية ومسؤولية أخلاقية تجاه المجتمعات. حين يصبح الإعلام منصة لاكتشاف العقول بدلاً من تشويهها، تصبح الكاميرا أداة نهضة لا آلة ترف.
—
رأس المال الإبداعي = ثروة الوطن المهدورة
تحليل اقتصادي ومعرفي:
العالم لا يُدار فقط بالمال، بل بالأفكار. والدول التي تفهم هذا تتحول إلى قوى اقتصادية عبر تحويل الإبداع إلى مشاريع. هذا ما فعله مراد صلاح حين طرح خططًا اقتصادية مبتكرة لحل أزمات البطالة والفقر، نالت إعجاب المجتمع الدولي، وفازت بجائزة دولية.
ومع ذلك، فإن التجربة تؤكد أن غياب الحواضن الإبداعية يجعل من الوطن طارداً للكفاءات، ويحوّل المبدع إلى مغترب دائم، يبحث عن فرصة ليقول: “أنا موجود”.
توصيات اقتصادية:
1. تبنّي نظام شراكة بين رأس المال الإبداعي ورأس المال المالي.
2. دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة كرافعة اقتصادية.
3. تأسيس مراكز توظيف وتوجيه المواهب.
4. تحفيز البحث العلمي وريادة الأعمال.
—
رسالة للأنظمة التعليمية والإعلامية العربية:
> إن لم نوفر للشباب منابر للإبداع، سيبحثون عنها خارج الحدود، وإن لم نعطهم فرصة للتعبير، سيكتبون روايتهم في صمت، وربما بلغة أخرى!
—
خاتمة إنسانية: حين تضيء الشمعة لا تشتم الظلام
من تجربة الأستاذ مراد، وتوجيهات الدكتور زهير، نستخلص أن بناء الإنسان يبدأ من:
أسرة واعية
تعليم محفّز
إعلام معرفي
دولة تؤمن بالإبداع لا بالشهادة فقط
وأن كل شاب يحمل داخله بذرة عبقرية، فقط يحتاج إلى من يُصدّق به، من يمدّ له يداً لا تقمعه، بل ترفعه.
—
نداء معرفي: لنفكر خارج الصندوق.. ولنخرج من الصندوق أصلاً
الإبداع ليس في الحلول الجاهزة، بل في “الحل الثالث”، ذاك الذي لم يُكتشف بعد، ولكنه موجود في عقول شبابنا، فقط ينتظر الضوء، الثقة، والاحتضان.
—
تحية:
تحية إلى كل أم وأب آمنوا بأبنائهم، وإلى كل معلم لم يخن رسالته، وإلى كل إعلامي أعطى المبدعين فرصتهم، وإلى كل شاب ما زال يحلم رغم ضجيج الإحباط.
وتحية خاصة للدكتور زهير شاكر، الذي لم يكن مجرد مُقدّم برنامج، بل صانع منابر معرفية تحتفي بالعقول لا بالشكليات، وبالجوهر لا بالمظاهر.